رحل الرجل الذي توحد اليمن وأهله حوله حيًا ووحدهم ميتًا . رحل شيخ اليمن وقاضيها ومفتيها وروحها ورمز حضارتها وتوحدها وتسامحها وتدينها الصحيح .
رحل نور صنعاء وطيبة أهلها ووداعتها وجوهر الطرفة التي تسكن هذه المدينة الخالدة المكلومة بمحيطها .
رحل الرجل الذي سيبقى خالدًا في تاريخ اليمن والإسلام وستعيد الأمة العربية والإسلامية أكتشافه جيل وراء جيل كعالم دين رباني مجتهد زاهد متواضع غزير العلم بعيدًا عن تسيس الدين او توظيفه لمصلحة او هوى قدمه كما هو وكما يجب أن يكون صافيًا من أجل الله وخدمة الأنسان وكرامته وعزته وسعادته .
الدين الذي جاء لإقامة الحياة الإنسانية لا هدمها و أكرام الإنسان لا الحط منه رجلا كان أم أنثى .
مات الشيخ الجليل والعالم العلم شيخ الإسلام القاضي محمد أسماعيل العمراني ولم يمت علمه ولم يمت اليمن ولم يمت الاسلام وقد أرتبط بهما وارتبطا به وسيبقى كذلك الى الابد .
اليمن اليوم كله حزين على رحيله ولكن هذا الحزن وحد اليمنيين وسط كل حالة التمزق التي يعيشونها منذ الحرب المشؤومة التي اشعلتها المليشيا الحوثية وولدت مليشيات أخرى .
توحد اليمن في الحزن شماله وجنوبه شرقه وغربه رجاله ونسائه على رجل عاش مئة عام ولم يختلف الناس حوله مرة واحدة ، ولم يفوح منه الا عطر الأيمان والمحبة والخير والسلام والتسامح وتوحيد الناس والمسلمين أستنادا لوحدانية الله .
قدم أسلام وسطي بدون مذاهب وفوق المذاهب وسنة صافية بدون زيادات وأحاديث ضعيفة وأحادية هي عدة الجهلة من الذين يدعون العلم بالدين والسنه فيشوهون صفاه وماكان عالمنا العلم العمراني منهم وقد تمتع بصفاء ذهن بقي معه حتى رحيله وبغزارة علم ازادد مع الأيام وبقدرة واعية على الاجتهاد تستند لفهم جوهر الدين والشرع ومقاصده والى تواضع العالم القادر على ان يراجع ويصحح وعلى افق واسع لم يعرف التعصب يومًا او التقليد والأتباع الأعمى ولو كان هذا الرجل في غير اليمن لكان من أعلام العالم الاسلام الكبار لدى العامة وليس لدى الخاصة فقط كما هو الآن ولكنه ظلم با وضاع اليمن وظلمته كما ظلمه بعض الطغاة والعصاة من ابنائها كما فعل الحوثة الذين صادروا مكتبته وحاولوا طويعه ولكنه لم ينحني في حياته لغير الله وما خضع لطاغي او حاكم ظالم او مليشيا او حزب او توجه مذهبي او هوى او مصلحة لانه وهو الزاهد ما كان يحتاج لاحد ولا يطمح من الدنيا الا لخدمة الدين ولهذا توحد حوله كل اليمن وسيبقى خالدًا وذهب وسيذهب الطغاة والطائفيين والمليشيات ومن يسيس الدين .
ستفتقدك اليمن يا عالمنا الجليل ونثق ان تأريخ الإسلام سيخلدك بين المجتهدين الكبار وأن تلاميذك سوف يقدمون علمك النافع والغزير الى كل الأمة العربية والإسلامية. سنفتقدك وكأننا كنا نتمنى أن تعيش الى الأبد نسمع صوتك الودود المحبب وأنت تقول الفتوى با انسيابيه ومنطق وغزارة علم وقوة حجة وأسلوب عذب صافي وابتسامة طيبة وأحيانًا بضحكة رحيمة قربت الفتوى من الصغير والكبير والعالم والجاهل والمراءة والرجل ولم تتعفف ان تجيب عن أي سؤال مهما كان جهل صاحبة أو حراجة الموضوع .. كنا نتمنى ان نستمر بسماعك الى الابد وسماع طرائفك التي اشتهرت بها ولكنها كانت عميقة المغزى ومدرسة في التعليم للأمي وللمتعلم معًا ونسمع سخرية العالم المفند الفذ الملم بكل الاحاديث والروايات من الذين يتعمدون أن يقدمون الاسلام على غير حقيقته الجوهرة او لما يخدم مقاصدهم ومصالحهم ولكنها ارادة الله وسنته ان ترحل وقد عشت مئة عام لم تبخل فيها بوقتك او علمك .. وستبقى خالدًا فينا توحدنا كما وحدتنا دائما بدين وفقه بدون مذهبية او كهنوت او أمامة باغية فاسدة او طغاة او تسيس .
خالص العزاء لكافة أسرة العالم الرباني الجليل الشيخ القاضي محمد اسماعيل العمراني والعزاء خاصة للصديقين السفير عبدالوهاب محمد أسماعيل العمراني والسفير عبدالرزاق العمراني و العزاء للشعب اليمني الحزين المكلوم والامة العربية والإسلامية.ولاحول ولا قوة الا بالله
” إنا لله وإنا إليه راجعون “
المصدر: صفحة عبد الملك مخلافي