لماذا يحتاج الرئيس بشار الاسد فعلاً الى الانتخابات الرئاسية السورية المقررة في 26 أيار الحالي؟ ولماذا يطلب من الناخبين السوريين الآن “تثبيت رئاسته”، حسب تعبير حليفه اللبناني جبران باسيل؟ وما الذي سيفعله بنتائجها النهائية المحددة سلفاً قبل فتح مراكز الاقتراع وفرز الاصوات..حتى إذا كان هناك منافسون على المنصب؟
فكرة إجراء إنتخابات رئاسية سورية لا تزال تندرج في خانة السوريالية. مع العلم أنه لم يسقط من الحسبان، أن يتم اللجؤ الى تأجيلها، وتمديد الولاية الثالثة للرئيس الاسد لسنة او أثنتين او ثلاث او سبع سنوات كاملة، بما يجنب سوريا وشعبها، الموالي والمعارض على حد سواء، هذا المزاح الثقيل، الذي يعادل إهانة توجه الى نحو 25 مليون إنسان، سيصنفون بمرتبة القصّر او المعاقين سياسياً، الذي لا تناسبهم ولا تليق بهم تلك العملية الانتخابية التي تستحيل الى سخرية مرّة.
الحجج “الدستورية” والسياسية للتأجيل موجودة: المؤامرة الكونية لا تزال مستمرة، والحرب على داعش لم تتوقف، والانهيار الاقتصادي الداخلي لا يتيح حتى الوصول الى الناخبين، لعرض البرنامج الانتخابي للرئيس المرشح، ولا يوفر إمكان نقل المقترعين إلى مراكز التصويت، ومجاملتهم ببعض العطايا والهدايا.. ولا يتيح حتى فرصة العثور على مرشحين يقبلون بمثل هذه المخاطرة، والتعرض للأذى الفعلي، من الاجهزة ومن الجمهور الموالي الذي بدا في الايام القليلة الماضية أنه ليس في وارد القبول بأن يجرؤ أحدٌ على منافسة القائد، حتى على الصورة.
الأنباء الانتخابية الواردة من سوريا أقرب الى الخيال: للرئيس حملة انتخابية خاصة سيطلقها خلال أيام، وللمرشحين الآخرين رجاءٌ وحيدٌ هو ان لا يتم إدراج أسمائهم أو صورهم بإعتبارهم منافسين إنتخابيين حقيقيين، وللناخبين أملٌ وحيدٌ، هو أن يتم إعفاؤهم من هذا “الاستحقاق” الدستوري، ومن ذاك الفحص المخبري لمدى ولائهم للقائد الابدي..تفادياً للوقوع في أي خطأ في الشكل او في الاداء أمام مراكز الاقتراع أو بعيداً عنها.
المشهد السوري الراهن مسيء حتى للرئيس الذي لا يُنافس، والذي يبدو اليوم، في قراره الالتزام بالموعد الدستوري الانتخابي، وكأنه يتطلع الى إكتساب بعض الثقة المهتزة بالنفس، والى إختبار طريقة تعبير مريديه عن التمسك به رئيساً لولاية رابعة.. لم تتعرض عملياً لأي تحدٍ، لا في الداخل ولا في الخارج، بل الى بعض التشكيك بكفاءته، وشرعية إنتخاباته، وهو أمر لا يجادل فيه حتى أقرب الناس اليه، في مجالسهم الخاصة.
لعله العناد الشخصي للمرشح الرئاسي بشار الاسد، أو الاصرار على الزعم بأن الامور تسير على ما يرام، ولا تحول دون الالتزام بمثل هذه العملية الانتخابية، مهما بدت مثيرة للاستغراب والاستهزاء، بل وحتى الشفقة على إنحطاط سوريا الى هذا الدرك السياسي.. حتى بالمقارنة مع ما كان عليه وضعها أيام والده حافظ الاسد، عندما بدأ تجريد السوريين من الحق بالسياسة، وحرمانهم من أبسط شروطها.. التي يكتشفها المهجّرون منهم اليوم في منافيهم المتعددة.
وقد يكون هذا العناد الشخصي معطوفاً على مشورة مزدوجة روسية وإيرانية، جوهرها ليس فقط إبتذال السياسة السورية، حتى في البيئة الموالية، وإحتقار الجمهور أو الحكم بعدم جدارته بالتعبير عن رأيه، بل أيضاً إستفزاز الاعداء والخصوم، الذين شككوا في الانتخابات وشرعيتها، وطالبوا بحق جميع المنفيين بأن يكون لهم صوت.. وليس من المستبعد أيضاً ان يكون الروس والايرانيون نصحوا الاسد بالمضي قدماً في العملية الانتخابية، من أجل فضح المعارضة في الخارج ، التي كادت تتورط في خوض تلك المنافسة، بنصيحة من بعض الخبثاء، لكنها تراجعت بسرعة، وخسرت المزيد من صدقيتها ودورها.
يستكمل السيرك الانتخابي السوري، إستعداداته للعرض الرئيسي المرتقب بعد ثلاثة أسابيع. لكن الامل ما زال معقوداً على ان يتوصل النظام وحليفاه الروسي والايراني، الى أن التأجيل أرحم وأسلم وأشرف من إخضاع الموالين لمثل هذا الفحص السريري الذي يمكن ان يسفر عن المزيد من تلك المشاهد المخجلة، التي تتكرر هذه الايام، ومن إخضاع المعارضين لمثل هذا التحدي لثقافتهم السياسية المكتشفة حديثاً، ولمثل هذا الحرج أمام البلدان المضيفة لهم.
فوز بشار الاسد بالتزكية، لتعذر وجود مرشحين منافسين تتوافر لديهم “الصفات السياسية الشروط الدستورية”، كان ولا يزال (وسيبقى) ممكناً!
المصدر: المدن