في الثقافة الإسلامية لشهر رمضان مكانة كبيرة وعظيمة دينيًا وإنسانيًا فقد ذكر في القرآن الكريم في أكثر من آية. وهو الشهر الذي أنزل فيه القرآن على الرسول الكريم {شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدىً للناس وبينات من الهدى والفرقان} صدق الله العظيم، وأيضًا هو الشهر الذي فيه الليلة العظيمة ليلة القدر:{ إناّ أنزلناه في ليلة القدر وما أدراك ما ليلة القدر ليلة القدر خير من ألف شهر} . كما أن ذكرياتنا عن رمضان تأخذنا إلى المعارك الكبرى والمفصلية في التاريخ الإسلامي وأولها معركة بدر، أول معركة في الاسلام التي انتصر فيها المسلمون وهم قلة ولكن متسلحين بسلاح الإيمان على رؤوس الكفر في قريش من المشركين، كما نستذكر أيضًا معركة عين جالوت في سهل بيسان في فلسطين السورية، التي هزم فيها الجيشان السوري والمصري الموحدان بقيادة واحدة جيش المغول الجرار وأنهى بذلك الإمبراطورية المغولية التي كانت تهدد العالم باجتياحها السريع للكثير من الممالك والدول وبينها بغداد عاصمة الخلافة العباسية، ولا ننسى معركة 6 تشرين أول/أكتوبر عام 1973 {العاشر من رمضان } أيضًا التي خاضها الجيشان السوري والمصري والتي كادت أن تكون حربًا تحريرية للأراضي العربية التي احتلها العدو الإسرائيلي في عام 1967 لولا أن حرفها قادتها وضحوا بدماء الشهداء مقابل مكاسب سياسية آنية وشخصية. ولاشك بأن هناك معارك كبيرة أخرى جرت في رمضان وانتصر فيها المسلمون على مدى التاريخ الإسلامي.
أما من الناحية الإنسانية فهو شهر التراحم والتعاطف تزداد فيه الصدقات وله زكاة خاصة هي زكاة الفطر التي تتوجب على كل صائم، الروابط الأسرية والصداقات تتوطد في رمضان من خلال اللقاءات على موائد الإفطار التي تتكرر بوتيرة كبيرة خلال الشهر الكريم.
من الناحية الاجتماعية والمظاهر الاحتفالية فرمضان في سورية له مظاهر ومأكولات خاصة تظهر بشكل أساسي في رمضان، ولو أنها ليست خاصة به، لكن لرمضان حلوياته الخاصة في سورية ونادرًا ماتظهر في باقي الأشهر كالبرازق والغريبة والناعم وهو رقائق خبز محلاة بدبس العنب. كما لا تخلو مائدة إفطار أو سحور من صحن الفول أو الحمص والشرابات الباردة خاصة في الصيف وعلى رأسها شراب العرق سوس الذي تختص سورية بانتاجه وتصديره إلى الكثير من الدول، وهناك القمر الدين وهو مصنوع من المشمش والسكر ولا يطيب إلا القمر الدين السوري لأنه يحتاج إلى مشمش خاص يزرع في سورية. غالبًا ماترى على مائدة الإفطار السورية الكثير من الأطباق لتكتشف أنها “سكبة ” أي مرسلة من قبل الجيران الذين يتبادلون ما يعدون من الأطعمة مع جيرانهم. إنها وسائل من التراحم والتلاحم درجت عليها الأسر السورية.
في بلاد الغربة التي اضطررنا للجوء إليها لم نر ولم نعش هذه المظاهر ولا بالبلاد العربية التي عشنا فيها ولا حتى بالبلاد الأخرى، فلكل شعب عاداته وتقاليده، عشنا قبل اللجوء طقوسًا جميلة وروحية في رمضان وكانت المدن السورية لا تنام حتى السحور الذي كان يتكفل به المسحراتي منذ زمن طويل ولو أن هذا التراث استمر مع أن الحاجة العملية له قد انتهت، ومدفع رمضان والسحور أيضًا استمر مع المسحراتي كتقليد من تقاليد رمضان الجميلة.
في السنوات العشر الأخيرة اختلف الوضع تمامًا في سورية، فلم يتورع النظام عن مهاجمة المتظاهرين بالنار وقتل الكثير منهم ومنع التشييع للشهداء الذين سقطوا في رمضان على أيدي جلاديه، أما الحديث عن مئات آلاف المعتقلين في المعتقلات السورية فحدث ولا حرج، واختفت مظاهر رمضان التي نعرفها فلا مظاهر رمضانية ولا احتفالات، ومع أن النظام حاول منذ مجيئه في ستينات القرن الماضي إنهاء المظاهر الرمضانية بشتى الوسائل، لكنه لم ينجح كما نجح مع بداية الثورة، فمع العنف والقتل والاعتقال جاء أخيرًا الغلاء وفقدان غالبية المواد الأساسية بعد الانهيار الواسع في جميع المرافق الاقتصادية والخدمية، فغالبية السوريين في الداخل الذين طحنهم الغلاء وفقدان المواد، قضوا شتاءهم لم يروا فيه أي مادة من مواد التدفئة فلا مازوت ولا غاز كهرباء وهي من ضروريات وأساسيات الحياة، عدا عن الخبز وباقي المواد الرئيسية.
في رمضان الحالي تزداد المآسي ويزداد الحرمان والناس ترى من تربح من النظام على حساب لقمة الشعب السوري يزدادون سفهًا وتبذيرًا، ويكفي أن ترى قوائم الطعام في المطاعم السورية وأسعارها لتعرف من يرتادها.
لا شك بأن سورية والسوريين مصرون على عودة الحياة الطبيعية إلى بلدهم المكلوم، وهذا لن يتم إلاّ بتغيير هذا النظام الفاسد والمستبد وإقامة نظام وطني ديمقراطي يلبي حاجات كل السوريين.
المصدر: اشراق