تتوجه الأنظار نحو اللقاء المرتقب بين الرئيسين التركي رجب طيب أردوغان ونظيره الأميركي جو بايدن في الرابع عشر من الشهر الحالي على هامش أعمال القمة الأطلسية في بروكسل. لنحسبها سويا بالورقة والقلم: من هم الأكثر عددا والأقوى على الأرض أنصار التقارب والمصالحة التركية الأميركية أم الرافضين لها والداعمين لتأجيجها وإنزال الضربة القاضية بها؟ لمصلحة من التباعد التركي الأميركي وهل الأجواء القائمة تذهب بمنحى الإيجابية والرغبة في التهدئة أم أن المؤشرات السلبية هي التي تتقدم؟
في العلن هي محاولة تركية أميركية لتهدئة التوتر وتخفيف التصعيد بين حليفين استراتيجيين لكنها وعلى ضوء المواقف والسياسات والممارسات المعلنة في الأسابيع الأخيرة خطوة لن تبدل كثيرا في مواقف الجانبين المتصلبة والمتمسكة بانتزاع ما يريده كل طرف .هناك من ينقل الحطب بالمجان لتأجيج نار التوتر بين أنقرة وواشنطن لكن المواقف التركية الأميركية ليست باتجاه نقل براميل مياه إخماد الحريق المشتعل على خط علاقاتهما.
مسيرات كرتونية دمى جديدة بيد أنصار أميركا في وحدات الحماية الكردية تم اختبارها مؤخرا. بالمقابل القيادة التركية لم تتردد في تحميل الإدارة الأميركية جزءا كبيرا من مسؤولية استهداف ومقتل العشرات من المدنيين في غزة على يد القوات الإسرائيلية قبل أيام. ترميم العلاقات بين أردوغان وبايدن لن يعني بالضرورة تحسين العلاقات بين البلدين .
واضح تماما أن قرارات بايدن وطريقة تعامله مع المسائل التي تعني تركيا لا تهدف بالضرورة لتحسين العلاقات المتدهورة والدليل هو تلويح واشنطن الدائم باللجوء إلى فرض مزيد من العقوبات على تركيا إذا لم تتراجع عن صفقة صواريخ إس 400 وتعدل من سياستها الانفتاحية على روسيا في ملفات إقليمية تقلق البيت الإبيض، وأنها متمسكة بإرسال الدعم المالي والعسكري إلى حليفها في شرق الفرات وأنها لن تتراجع عن إيواء جماعات فتح الله غولن المصنفة إرهابية والمطلوبة للعدالة في تركيا. بايدن لم يرسل وزير خارجيته أنتوني بلنكين إلى أنقرة خلال جولته الشرق أوسطية واختار إرسال سياسيين ودبلوماسيين أقل رتبة لجس النبض التركي قبل القمة المرتقبة .
صحيح أن أنقرة اختارت التريث حتى الآن وعدم تفجير العلاقات بعد استخدام بايدن لمصطلح المجازر ضد الأرمن في توصيف ما جرى عام 1914 في شرقي الأناضول لكن الصحيح أيضا أنها لن تتردد في مغادرة الطاولة عند شعورها أن الأمور تسير نحو الانسداد والمجهول وأنها لم تقنع واشنطن بضرورة عدم خسارة الحليف القديم مفتاح الكثير من الملفات الإقليمية التي تهم البيت الأبيض وبينها أزمات أفغانستان وجنوب القوقاز والبحر الأسود والقرم وسوريا وليبيا .
يقول وزير الخارجية التركي مولود شاووش أوغلو أن هناك رغبة أميركية جديدة في العمل مع أنقرة. ويقول المتحدث باسم حزب “العدالة والتنمية” التركي عمر شليك إن بلاده ترغب في وضع أجندة إيجابية مع الولايات المتحدة الأميركية، فيما يتعلق بالمرحلة الجديدة لأن المجالات التي سيتعاون فيها البلدان أكثر بكثير من المسائل المختلف فيها. رسائل انفتاحية مماثلة تابعناها مع قائد القيادة المركزية الأميركية (سنتكوم)، كينيث ماكنزي، الذي قال إن اللقاء المرتقب بين الرئيس التركي ونظيره الأميركي، ستكون له تداعيات إيجابية بالنسبة للعلاقات الثنائية بين البلدين، “ما نحاول فعله مع تركيا هو زيادة المجالات التي يمكننا فيها التوافق والتلاقي. يمكنك الاستمرار في أن تكون صديقًا حتى لو كانت لديك خلافات”. موقف مماثل لجيمس جيفري، الدبلوماسي المخضرم والممثل الأميركي الخاص السابق لسوريا، أن الرئيس جو بايدن ونظيره التركي رجب طيب أردوغان يعرفان بعضهما البعض جيدًا وأنه “ليس هناك هامش كبير للخطأ . ستستمر هذه العلاقات لكونها مهمة، لكن بمستوى أقل مما رأيناه في الفترات السابقة “.
