من خلال الصلح بين مصر وقطر ستنتهي الكثير من “الدراما” الإقليمية وستقل كثيرا حدة الاستقطاب في الشرق الأوسط. هناك أسباب دفعت لتقارب القاهرة والدوحة، فما أثره على ملف الإخوان والوضع في ليبيا؟ وهل تكون الإمارات طرفاً خاسراً ؟
انكسر الجليد بين مصر وقطر بعد ما يشبه العداء الذي استمر منذ عزل الرئيس المصري السابق محمد مرسي، وأضحى البلدان الآن يتبادلان عبارات “تطوير العلاقات الثنائية”، خصوصاً بعد استقبال الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لوزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن (الثلاثاء 25 مايو/ أيار)، وتوجيه أمير قطر الشيخ تميم بن حمد دعوة للسيسي لزيارة الدوحة.
ويعدّ هذا التطور لافتاً للغاية، إذ لم يكن متتبعون كثر يعتقدون أن يحدث صلح بين دولتين اندلعت بينهما حرب إعلامية دون هوادة، بسبب تباين سياساتهما، خصوصا الدعم القطري الكبير لجماعة الإخوان المسلمين واستمرار الإعلام القطري في وصف عزل مرسي بـ”الانقلاب على الشرعية”.
بيدَ أنه على الناحية الأخرى، لم تظهر الرسائل الوردية بين الدولتين مفاجئة تماماً، إذ كانت هناك إشارات كبيرة لتغير مواقفهما، الأولى ظهرت في اجتماعات قمة “العلا” في السعودية، عندما اتفقت دول مجلس التعاون الخليجي على إنهاء الأزمة الخليجية، ووقعت مصر بدورها على البيان الختامي، وثانيها وقف التوتر بين مصر وتركيا ودخولهما في مصالحة تاريخية.
هذه أسباب انكسار الجليد!
يرى علي الهيل، الأكاديمي القطري، أن هناك حاجة مصرية للمصالحة مع قطر، منها ما يعود لأسباب اقتصادية: “يعيش في قطر أكثر من 300 ألف مصري يحوّلون بشكل دوري أموالا لبلدهم، وهناك استثمارات قطرية ضخمة في مصر سواء للحكومة أو لرجال أعمال، وهما أمران أساسيان للقاهرة التي تعيش وضعاً اقتصادياً متردياً”، حسب تعبيره.
لكن هناك سبب سياسي حسب المتحدث نفسه، يعود إلى خارطة التحالفات الإقليمية، وتحديدا إمكانية “نشوء تحالف رباعي بين قطر والسعودية وتركيا ومصر، سيمثل تجاوزاً حقيقياً لدور الإمارات الإقليمي”. السر وراء هذا “التحالف” حسب قوله هو أن أبو ظبي تجاوزت مبادرة السلام العربية و”طبّعت بشكل مجاني مع إسرائيل بحثاً عن مصالحها الخاصة”، وكذلك لكون هذا التحالف السني “من شأنه مواجهة إيران الشيعية إذا ما استمرت في محاولة تصدير الثورة”.
غير أن الأكاديمي المصري جمال عبد الجواد، يرى أن السبب الرئيسي وراء المصالحة أن “السياسة التي اتبعتها قطر وتركيا لأجل إحداث تغيير داخلي في مصر في اتجاه معين منذ عزل مرسي أخفقت”، ويضيف لـDW عربية أن مواصلة الدوحة للسياسة ذاتها باتت “أمراً غير فعال ومجرد إهدار للموارد”، لذلك “توقفت عن رفع العداء ضد النظام المصري”، ما سمح باستئناف العلاقات.
أيّ أثر على الأرض؟
صار الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مُخاطبا رئيسيا للغرب في ملفات متعددة تهم الشرق الأوسط، ولم تعد الانتقادات الحقوقية الموجهة إليه، خصوصا ما يتعلق بأرقام المعتقلين السياسيين، قادرة على منع استمرار الشراكة معه. ويتحدث جمال عبد الجواد، عن أن القيادة المصرية هي المستفيد الأكبر في عدة ملفات مؤخراً، كـ”دورها النشط في غزة ونجاحها في الملف الليبي”، مضيفاً أن مصر يمكنها أن “تتحوّل إلى جسر يربط بين المحاور الإقليمية المختلفة بدل أن تدخل في أحدٍ منها، ما سيكون له تغيير كببر في خارطة هذه التحالفات”.
