من المعروف والمؤكد أن الولايات المتحدة الأميركية تمتلك أحد مفاتيح الحل في سوريا، وهذا لا ينبع من كونها قوة دولية وحسب، بل لأنها موجودة على الأرض السورية بحكم الواقع عبر دعم ما يسمى “قوات سوريا الديمقراطية”، وتوفير الحماية لهذه القوات عسكريا وسياسيا، بل وعبر تزويدها بالأسلحة، وتدريب العناصر التابعة لها، ومحاولة تسويقها على المستويين الإقليمي والدولي، وتجميل أفعالها وانتهاكاتها بحق المدنيين عبر إعطاء صبغة أنها من أبناء المناطق وحاربت الإرهابيين، رغم أن عمودها الفقري هو الجناح السوري لحزب العمال الكردستاني، أو ما يعرف بـ”وحدات الحماية الشعب”.
ويضاف لما سبق سيطرة هذه القوات بحماية أميركية على أهم مصادر سوريا، من ناحية الثروة النفطية حيث إن أهم حقول النفط والغاز تقع تحت سيطرة هذه القوات، وسبق أن أعرب الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب عن أهمية سيطرة قواته على النفط السوري، عندما صرح عدة مرات أن “الأهم في سوريا هو النفط بيد أميركا”، ونظرا لهذه الحماية الأميركية، فإن عائدات النفط حاليا توظف في خدمة الإرهابيين التابعين للقوات المدعومة أميركيا، وتذهب من أجل جيوبهم دون أن توظف حتى لصالح السوريين الموجودين في مناطق سيطرة هذه القوات.
كما أن أميركا سخرت قوى دولية من أجل محاربة تنظيم داعش، ونسقت لسنوات طويلة مع روسيا علنا، ومع إيران سرا لمكافحة داعش، ولكنها أطّرت وجودها وحجم تدخلها في سوريا بأنها لمحاربة داعش، ورفضت دعم قوى المعارضة المسلحة لأن الأخيرة لم تقبل أن تقاتل داعش لوحدها، لأنها بالفعل كانت تقاتل داعش من جهة، وقوات النظام في نفس الوقت من جهة ثانية، حيث اشترطت أميركا أن يكون التسليح والقتال محصورا بتنظيم داعش، ولهذا فإن دعمها كان محصورا بالقوى الكردية، مقابل تنسيق مع روسيا ميدانيا، وتنسيق في العراق لدعم الحشد الشعبي ضد داعش، وكل ذلك لتنفيذ أهداف أميركية من المؤكد أنها تبتعد عن أهداف الشعب السوري.
حصر الدعم الأميركي في سوريا لمحاربة داعش مع غض النظر عن وحشية النظام في قصفه المدنيين السوريين وعقابهم بالقصف والبراميل المتفجرة، تجلى بشكل واضح مع الخط الأحمر الذي رسمه الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما، الذي لم يحرك ساكنا مع قصف ريف دمشق بالأسلحة الكيمياوية، حيث كان قد رسم خطا أحمر للنظام، ورغم خرق هذا الخط لم تتدخل أميركا وكل هذا أظهر أن لأميركا أجندة مختلفة، وهي عنصر فاعل ومن المؤكد أن أي حل في سوريا يجب أن يكون متوافقا مع الرؤية الأميركية للحل مع بقية الأطراف، فالدول الضامنة تركيا وروسيا وإيران غير قادرة على فرض الحل وحدها في سوريا، بل على العكس فإن أي تقارب أميركي وخاصة مع تركيا وروسيا سيؤدي بالضرورة إلى اقتراب فرص الحل، كما أن أميركا لم تستطع فرض شيء لحماية مئات آلاف المدنيين من آلة موت النظام، لا بتزويد المعارضة بالسلاح النوعي، ولا بفرض حظر طيران، وكأن الخط الأحمر الذي رسمته للنظام، طبقته على المعارضة بمنع استخدام مضادات الطيران.
وتدفع المواقف الأميركية السابقة للتساؤل عن مقاربتها للحل السوري، وعن المدى الزمني المتوقع من أجل فرض الحل والتوافق عليه مع روسيا والأطراف الإقليمية المعنية، وهنا لا بد من التذكير بتصريحات سابقة خلف الكواليس لأحد الدبلوماسيين الأميركيين على هامش أحد اجتماعات أستانا قبل سنوات، تلك الاجتماعات التي كانت تشارك بها أميركا سابقا بصفة مراقب، وأعلنت انسحابها منها لاحقا، قوله إن “مقاربة الإدارة الأميركية للأزمة السورية، هي مقاربة أن هذه الأزمات تستغرق مدة زمنية لا تقل عن 15 عاما”، وقوله دفع المستمعين للتشاؤم حيال ما أفاده الدبلوماسي الأميركي الناطق بالعربية، وأظهرت التطورات اللاحقة أن أميركا لديها مقاربة مختلفة تماما، وهي غير مستعجلة على عكس السوريين أنفسهم، ودول المنطقة والإقليم.