بالمقابل هناك مواقف أميركية أكثر واقعية وعملية صادرة عن نائبة وزير الخارجية الأميركي، ويندي شيرمان، التي أعلنت في أعقاب زيارتها الخاطفة لأنقرة أن “واشنطن عرضت على تركيا بدائل تجنبها العقوبات المفروضة على خلفية شراء منظومة “إس400″ الروسية وأن تركيا تعرف ما عليها فعله لأن خطوتها هذه ولدت أزمة داخل حلف شمال الأطلسي”. ثم هناك ما ردده وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن “تركيا حليف مهم للولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي، لكن هناك أزمة شراء الصواريخ الروسية الواجب حلها”.
واشنطن كما يقال تعرض إرسال الصواريخ إلى خارج الأراضي التركية إلى دولة ثالثة حليفة لتركيا مثلا. هناك من يقول في الداخل التركي إن واشنطن قد تقبل بوضع الصواريخ في مستودعات قاعدة إنجرليك. أنقرة تقطع الطريق على كل هذه السيناريوهات “اشترينا المنظومة لأننا نحتاج إلى تفعيلها في منظومتها الدفاعية ” .
أعلن الأمين العام لحلف شمال الأطلسي ستولتنبرغ أن الحلف بدأ يتعمق في إعداد خطط ميثاق التكتل للعام 2030 في مواجهة روسيا والصين. على أنقرة أن تحسم موقفها إذا. الخيط الرفيع الاستراتيجي الجامع للعلاقات التركية الأميركية هو حلف شمال الأطلسي. بايدن لن يتردد في قطع شعرة معاوية هذه إذا ما شعر أن أردوغان لن يتراجع عن مواقفه وعناده وسياساته التي تغضب واشنطن. وأردوغان لن يتردد في تحميل الرئيس الأميركي مسؤولية تشجيع أنقرة للبحث عن خيارات وبدائل إقليمية جديدة وحماية مصالحها على أكثر من جبهة وفي أكثر من مكان.
أنقرة متمسكة بتقاربها وانفتاحها على روسيا والصين والدول العربية والإسلامية لتعويض الفراغ الاستراتيجي الذي سيتشكل وواشنطن التي تعرف أن دعم أحزاب المعارضة في تركيا لن يعطيها الكثير، تتحرك استراتيجيا منذ أسابيع نحو أثينا ونيقوسيا وعواصم مطلة على البحر الأسود لتعويض خسارتها .
كل تقديرات الموقف الصادرة عن أقلام وأصوات محسوبة على العدالة والتنمية في تركيا تلتقي عند قناعة أن بايدن لم يتراجع عن رغبته في لعب ورقة المعارضة ودعمها وتحريك ملف الأزمات الاقتصادية والمالية لإزاحة أردوغان عن الحكم وإعادة تركيا إلى الحضن الأميركي. وأنه لن يتردد في التصعيد وإضرام النار في سفن العلاقات بين البلدين إذا ما فشل في أخذ كل ما يريده من أردوغان .
قد يتوصل أردوغان وبايدن إلى تفاهمات حول هدنة مؤقتة لكنها لن تطول كثيرا أمام هذا الكم الهائل من ملفات الخلاف والتباعد. غالبية التحليلات في البلدين تتحدث عن السيناريوهات السوداوية في الحوار التركي الأميركي لذلك نرى الأبواب مشرعة في الجانبين باتجاه البدائل والخيارات الواجب اعتمادها عند اللزوم .
احتمال حدوث الصفقة التركية الأميركية في ملفات ثنائية وإقليمية غير مستبعد تماما إذا ما توصلت واشنطن إلى قناعة استحالة اختراق العمق الروسي في آسيا الوسطى والبلقان والقوقاز دون الدعم التركي وقبلت أنقرة من تعديل مواقفها في الحوار مع بايدن مقابل اتخاذ ما تريده في ملفات سوريا والعراق وشرق المتوسط. لكن الأكثر خطورة بالنسبة لأنقرة قد يكون حدوث تفاهمات أميركية روسية على حسابها في حال وصل الحوار التركي الأميركي إلى طريق مسدود وقررت واشنطن المناورة بلعب ورقة بوتين الذي سيلتقيه بايدن بعد يومين فقط من القمة التركية الأميركية .
المصدر: موقع تلفزيون سوريا