لم تنعم سورية الطبيعية أو ماكان يطلق عليها بلاد الشام والتي كانت تضم سورية الحالية مع لبنان وفلسطين وشرق الأردن، لم تنعم بالاستقلال سوى لعامين من عام 1918 إلى عام 1920بعد الحرب العالمية الأولى، وحسب وعود المنتصرين {إنكلترا وفرنسا } كان يجب أن تكون سورية الطبيعية مملكة واحدة يحكمها أحد أبناء الشريف حسين أمير مكة {فيصل} وفعلاً حصل ذلك للعامين المذكورين. لتتكشف بعدها الوثائق السرية عن اتفاق سري بين بريطانيا وفرنسا عرف باسم موقعيه وزيرا خارجية فرنسا وبريطانيا سايكس بيكو، كان يقضي بتقاسم بلاد العرب الذين تحالفوا معهم بالحرب على وعد الاستقلال، وكانت حصة بريطانيا العراق وفلسطين وشرقي الأردن، وحصة فرنسا سورية ولبنان، فأطيح بالحكومة السورية المستقلة وطرد فيصل واحتلت فرنسا سورية ولبنان احتلالًا مباشرًا تحت اسم الدول المنتدبة. كانت نتيجة ذلك أن تنازلت فرنسا بعدها عن أقسام من سورية الحالية إلى الدولة التركية التي نشأت على أنقاض السلطنة العثمانية وأعطت بريطانيا فلسطين لليهود حسب وعد بلفور عطاء من لا يملك لمن لايستحق، وأنشأت إمارة هاشمية في شرق الأردن التي كان يدير الجيش فيها ضابط بريطاني {الجنرال كلوب } كما تنازلت عن الأحواز العربية لإيران وهي المقاطعة الغنية والاستراتيجية التي تطل على سواحل الخليج العربي الذي كان بوجودها مع العراق بحيرة عربية بامتياز، ولم يكفها ذلك بل أطلقت على الخليج بخرائطها ومراسلاتها اسم الخليج الفارسي.
مايهمنا هو توضيح سياسة حلفاء العرب بهذه الحرب {العالمية الأولى } وكيف خانوا عهودهم ومواثيقهم كدأبهم دائمًا إلى اليوم.
فلماذا نقول أن القضية الفلسطينية هي قضية سورية،ـ”وهذا لاينفي كونها القضية العربية الأولى في هذا العصر”.
إنها قضية سورية لأنها بشكل الجزء الطبيعي من الجغرافيا السورية وهناك التاريخ المشترك كدولة واحدة ولا نستطيع الفصل بين العوائل المتداخلة المتصاهرة والمتماثلة، اللغة واحدة والأديان السماوية مشتركة وهي مهد هذه الأديان السماوية.
بعد هذه الخيانة من الحلفاء وبداية تدفق المستوطنين اليهود على فلسطين، بدأت الانتفاضات والثورات في كل من سورية وفلسطين ضد الاحتلالين الفرنسي والبريطاني ومن المهم التذكير هنا أن الكثير من المقاومين وحتى زعماء هذه الانتفاضات في فلسطين كانوا من الشمال السوري، كدليل على وحدة هذه البلاد.
بعد الحرب العالمية الثانية وانتصار الحلفاء المستعمرين، استصدروا قرارًا يقسم فلسطين الحالية بين أهالي البلد والمستوطنين الوافدين من دول أوروبا من المنظمة الدولية الجديدة التي أخذت اسم الأمم المتحدة التي قامت بعد الحرب على أنقاض عصبة الأمم، فقررت الجامعة العربية التي تشكلت حديثًا من سبع دول عربية بترتيب وتوجيه بريطاني، تشكيل جيش عربي موحد للذهاب إلى الحرب في فلسطين، وكانت الكارثة أن سبع دول شاركت في هذا الجيش لم يبلغ تعداده ربع العصابات الصهيونية ذات التسليح والتدريب الجيد أيضًا، بينما الجيش العربي الذي كان يقوده ملك متحالف مع بريطانيا وزعماء الصهاينة هو ملك شرقي الأردن عبد الله بن الحسين، بينما كان قائده الفعلي الجنرال الإنكليزي كلوب وكان من الطبيعي أن تنهزم جيوش العرب أمام تلك العصابات وبدأت تظهر فضائح الفساد بالسلاح الفاسد والانسحابات دون قتال كما حصل في اللد والرملة وأم الرشراش { إيلات}وماكو أوامر للجيش العرقي، والنتيجة أن العصابات الصهيونية استحوذت على جزء كبير من الأراضي والبلدات المخصصة للعرب حسب قرار التقسيم، ومع ذلك قامت الدول العربية المنبطحة بتوقيع الهدن مع العدو مما يعني اعترافًا بحيازته لهذه الأراضي.