وتدل المؤشرات الحالية سواء المتعلقة بالخلافات الروسية الغربية، ومحاولات إعادة الدول الغربية إحياء الاتفاق النووي مع إيران، والخلافات الحاصلة بين أميركا وبعض دول المنطقة، والتطورات المتعلقة بالانتخابات الرئاسية الهزلية التي يجريها النظام، أن المقاربة الأميركية للحل زمنيا ليست قريبة بعد، حتى أن اللقاء المحتمل بين الرئيس الأميركي الحالي جو بايدن ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، ربما تطرق لقضايا خلافية أكثر أهمية بالنسبة لهم من الموضوع السوري، الذي بالطبع سيكون حاضرا، ولكن أي توافقات حياله ربما تأخذ زمنا من الوقت لتظهر تفاصيله وتأثيراته على الأرض، ومن أحد أدلته إجراء النظام للانتخابات، كما أن بايدن الذي لم تظهر لديه أي سياسة واضحة حيال سوريا سوى تأكيد المؤكد السابق من كلام دبلوماسي، ربما يترك موضوع الحل السوري أو أي مقاربة لسنوات حكمه الثالثة أو الرابعة، من أجل توظيف ذلك في الحملة الانتخابية المقبلة، وإن لم يتمكن هو من الترشح للانتخابات بسبب عمره المتقدم وصحته، فمن المؤكد أن حزبه “الديمقراطي” سيكون من المستفيدين في تقديم مرشحهم المقبل للانتخابات.
ومن المؤكد أن المقاربة الأميركية للحل تقتضي ضم القوات التي تدعمها إلى مسارات الحل السياسي التي تجريها الأمم المتحدة، سواء عبر ضمها في ملف اللجنة الدستورية، أو في مفاوضات جنيف، وأن تكون ضمن أطراف الحل السياسي في المفاوضات الجارية، وبالطبع فإن المعارضة بالدرجة الأولى، وأطرافا إقليمية معنية بالملف السوري ترفض انضمام هذه القوات بأجسامها السياسية في أي مفاوضات حل سياسي، لأنها قوات لديها استراتيجيات وأهداف انفصالية غير متوافقة مع أهداف السوريين أجمع، وتخالف الاتفاقات الإقليمية والدولية المتعلقة بوحدة التراب السوري، كما أن الممارسات التي تقوم بها تلك القوات، لا تختلف بالنوع عن ممارسة قوات النظام من ناحية التعسف والقمع في استهداف المدنيين والقوى المدنية والسياسية الكردية، حتى أن المجلس الوطني الكردي يعتبر من أهم ضحايا ممارسات هذه القوات، من اعتقالات وملاحقات وسجن، وبالتالي فإن السوريين لا يجدون فرقا بين هذه القوات وبين ممارسات قوات النظام.
وتعتبر تركيا أيضا من الأطراف الرافضة لانخراط هذه القوات في العملية السياسية، لأن هذه القوات لديها نزعة انفصالية، وتشكل خطرا على أمنها القومي، في حين يُطالب السوريون بأفضل علاقات حسن الجوار مع تركيا، كما تشترط أنقرة على الجانب الأميركي فتح حوار مع هذه القوات أو ضمها لمسار الحل السياسي، وأن تفك ارتباطها مع العناصر الإرهابية بشكل كامل، والتأكد من ذلك، والابتعاد عن المناطق الحدودية، تمهيدا لانضمامها إلى أي مفاوضات، وإن انضمت لأي مباحثات حل سياسي فإن مكانها إلى جانب النظام، حيث أن هناك تشابه في الممارسات التعسفية والمواقف بينهما وأيضا من ناحية التعاون والتنسيق، فيما تطالب المعارضة بالحرية والديمقراطية وبكرامة السوريين، وتطبيق القرار الأممي 2254 الذي يقضي بتشكيل حكم انتقالي يقر دستورا جديدا وتهيئ الأجواء لانتخابات حرة ونزيهة يشارك فيها كل السوريين في الداخل والخارج، وتطبيق العدالة الانتقالية.
وبناء على ما سبق لا يمكن التعويل على أي مقاربة أميركية قريبة للحل في الفترة المقبلة، وتفيد المؤشرات الحالية والمواقف الإقليمية والدولية، والأوضاع الضبابية في أميركا، والأولويات والأجندات المستعجلة أن الملف السوري حاليا ربما مجمد ولا يمكن التعويل على أي موقف أميركي للحل طالما كانت لديه رؤية وأجندة مختلفة عن بقية الفاعلين السوريين.
المصدر: موقع تلفزيون سوريا