رحل عن عالمنا أمس 18 نيسان / ابريل 2021 أخ كبير ومناضل صادق، ومحام نذر نفسه للدفاع عن المظلومين/ وباحث عروبي عميق الأثر، ومكافح عنيد ضد الظلم، وتغول أجهزة السلطة الأسدية الفاجرة على مقدرات الشعب والأمة، إنه أبو عصمت/ الأستاذ حبيب عيسى
الأخ والصديق الوفي.. الذي لم يهن يومًا ولا انحنى أمام العواصف، ولا لانت عزيمته، كان معطاءً على طول المدى، ومعارضًا لسلطة القهر الأسدي كل حياته، وعلمًا من أعلام ربيع دمشق، ونجمًا ساطعًا في منتدى الدكتور جمال الأتاسي للحوار الديمقراطي، وهو ما أدى إلى اعتقاله لفترة طويلة تجاوزت الخمس سنوات في سجون القمع السلطوي الأسدي، وخرج ليكون أكثر صلابة مما عهدناه، وهو المتفائل أبدًا، والصاعد بفكره وعقله دائمًا، نحو نصر حراك الأمة كل الأمة. كان أبو عصمت مثالًا للأخ والصديق والمناضل، ومثالًا يحتذى أمام جيل الشباب السوري والعربي، وقدوة أكيدة لكل من أراد أن يتعلم كيف يقف في وجه الطغاة، وهو من عمل بصمت من أجل رفعة الشعب والأمة. ويشهد على ذلك كل من عرفه، وكل من جالسه أو كان له شرف صداقته، وهو الكاتب والباحث المتمكن، وصاحب الرؤيا العلمية المنجدلة بعروبة نقية صادقة، لا شوفينية، بل منفتحة على الآخر أيما انفتاح، دون أن يتخلى بذلك أو يتنازل عن أي من قيم ومبادئ الثورة والعروبة، وصولًا إلى وحدة الأمة كل الأمة.
يقول عنه الأستاذ عبد الرحيم خليفة الكاتب والمنسق العام لملتقى العروبيين: ” رحيل حبيب عيسى خسارة وطنية وقومية كبيرة خصوصًا في هذه المرحلة من تاريخ سورية والمخاطر التي تحيق بها من كل جانب برحيله نفتقد نحن المؤمنين بالمشروع القومي النهضوي التحرري الديمقراطي أحد الرموز الفاعلة والخصبة والمحركة في مسيرة نضالنا وعملنا الطويل في هذه اللحظات العصيبة لامعنى للكلمات أمام جلال الموت والرحيل ولعل الأجدى والأكثر صوابًا من كلمات الرثاء هو الإصرار على المضي في ذات الطريق وعلى ذات النهج رحم الله أستاذنا وقدوتنا وعوضنا عنه وعن كل كوكبة الأخوة ورفاق الدرب الذين رحلوا في هذا العام. إنه عام الحزن.”
نصر شمالي الكاتب والباحث وصديق الراحل يقول عنه: ” الصديق العزيز، المناضل العربي الوحدوي الراحل حبيب عيسى، تعرفت إليه في الثمانينيات، حيث تقاطعنا مصادفة في ميدان من ميادين النضال الفلسطيني، ثم توثقت علاقاتنا، حيث وجدت فيه الإنسان المتفاني من أجل تحرير الأمة العربية ووحدتها ونهوضها، وقد اختار الطريق الأكثر استقامة، طريق صديقه الحميم المناضل الدكتور عصمت سيف الدولة، باذلاً في هذا السبيل أقصى جهوده العملية والفكرية، من دون تحزب ولا تعصب ولا تقوقع فئوي، فكان أن جمعتنا معاً النشاطات الميدانية في الهيئات والندوات والمؤتمرات العربية، والنشاطات الفكرية في اللقاءات التي كان ينظمها في بيته الكريم، وبمساهمته في النشاط الفكري لمكتبي الخاص في دمشق، وقد دامت الحال بيننا كذلك منذ الثمانينيات وعلى مدى حوالي عشرين عاماً، ثم انقطعت بسبب الظروف العامة، رحمه الله”.
أما الكاتب والباحث سليمان الشمر فكتب تحت عنوان (حبيب عيسى العروبي النبيل) “تعرف الساحة السياسية السورية وناشطيها المحامي حبيب عيسى كواحد من العروبيين الصادقين الذين أخلصوا لفكرتهم وأفنوا حياتهم في خدمتها أملًا بأن تفوز مجتمعاتنا التي ابتليت بأنظمة الاستبداد بحرياتها، وهو ممن ثبتوا على مواقفهم ودفعوا أثمانًا على طريق الحرية والوحدة والعدالة، الذي مازال بعيدًا بعد كل التضحيات التي بذلت على هذا الطريق، وكلما رحل جيل لابد وأن يتبعه جيل حتى تستعيد شعوبنا حقوقها المسلوبة.