تحرك الكيان الصهيوني بعد ذلك تحرك المزهو بانتصاره وجاءت حرب 1967 لتزيد من غروره وليصل الأمر بقادته العسكريين أمثال شارون ودايان الذين رفضوا حصر كيانهم بحدود محددة إلى أن يقولوا أن حدود إسرائيل هي آخر مكان في البلاد العربية تصل إليه الدبابات الإسرائيلية. متجاوزين المقولة التي يكرسها نشيد دولتهم بأن حدودك يا إسرائيل من الفرات إلى النيل.
مع تفجر المقاومة الفلسطينية ومقارعتها هذا الكيان السرطاني الذي يعتمد التمييز العنصري ضد العرب أصحاب الأرض الحقيقيين، بدأت المعادلة تتغير، ومع أن الحديث عن المقاومة ومحاصرتها من الأنظمة العربية أولًا ومحاولة الاستلاء على قرارها يطول، فإن الضربات التي وجهتها المقاومة والشعب الفلسطيني غيرت الكثير من الأمور لصالح الشعب الفلسطيني رغم التدمير والقتل والتهجير.
المشهد اليوم بعد انتفاضة الشيخ جراح التي فجرت لأول مرة بهذا الشكل الذي أفزع الكيان انتفاضة أهلنا داخل مايسمى الخط الأخضر، كما شملت الانتفاضة القدس والضفة وغزة التي كان من المستبعد انضمامها بالشكل الذي جرى، وهذا يعنى أن تأثيرات الربيع العربي في الشمال السوري ولبنان وحتى الأردن تتكامل في هذا الإقليم المنتفض والمجروح.
فماذا كان تأثير هذه الانتفاضات المستمرة إلى اليوم: يقول )جدعون ليفي( إن المجتمع الإسرائيلي أحاط نفسه بدروع وحوائط مادية وذهنية، وبعد أن كان الكيان يعتبر حدود وصول دباباته هي الحدود، بنى داخل كيانه الجدران العازلة لتصبح حدوده كل يوم أضيق وأضيق. وبينما كان نتنياهو منذ أيام يخاطب يهود العالم ويدعوهم لإسرائيل لأنها الأمان. يقول ليفي إن إسرائيل أصبحت أخطر مكان لليهود في العالم. أما الصحافي في الغارديان البريطانية جوناثان فريدلاند فيقول :على إسرائيل أن تدرك أن الرأي العام الدولي ينقلب ضدها بعد أن كان مؤيدًا لها باستمرار.إن تهديد العمق المدني لإسرائيل وفشل كل دفاعاتها يعني أن هذا الكيان بدأ بالتدهور مع كل الدعم الأميركي والقبة الحديدية الحامية. أما صحيفة الفايننشال تايمز فقالت :”الغضب الفلسطيني يفضح أوهام نتنياهو الذي قال أنتم آمنون في إسرائيل .
هذا غيض من فيض من المواقف الجديدة التي لم نكن نسمع بها وهذا يدل على أن سياسة القوة والعنف لن تنجي هذا الكيان ولن تنجي كل الأنظمة التي تتخذ العنف سبيلا لإخضاع شعوبها، وإن ماحصل في فلسطين بداية الانهيار للمشروع الصهيوني الذي يجر معه كل الأنظمة الفاسدة والمتسلطة والقمعية في المنطقة ولو كره الكارهون.
المصدر: اشراق