لنفترض أن ثمة جلسة خاصة جمعت رئيس النظام السوري حسين عرنوس ووزير المال كنان ياغي. سأل خلالها الأسد عن إمكانية زيادة رواتب وأجور العاملين بالدولة والمتقاعدين.
الأرجح أن رئيس الحكومة سيثني، بمجرد طرح الأسد الفكرة، على أبوية القائد الرمز وشعوره العالي بالشعب ويهز برأسه مبتسماً كلما أجاد الأسد واستطرد.
ولكن حين تكرار الأسد السؤال، من أين وهل يمكننا زيادة الأجور من الميزانية العامة؟ أنتما الأعلم أنها أرقام على ورق ومولنا الضروري منها بالعجز، سيمط عرنوس شفتيه مؤثراً عدم الإجابة لئلا يغضب السيد الرئيس، من ثم، قد يلتفت إلى الوزير ويسأله عن الإمكانية.
وزير المال قال قبل أيام قولته واعتبر تفسيره الماء بعد الجهد بالماء فتحاً في علم ونظريات الاقتصاد “إن أي زيادة على رواتب الموظفين تتطلب تأمين السيولة اللازمة لها، وأن تأمين السيولة لزيادة الرواتب هو الهدف الذي تسعى إليه الوزارة وتضعه على رأس أولوياتها”.
هنا، وعلى الأرجح وفق فرضية الحوار، سيغيّر القائد العبقري من جلسته ويقول: وجدتها.
ويردف، من مقولة وزير المالية التي سخر منها السوريون: سنجد الحل، ومن دون أن يسأله “الكومبارسان” سيتابع الأسد وفق ما عرف عنه من “لتلتة وحشو كلام”: سنرفع أسعار المواد المدعومة لتبدأ الأسعار الجديدة منذ الغد، ونتبع رفع الأسعار مباشرة بزيادة على الأجور والمعاشات، ولكن بدءاً من مطلع الشهر المقبل، وخلال العشرين يوماً المتبقية من يوليو/تموز الجاري، سنؤمن سيولة أكبر من كتلة زيادة الأجور..
هنا، سيبدأ رئيس الحكومة والوزير بكيل المديح والثناء لفكر وحنكة وذكاء السيد الرئيس الذي ينبش الحلول من اللاشيء. لينهي الرئيس الجلسة: ولكن انتبهوا، لا بد من تمرير الفكرة على المواطن عبر ركنين.
الأول تسويق أننا بلد مقاومة وممانعة، ورغم الحرب الكونية علينا منذ عشر سنوات، رفعنا الرواتب والأجور في حين دول كبرى، لو كانت مكاننا، لأعلنت الإفلاس وأوقفت المعاشات.
والركن الثاني: حاولا عبر مكنة الإعلام، تسويق وتكرار أن الارهابيين سيطروا على آبار النفط وتحولنا إلى بلد مستورد، فليتر البنزين الذي يباع بعد رفع سعره الأسبوع الماضي بـ750 ليرة كلفته تزيد على 2000 ليرة، والمازوت الذي تم تسعيره اليوم بـ500 ليرة يكلف الدولة حوالي 2000 ليرة، وهذا الأمر ينطبق على الخبز.
قصارى القول: بعيداً عن الكوميديا السوداء التي يتسلح بها السوريون ليمرروا الأيام وينجوا من الجلطات القلبية، فعلاً هذا الذي جرى بسورية الأسد بالأمس، فقبل أن يمنّ بشار الأسد على الشعب المنتظر تحسين وضعه المعيشي منذ عامين، أصدرت حكومته زيادة على سعر الخبز بنحو 100% وعلى سعر المازوت بنحو 177%، لتؤمن جراء الزيادة وفراً يزيد عن كتلة زيادة الأجور.
بيد أن العجيب بالأمر أن وزارة التجارة وحماية المستهلك بحكومة الأسد رفعت مذكرة إلى رئاسة الوزراء، فندت فيها أثر رفع أسعار المحروقات، البنزين الأسبوع الماضي والمازوت اليوم، على أجور النقل وتكاليف الإنتاج الزراعية والصناعية، بل ولم يفتها حتى التنويه بالأثر المتوقع على التصدير. لكنها لم تتطرق البتة إلى أثر زيادة الأسعار على مستوى معيشة السوريين الذين تعدت نسبة فقرائهم 90%.
علماً أن متوسط أجر السوري اليوم، وبعد منّة ومنحة السيد الرئيس، لا يتجاوز 80 ألف ليرة “أقل من 25 دولاراً بسعر صرف اليوم”، وكلفة معيشة الأسرة السورية، وبحسب مراكز بحثية من دمشق، تزيد قبل الزيادة عن مليون ليرة سورية.
نهاية القول: ضمن بشار الأسد قبل القسم على ولاية وراثية رابعة بعد خمسة أيام، رغم عدم الحاجة والضرورة، عطاء جديداً للشعب السوري المرفّه، سيحوّله الإعلام إلى إنجاز وعطاء رغم الحرب والضغط والاستهداف.
ولأن زيادة الأسعار قبل زيادة الأجور ستكون كما تجارة جحا على السوريين، ما يعني مزيداً من الفقر وغلاء أسعار المنتجات وأزمات جديدة بقطاع النقل وطوابير طويلة أمام الأفران. ستتم محاسبة الحكومة المقصرة التي لا تتناغم مع فكر وعبقرية الرئيس.. وبطبيعة الحال، ستنحل الحكومة بعهد الأسد الميمون الجديد… ويعود السوريون إلى دوامة الفقر والقهر والانتظار.
المصدر: العربي الجديد