في حين تعد إيران المجاورة واحدة من أشد المناطق تضررًا جراء تفشى وباء فيروس كورونا، تؤكد السلطات العراقية أيضا على تزايد حالات الإصابات والوفيات، وذلك على الرغم من إغلاق الحدود بين الدولتين. ومع ذلك، يرى المحتجون العراقيون أن “القمع والخوف أخطر من الفيروس “، وأعربوا عن رغبتهم في مواصلة احتجاجات ما باتت تعرف بثورة أكتوبر 2019.
ومع تزايد قابلية التجمعات البشرية لانتشار وباء فيروس كورونا، استمر المتظاهرون العراقيون في رفعِ الشعارات والاعتماد على الإنترنت لتحدي النظام والفساد والمحاصصة السياسية، حيث نادت تلك التظاهرات بحزمة من المطالب منها: التغير الجذري للوزراء، وإيقاف تشكيل الحكومة وفق نظام المحاصصة من خلال انتخاب شخصيات سياسية مستقلة تلاقي موافقة جماهيرية، وإحالة الفاسدين إلى القضاء، وتغيير قانون الانتخابات والسير نحو انتخابات مبكرة.
نجحت الاحتجاجات في تغيير الوضع السياسي الراهن في العراق، حيث بذل رؤساء الوزراء والمرشحون المتعاقبون الكثير من الجهود إرضاء المتظاهرين ووقف الاحتجاجات لكنهم فشلوا في تحقيق ذلك. ومن ثم، دفع العنف المتكرر من قبل السلطات العراقية والمليشيات المسلحة العراقيين للخروج للشارع مرة أخرى، حيث أزعجت تلك الاحتجاجات السلطات والميليشيات لترد عليهم مستخدمة الذخيرة الحية والرصاص المطاط، والماء الحار، والغاز المدمع، والهراوات والسكاكين، كما سببت قناني الغاز المسيل للدموع والرصاص الحي باستشهاد مئات وجرح عشرات الآلاف.
كما واصلت المليشيات الإيرانية حملات الاعتقال والخطف والتعذيب والقتل الممنهج ضد المتظاهرين والصحافيين والناشطين في أنحاء العراق. وفى ظل تلك الظروف، اكتفت الحكومة وسلطاتها الأمنية بإصدار بيانات الاستنكار دون الكشف عن هوية المجرمين أو الجهات التي ينتمون إليها.
وعلى الرغم من تلك الهجمات ضد المتظاهرين، فإن استقالة رئيس الوزراء السابق عادل عبد المهدي في 30 نوفمبر / تشرين الثاني 2019 قد تركت العراق لحكومة تصريف أعمال في الوقت الذي تكافح فيه التحالفات والقوى السياسية لإيجاد بديل يرضى المتظاهرين، وذلك رغم تطلع تلك الفصائل السياسية إلى تلبية مصالحها الخاصة.
بداية، تم ترشيح محمد توفيق علاوي بعد اتفاق مع زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر وزعيم ميليشيا بدر هادي العامري لتمريره. وفى حين توعدّ علاوي وفي أول بيان مصور له بعد تكليفه، بمحاسبة من تسبب بالعنف ضد المتظاهرين، تواصل قوات مكافحة الشغب والميليشيات المسلحة باستهداف المتظاهرين السلميين.
وردًا على تعيين علاوى، رفع المحتجون شعار “مرفوض محمد علاوي”، إذ يرى المتظاهرون أنه شخصية جاءت بها الأحزاب وفق نظام المحاصصة الحزبية، ما دفعهم بعد ذلك للمطالبة فيما بعد باستقالة رئيس البرلمان محمد الحلبوسي، فتحدث بعض الناشطين للكاتب أن الحلبوسي كان سبب في اختيار رئيس للوزراء وإكمال الكابينة الوزارية كما التأخير في سن قانون الانتخابات التي تمثل اهم مطلب للمتظاهرين .
بعد فشل علاوي في تشكيل الحكومة في الأول من آذار/ مارس بسبب ضغوطات سياسية، على حد قوله، استقال علاوى، وفتحت استقالته الباب أمام مرشحين جدد كان من بينهم عدنان الزرفي الذي رفضه المحتجين فورًا.
انقسمت آراء العراقيين حول المرشح الجديد؛ في حين رأى البعض أن خلفيته وأقامته في الولايات المتحدة قد تساهم في وضع حد لتدخل إيران ووكلائها في العراق، كما شكك البعض في أن الزرفي يمكن أن يكون فعالًا نظرا لأنه لم يشغل منصبًا رئيسيًا في أي من الحكومات السابقة.
النشاط الرقمي ووسم “أبقي في المنزل”
زاد المشهد السياسي في العراق تعقيدًا بعد انتشار فيروس كورونا، حيث قام المتظاهرون بتوزيع منشورات وألقوا محاضرات حول طرق الوقاية من الفيروس، وتوزيع أقنعة طبية مجانية، والتي تضاعفت أسعارها في الأسواق المحلية. تقوم أيضا الأن العيادات المؤقتة -التي أنشأها المحتجين قبل شهور لعلاج الضحايا الذين أصيبوا بالذخيرة الحية وعبوات الغاز المسيل للدموع- بتوزيع القفازات والمعقمات.