حبيب عيسى العروبي الناصري كان ناشطًا سياسيًا مارس السياسة والتنظيم، كما كان مفكرًا له إسهامات وكتابات مهمة على طريق المشروع النهضوي العربي المتعثر، قضيته الأساس التي آمن بها وعمل من أجلها هي قضايا الشعوب العربية عامة، وقضية الشعب السوري على وجه الخصوص، والتي تتلخص بالفوز بالحريات والعدالة والتنمية، وقد شارك مع مطلع الألفية بكل النشاطات السياسية والمدنية التي عمت الحياة السورية بعد خمود طويل بفعل الاستبداد والقمع، ولعل أبرزها ظاهرة المنتديات، وقد سجن ثمنًا لنشاطه في منتدى جمال الأتاسي للحوار الديموقراطي، كما شارك في إعلان دمشق الذي انطلق نهاية العام 2005، وعندما انطلقت الثورة السورية توسم خيرًا بهبوب نسائم الحرية، لكنه أصيب بالإحباط والحسرة، عندما عجزت المعارضة السورية حينها عن توحيد صفوفها لمواجهة الاستحقاقات السياسية والتنظيمية، التي فرضتها واستوجبتها فعاليات الثورة، فهناك من قدم مصالحه الحزبية أو الشخصية على مصلحة الثورة، وبما أنه يكره الاستقطابات السياسية التي لا تخدم قضية الحرية، آثر الابتعاد، ولم يخف رأيه الواضح بهذا الخصوص، وقاله في وجه المعنيين به، ذلك أنه لم يكن ممن يحبون المهاترات وركوب الموجات، فتنحى جانبًا من الزاوية التنظيمية، وتفرغ لكتاباته وتعميق رؤيته في ظل الواقع الذي أحدثته ثورات الربيع العربي، وأهمية الديموقراطية كرافعة لابد منها لتجاوز معضلات الواقع العربي والسوري، وتجاوز انقساماته العمودية والأفقية، وما طفى على السطح من استقطابات طائفية أو إثنية أو قومية، كان يغطي عليها واقع الاستبداد، أو تعامت النخب السورية خوفًا أو انتهازية، وتجنبت الغوص في أعماق المجتمع، وتعرية مشكلاته وفتح الحوارات البناءة لتجاوز تلك العلاقات الما قبل وطنية، لكن بقي مكتبه ملتقى لبعض أصحاب الرأي، تدور فيه الحوارات الجادة والمنفتحة، التي تتلمس طرق الخروج من المآزق التي آلت إليها الحالة السورية بحكم كثافة التدخل الإقليمي والدولي، وحجم الدمار والمآسي التي لحقت بسورية والشعب السوري.
أبا عصمت على المستوى الشخصي كان جميل الحضور، كما كان إنسانيًا ومحبًا، يجيد الاستماع بذات القدرة على إجادته للحوار، وسواءً اتفقت معه أو اختلفت، فسوف تخرج من عنده وأنت مرتاح، وسوف تعاود تلك اللقاءات، لأن إنسانيته كانت سباقة على ما عداها، وبرحيله المؤسف تكون الساحة السياسية السورية، قد خسرت واحدًا من أبرز ناشطيها وربما من أصدقهم، وهو سيبقى حيًا في الذاكرة السورية، فلروحه الرحمة والسلام. “
من جهته قال الأديب والسياسي المخضرم عبد الحفيظ الحافظ ” فارقتنا مبكراً يا صديقي الأستاذ المحامي حبيب عيسى، نتقدم من أسرة المحامي الكبير أبي عصمت بأحر التعازي، ومن أصدقائه ورفاق دربه، ومن عائلته الكبيرة الشعب السوري. همه الأول الوحدة العربية والقومية العربية. تغمدك الله برحمته، لكنك غادرتنا مبكراً يا صديقي، ولم نحقق وحدة سورية بعد، ومتى نحقق مشروعك بوحدة الأمة العربية؟ وحكامنا بالكاد يحافظون على وحدة أقطارهم حسب خرائط سايس وبيكو. أيها الأستاذ المحامي النبيل من عرفك عن قرب أو عن بعد لا ينسى أخلاقك وكرمك، وإيمانك بالأمة العربية وعظمتها. عدت بي يا أبا عصمت إلى اليوم الذي خرجت به من سجنك لمدة خمسة أعوام، ونيلك الحريةً التي تليق بك، واستقبلناك في بيتك في دمر، وكنت مهيباً بلحيتك لحية السجن. كم غمرنا الفرح بنيلك حريتك بجدارة لا تلين، ولا تتنازل عن تاريخك المجيد، وهمُّ دولة الأمة العربية مقيم بقلبك وبعقلك، وكم قبلناك. تغمدك الله برحمته، وألهم عائلتك وأصدقائك وألهمنا الصبر. “
الكاتب السيد حسين محمود قال” خسرت دمشق تصبيحة من تصبيحات الياسيمن.. خسرت دمشق أهم زارعي الياسمين ليس في دمشق وإنما في سورية.. صباح العروبة التي آمنت وآمنا بها الراحل الكبير حبيب عيسى أبا عصمت.. ماذا أقول في الساعات الأولى لرحيلك صباحك ثورة يا أصيل.. كنت ومازلت وستبقى منارة من منارات العمل الوطني والقومي والناصري ليس في البلد التي أحببت وأحببنا سورية وإنما في عموم وطننا العربي من الماء للماء.. من لا يعرف مواقف الحبيب أبا عصمت من لا يعرف أهم مجتهدي ” جدل الإنسان” وأهم مفسري وشارحي (نظرية الثورة العربية).. وبعد هذا أقول: عرفته من خلال كتبه ومقالاته ومواقفه القومية ومن خلال الفكر القومي الذي كتب عنه الدكتور عصمت سيف الدولة عرفته من خلال سيرته من خلال أصدقاء مشتركين كثر عرفته من خلال إيمانه وإيماني بالتنظيم القومي.. عرفته أكثر من خلال ما كتب ونشر على صفحات التواصل الاجتماعي تفاعلنا مع بعض وكتبنا عن مشاعرنا ومواقفنا لم نختلف في القضايا الكبيرة والمواقف المهمة والهامة.. تمنيت من كل قلبي وروحي أني التقيت بكم أخي الكبير حبيب عيسى أبو عصمت.. تمنيت ذلك من أجل غدٍ أفضل لأولادنا وأحفادنا والجيل القادم من شباب أمتنا العربية.. سنبقى نسترشد بكم وبمن سبقكم من منارات وطننا وأمتنا العربية لنصل للحلم في التأسيس لتنظيمنا القومي الذي نشدناه.”
كما قال عنه الكاتب والشاعر والسياسي نجدت نصر الله ” كم هو مؤلم ومحزن ومفجع هذا الرحيل المتواتر لأشجار السنديان في غابة النضال والتضحية والفداء ومنذ غياب جمال عبد الناصر وقيادته الفذة وما خلفته من فراغ فكري وسياسي استراتيجي وتكتيكي انعكس على مسيرة المشوار الذي لم يكتمل بالرغم من الوعد والعهد والميثاق.. وكان لرحيل جمال أتاسي المبكر صدمة جديدة في الوعي والحركة والنضال وقد تتابعت حركة الرحيل المحزن وفق قضاء قدري خطف أخيرًا أخوة نضال وطاقات قيادية محترمة وأسماء لامعة منهم عبد المجيد منجونة وعبد المجيد حمو ونجيب ددم. وقبلهم بقليل قيادة وطنية فذة هو راغب قيطاز وغيره من المناضلين الوطنيين الوحدويين الذين ظلوا كأشجار السنديان الشامخة…. ولست في مجال التوثيق التاريخي ولكن تزاحم الأسماء المناضلة والقامات الكبيرة كياسين الحافظ وعبد الكريم زهور والياس مرقص كأعمدة للنضال الفكري والسياسي لم ولن يغيبوا عن الساحة الفكرية ولا بد أن نذكر الأخوة غالب عامر ومحمد فليطاني وجلال شيخ نجيب وكثير من الأسماء التي رحلت على موعد مع القدر … وأخيرًا بكل الحزن ينضم لهذا الرعيل المكافح أحد الإخوة المناضلين الذي قضى شطرًا كبيرًا من حياته في متابعة حركة النضال على الصعيد الفكري والسياسي في مجالات العمل الوطني والقومي الثوري والديمقراطي وخاض تجارب كثيرة فكرية وتنظيمية وثقافية ودفع ثمن ذلك سنوات من عمره في سجون الاستبداد والفساد فما لانت له قناة في مقارعة عوامل التخلف والجمود والانحطاط في بنية النظام وبنى أخرى مشابهة كما قدم جهدًا على طريق البحث عن أداة عمل قومية ناجحة. هو الأخ حبيب عيسى الذي وافته المنية أمس فوداعًا في يوم الرحيل”.