في المقابل، لم تنجح حركة الإخوان المسلمين، أبرز معارضي السيسي، في تحقيق مكاسب حقيقية لها سواء داخل مصر أو خارجها، شأنها شأن كل أطياف المعارضة التي تعرضت لتضييق كبير. وبمصالحة قطر وتركيا مع مصر، تفقد الحركة الدعم المطلق لأهم حليفين إقليميين لها، وإن كانت الدوحة وأنقرة ترفضان تصنيف الحركة في قوائم الإرهاب – على عكس ما تريد القاهرة- أو تسليم قيادييها.
غير أن علي الهيل يرى أن الدوحة لم تكن تراهن منذ مدة على الإخوان المسلمين كقوة سياسية، وأنها تعاملت بـ”منطق إنساني” مع أفراد وأسر التنظيم الذين لجؤوا إليها، وأن الملف بالنسبة لها شبه مغلق من الناحية السياسية. لكن من جانبه يتحدث جمال عبد الجواد، أن المصالحة ستؤثر بشكل واضح في دعم قطر للإخوان، وكذلك في “الأدوات الإعلامية القطرية” التي شكلت إحدى أسباب التوتر بين قطر وعدد من جيرانها.
القاهرة والدوحة كقوتين إقليميتين
لعبت مصر وقطر أدوارا كبيرة في الوساطة بين حماس وإسرائيل لوقف القتال، وأشادت حماس، المحسوبة على الإسلام السياسي والإخوان المسلمين، بالقيادة المصرية بشكل كبير. وفي الجانب الآخر احتفى الإعلام المصري، ومنه الرسمي وشبه الرسمي، كثيرا بحماس وبطريقة إدارتها للصراع مع إسرائيل، في تشابه كبير مع التوجه القطري، سواء السياسي أو الإعلامي في دعم الفلسطنيين. وبدا أن “القضية الفلسطينية” تمثل نقطة التقاء جوهرية بين البلدين، ويمكنها أن تشكل قناةً تواصلية أخرى، عكس الإمارات التي تتبنى نهجا مختلفاً ولديها رغبة في تعميق العلاقات مع إسرائيل بعد أشهرٍ على تطبيعها بشكل رسمي.
وأشارت عدة تخيمنات إلى أن عودة مصر للعب أدوار طلائعية في وقف التصعيد يعود بالأساس لتضايق القاهرة من السياسة الخارجية الإماراتية التي أهملت الدور المصري الإقليمي في العلاقة مع إسرائيل، ما جعل مصر تحاول التأكيد على وزنها للخارج، وهو ما أشار إليه نيل كويليام، الزميل المشارك في مركز أبحاث “تشاتهام هاوس” في لندن، في مقابلة سابقة مع DW بالقول “مصر أكدت مرة أخرى على قدرتها على الاستفادة من علاقاتها مع إسرائيل، حتى ولو كانت محدودة”.
وبعيدا عن غزة، يتحدث علي الهيل عن أن المصريين في حاجة إلى وساطة قطرية في المشكلة المستمرة مع إثيوبيا حول سد النهضة، خصوصًا أن الدوحة تملك علاقات جيدة مع أديس أبابا والخرطوم، حسب قوله، كما أنه يمكن للطرفين، أي مصر وقطر، التعاون بشكل أفضل لحل الأزمة الليبية. ويرى الهيل أن القاهرة وأبو ظبي “صارتا على طرفي نقيض في ليبيا”.
وتقاربت القاهرة مؤخراً مع حكومة الوحدة الوطنية الليبية التي يحاول الجنرال خليفة حفتر عرقلة عملها. وهناك تفاهمات تركية-مصرية في ليبيا، خصوصا مع إقرار البرلمان التركي تشكيل لجنة صداقة برلمانية مع مصر وليبيا، وقيام وفد تركي رسمي بزيارة للقاهرة في 5 و6 مايو/ أيار، هي الأولى من نوعها منذ الإطاحة بالرئيس الراحل محمد مرسي عام 2013.
كما سيأتي الملف الليبي ضمن قائمة التفاهمات القطرية-المصرية نظرا لنفوذهما داخل هذا البلد، ما سيكون له أثر كبير على الأزمة وخصوصاً على رافضي حكومة الوحدة الوطنية.
المصدر: العربية