وبتناول أثر حظر التجوال على الوضع في ميدان التحرير، الذي يعتبر أحد مراكز الاحتجاج الرئيسية، فقد خرج بيان معّد سلفًا يعلن التعليق المؤقت للمظاهرات بسبب تفشي فيروس كورونا، بينما أطلق بعض المتظاهرين حملات لتعقيم ساحة الاحتجاجات لتجنب الإصابة، ونزل محتجون آخرون إلى الشوارع لرش المطهرات كإجراءات احترازية لمواجهة انتشار الفيروس.
وحتى إذا غادر المتظاهرون الشوارع بالكامل، فمن المرجح أن تستمر الدعوات للتغيير بالحماس على الإنترنت. لعبت مواقع التواصل الاجتماعي دورًا بارزًا في استمرار ثورة تشرين، من خلال إطلاق الدعوات للتظاهر والاعتصام، والمطالبة بالحقوق. ووجد المتظاهرون والناشطون منصات التواصل الاجتماعي وسيلة لإيصال صوتهم بعد أن تعمدت وسائل الإعلام الحكومي العزوف عن تغطية الحراك. فبعد كل لحظة يتعرض فيها المتظاهرين للعنف، يطلقون وسم عبر مواقع التواصل الاجتماعي يدعون فيه لوقف العنف ضدهم، مطالبين الأمم المتحدة والمنظمات الدولية المعنية بحقوق الإنسان الضغط على الحكومة ودعوتها للالتزام في احترام مواثيق حقوق الإنسان التي وافق عليها العراق وتعهد بصيانتها.
أبرز الوسوم التي أطلقها الناشطون والتي طالبوا فيها بوقف العنف واحترام حقوق الإنسان هي (“وصلت حدها”، “أنفذوا الشعب العراقي”، “العراق ينزف”) بعد أن حدث مجازر في محافظة بغداد والنجف قامت بها قوات مكافحة الشغب والميليشيات القريبة من السلطة بفتح النار على المتظاهرين سقط نتيجتها عشرات الشهداء ومئات الجرحى، ليطلقوا من جديد وسم “العراق يتعرض لإبادة جماعية”، بينما تقف الحكومة العراقية صامتة وعاجزة على محاسبة المجرمين، مؤشر يراه المتظاهرون ويؤكده مراقبون دليل على تهاون السلطات العراقية مع منفذي تلك الجرائم بحق الشعب المنتفض.
أدى تزايد أعداد الشهداء والجرحى إلى زيادة زخم الحراك الشعبي، حيث أطلق ناشطون وسم” #1آذار/مارس_ صوت الشهيد” للاعتراض على تعيين علاوي، ما ساهم في تجمع المحتجون من جميع أرجاء العراق عند بوابة المنطقة الخضراء، وسط مخاوف من انتشار فيروس كورونا المستجد، ما دعا المتظاهرون إلى إطلاق هاشتاغ “#الكمامات_ موعيب”، يدعون فيها المتظاهرين إلى لبس الكمامات الواقية من غاز المسيل للدموع وكورونا.
دعا ذلك علاوى إلى نشر تغريدة يشرح فيه أسباب رفضه للوزارة حيث قال: “كان الخيار بسيط وواضح هو أن أكون مع شعبي الصابر و خاصة عندما رأيت أن بعض الجهات السياسية ليست جادة بالإصلاح و الإيفاء بوعودها للشعب و وضعت العراقيل أمام ولادة حكومة مستقلة تعمل من أجل الوطن”.
ومع ذلك، لم يهدئ اعتذار علاوي الشارع الغاضب، ما دفع العراقيين إلى مطالبته الكشف عن الأسباب التي دعته الاعتذار عن إكمال الكابينة الوزارية بعد أن دار صراع بين القوى السياسية والضغوطات الخارجية على تمرير مرشحين غير كفوئين. وقبيل إعلان علاوي عن فشله في تشكيل الحكومة، شهدت ساحات التظاهر في بغداد ومنها ساحة الخلاني سقوط شهداء وجرحى بين صفوف المتظاهرين الذين قدموا من جميع محافظات العراق، بينما فشل المكلف علاوي في التزامه بتعهده في إيقاف العنف ضد المحتجين.
ساهم الهاشتاغ عبر منصة تويتر على جلب اهتمام وسائل الإعلام حول العالم، والمنظمات الأممية والضغط على الجهات الرسمية الحكومة، حيث سارعت بعض الحكومات الدولية مثل: كندا، كرواتيا، الجمهورية التشيكية، فنلندا، فرنسا، ألمانيا، هنغاريا، إيطاليا، هولندا، النرويج، بولندا، رومانيا، إسبانيا، السويد، المملكة المتحدة والولايات المتحدة، بإدانة العنف.
وحتى قبل تفشي تهديد انتشار وباء كورونا، وفرت الاحتجاجات على الإنترنت أيضًا مسارًا بديلًا للمتظاهرين للمطالبة بحقوقهم أثناء فرض الدولة حظر التجول أو العنف. والآن بعد أن عاد الناس إلى منازلهم، مدفوعين بحملة #أبقي في منزلك، فإن العراقيين يميلون مرة أخرى إلى الاحتجاجات الافتراضية لمواصلة ثورة أكتوبر 2019 “ثورة تشرين”.
ومن المرجح أن يساهم الحوار المستمر بين المتظاهرين في بقاء حركتهم حتى فترة ما بعد البعد الاجتماعي الحالي الضرورية لوضع حد للعنف. علاوة على ذلك، أظهر بيان المتظاهرين هذا الأسبوع، أن حركة الاحتجاج ليس لديها أي نية لتهدئة دعواتها للإصلاح الجاد.
المصدر: معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى