في مثل هذا اليوم سنة ٢٠٠٣ قبض الأميركيون على بغداد وأودعوها في سجن إيران، فتولى سجانها الفارسي الحاقد إتمام المطلوب منه بمهارة. سلب ونهب وتفتيت وتقسيم وإجرام وفساد وتجويع الشعب وتدمير المدن وقتل الشرفاء.
تفكيك الدولة. تفتيت المجتمع. نهب الموارد.. فيما يتولى الأميركيون حماية السجن والسجان..
ثم يأتي بعض ” القوميين ” فيهاجمون أميركا ويشيدون بإيران !!!
إيران ذراع أميركا في تخريب وتدمير المجتمعات العربية من الداخل.. تلتقي مصالح الغرب الرأسمالي الاستعماري الصهيو – أميركي مع مشروع الهيمنة الإمبراطورية الفارسية في تدمير الأمة العربية وتفتيت مجتمعاتها واحتلال أرضها وإلحاق بقاياها بدولهم وتحت سيادتهم.
التسلل باسم الدين إلى قلب المجتمعات العربية وتفجيرها من الداخل بالعصبيات المذهبية والتفتيت المذهبي والتغيير السكاني الديمغرافي وإشغال العقول بتأبيد الماضي وتفخيخ النفوس بالتحريض والشحن بالبغضاء والعداوة والحقد والانتقام، لا تستطيع فعله أميركا.. فيما تفعله إيران بنجاح لصالح أميركا أو بالأحرى خدمة لأميركا وللمصلحة المشتركة في إلغاء وجود أمة عربية. وهو ذاته جوهر العدوان الصهيوني على العرب جميعًا حيث لا معنى لتسيد العدو الصهيوني على المنطقة إلا بإلغاء هويتها العربية وشخصيتها القومية المستقلة.
لا يُخفي أي طرف من هؤلاء جميعًا أهدافه في إلغاء الهوية العربية لمصلحة الكيانات والدويلات والأقليات الانفصالية المعادية للأمة.
ها هو الغرب الأميركي يتودد لإيران ويسهل لها برامجها النووية وإن تحدث عكس ذلك.
يبدو النظام العالمي كله في موقف الضعف حيال إيران.. وهو ما لا يقبله عقل ولا تحتمله وقائع القوة والإمكانيات العملية والاقتصادية والعسكرية والعلمية.
لماذا إذن؟؟ لأن إيران لا تستطيع إتمام مهماتها وإنجاح مصلحتها المشتركة مع الغرب الاستعماري في المنطقة العربية إلا على شعارات رنانة فارغة بالعداء للغرب أو مقاومة ” إسرائيل “.. فلو تخلت إيران عن هذه الشعارات لما استطاعت التسلل إلى المجتمعات العربية واستقطاب فعاليات شعبية وثقافية ومذهبية وحتى سياسية فيه.
ولو سقط هذا الدور التخريبي الإيراني لما تقدم المشروع الأميركي ميدانيًا…الاحتلال العسكري تمكن مواجهته…أما احتلال النفوس والعقول والإرادة فمعناه الهزيمة المحققة والانكسار.
الاحتلال العسكري يستنهض الروح الوطنية الحقيقية لدى الشرفاء .أما التفخيخ النفسي والثقافي والعقلي والتخريب المجتمعي الداخلي بالعصبيات والأحقاد فهو أشد خطرًا وأقوى أثرًا من الاحتلال العسكري. فهو يدمر الضمائر ويفت العزائم ويستنزف الطاقات في صراعات داخلية تمكن الاحتلال العسكري في الأرض وترسخ دعائمه.
التقت مصالحهم جميعًا عند هدف إستراتيجي كبير: تدمير الأمة العربية وتغيير معالم أرضها وبلادها ونهب مواردها. فهم شركاء واقعيًا وموضوعيًا في تحقيق هذا الهدف الخبيث. وجميعهم يغلفونه بكلام كاذب معسول مخادع. من شعارات المقاومة والممانعة إلى شعارات الديمقراطية والسلام والتعاون وتبادل الخبرات وتكامل الطاقات.
جميعهم يخادعون الناس بكلام يعرفون هم قبل غيرهم أنه للتضليل والخداع. غباء إستراتيجي مدقع يتمثل فيمن يستقوي بإيران لمواجهة أميركا و” اسرائيل ” كما فيمن يستقوي بالأخيرتين لمواجهة إيران.
كان احتلال العراق مدخلًا لاستنهاض انتفاضات شعبية عربية ضد الاحتلال الخارجي وضد أنظمة القمع والفساد المحلية. وإذا كانت ثورات شعب العراق العربي ثم شعب سورية العربي لم تحقق غاياتها رغم التضحيات الهائلة التي قدمتها؛ فلا يعني ذلك أنها لن تنتصر أو أنها لا تملك مقومات الانتصار ومبررات الثورة.
ومما لا شك فيه أن التخريب الداخلي – الذي مارسته أطراف أخرى محلية وخارجية وليس فقط ميليشيات إيران – كان وما يزال أحد أسباب عدم الانتصار وتعثر العطاء الشعبي عن أن يبلغ مبتغاه.
وفي هذا السياق كان التدخل الإيراني في سورية متممًا لدورها التخريبي – الاحتلالي للعراق الذي أوكلته إليها الولايات المتحدة الأميركية صراحة ودون مواربة. أما في سورية فكان تدخلها مواربة بحجج واهية متعددة بدءً من حماية الأماكن والمقامات الدينية في سورية. لكنه لم يكن ليتم بغير موافقة أميركية – صهيونية.
وإذا كانت الضربات العسكرية لمواقع ميليشوية إيرانية في سورية تهدف إلى تحجيم أي تضخم ذاتي عسكري إيراني يمكن أن يلهم أصحابه يومًا ما بشيء من جنون العظمة حتى على الشركاء؛ فإن المشروع الغربي ما يزال يفسح المجال واسعًا للدور الإيراني التخريبي في البنيان الاجتماعي لكل من العراق وسورية والمشرق العربي وعموم المنطقة. وهو ما لا ينتبه إليه كثيرون فيستنتجون من تلك الضربات أو المناوشات العسكرية أن أميركا و” إسرائيل ” ومن معهما يريدون إخراج إيران من سورية والمنطقة.. وهو استنتاج خاطئ بدلالة الوقائع الميدانية المستمرة.
الدور الإيراني المطلوب أميركيًا وصهيونيًا – بعد إتمام الأعمال العسكرية والأمنية المطلوبة – يتمثل في استمرار عمليات الاحتواء والتفتيت والشرذمة والتغيير السكاني والتهجير وشراء الذمم ريثما يستكمل مشروع التقسيم والهيمنة والاستلاب الكامل دعائمه.. ها هي ميليشيات إيران وأذرعها المذهبية مستمرة في التوسع ” الشعبي ” والتحريض المذهبي والاستيلاء على الأرض والأملاك …فما علاقة كل هذا بالدفاع عن سورية مثلاً؟؟ أو بمواجهة أميركا والكيان الصهيوني؟؟ وهل ” التشييع ” من مقومات المقاومة والممانعة؟ ولماذا وعلى أي أساس ؟؟
وهل نبش قبور الصحابة والأتقياء واغتيال الشرفاء وإشاعة الفساد والانحلال الأخلاقي من متطلبات مواجهة العدوان الصهيوني؟
وهل تعرضت مقامات المسلمين الأوائل في كل البلاد العربية وفي العراق وفي سورية يومًا لأي عدوان أو إساءة أو أذى ؟؟
ثم من قال إن هذه المقامات تخص إيران فيعطيها حق التدخل بحجة حمايتها ؟؟
كيف يكون مسلمًا من ينبش قبر الخليفة العظيم عمر بن عبدالعزيز؟ فيما يدعي حماية مقام السيدة زينب ؟؟.
جميع أصحاب المقامات والأماكن الدينية هذه عرب أقحاح ومسلمون موحدون لم يفرطوا يومًا بعروبتهم وولائهم لأرضهم. من الحسين إلى السيدة زينب إلى النجف ومقام الإمام علي فيه وغيرهم وغيرهم. جميعهم عرب وليس لإيران وصاية عليهم أو صلة أو ارتباط…أما اتخاذهم ذريعة للتدخل والتحريض المذهبي فليس إلا لإخفاء الأهداف التدميرية الخبيثة للتدخل الإيراني المجوسي الشعوبي الحاقد.
زينب والحسن وقبلهم الإمام علي وكل أئمة آل البيت منا ولنا ونحن منهم وهم عرب أقحاح ولا صلة للفرس بهم سوى المتاجرة بأسمائهم.
وهل دعم ورعاية قوى التسلط والفساد من شروط المقاومة ؟؟
أليست ميليشيات إيران ما تزال تسرح وتمرح في الجنوب السوري في محاذاة فلسطين المحتلة وعلى مرأى ومسمع من قوات العدو الصهيوني ؟؟
وهل كل هذه الاستعراضات تدخل في سياق مقاومة العدو أم أنها كلها بالعكس تخدمه وتعبد طريقه للسيطرة والتسيد؟؟
في مناسبة سقوط بغداد واحتلال العراق من قبل المثلث الإجرامي: أميركا والعدو الإسرائيلي وإيران؛ نعيد التأكيد على موقفنا القومي الواضح بأن المعركة واحدة واضحة. معركة المصير العربي الواحد. معركة هوية الأمة وسيادة شعبها العربي على أرضه وعلى مقدراته وعلى مستقبله متحررًا من كل تسلط واستبداد وتبعية واحتلال.
معركة واضحة أطرافها الشعب العربي من جهة وقوى التسلط والتبعية والاحتلال الأجنبي وقاعدتهم جميعًا دولة الكيان الصهيوني الاستعمارية.
أما الشعب العربي فتنقصه أدوات العمل الصحيحة والمناسبة. وأولها التنظيم وتكامل الطاقات النضالية في البلد الواحد وفي دائرة العمل العربي المشترك…أما الصيغ الملائمة فتلك مهمة الميدانيين والشرفاء المستقلين من النخبة المثقفة الواعية الملتزمة..
الوعي الشعبي جزء من المعركة. ووحدة الصفوف سلاحها الفعال. أما برنامج العمل المرحلي الزمني وفق رؤية وطنية – عربية متكاملة متفاعلة – فهو منطلقها إلى العمل في الاتجاه السليم.
أما بقاء شرذمة الوطنيين وتعدد المنابر والمنصات والمجموعات والكتل الصغيرة فلا يعني إلا تسليم المصير والمستقبل إلى قوى الاحتلال والعدوان المحلية والدولية، وعلى رأسها أميركا، تقسم وتتقاسم وتتحاصص، وهو ما لن يكون لمصلحة الشعب بأي حال وعلى أي وجه.
فهل نترك الأوان يفوتنا أم ننطلق لتوحيد الطاقات؟ تلك مهمة ضرورية عاجلة مهما بدت صعبة. تلك مسؤوليتنا جميعًا.