قراءة في كتاب: مآسي حلب ٢ من ٥  الثورة المغدورة ورسائل المحاصرين

أحمد العربي

  • حلب الشرقية تحت سيطرة الجيش الحر.

كان من نتائج استعمال البطش العنف المسلح من الاجهزة الأمنية والشبيحة وبعد ذلك دخول الجيش بقوته العسكرية ضد التظاهرات في حلب، وكذلك احتلال جامعة حلب ومدينتها الجامعية وسقوط الضحايا على يد النظام واعتقال الكثير من الناشطين، كل ذلك ادى لانتقال الكثير من طلاب الجامعة والشباب الثائر ليكوّنوا مجموعات من الجيش الحر، الذي سرعان ما سيكون البديل عن التظاهرات التي انحسرت بسبب عنف النظام. وبدأت تدخل المدينة في أجواء العسكرة. وانقسمت الى حلب الشرقية التي سيطر عليها الجيش الحر و حلب الغربية التي بقيت تحت سيطرة النظام. كان لهذه السيطرة نتائج مباشرة على حياة الناس فقد ظهرت سلطات الجيش الحر كبديل عن سلطات النظام في حلب الشرقية المحررة. وهكذا بدأت تظهر هيئات وكتائب محلية كثيرة يتبع اغلبها للأحياء وشبابها الذين التحقوا بالجيش الحر. وسرعان ما بدأت تظهر كتائب اسلامية بالتوازي مع الجيش الحر الذي انشأ هيئات قضائية من قضاة منشقين ومحامين لمتابعة أحوال الناس بالعدل، كانت كتائب الجيش الحر والناشطين المدنيين قد تواصلوا مع المجلس الوطني السوري والائتلاف بعد ذلك و استمدوا منه بعض العون والشرعية. وكذلك شكلت الكتائب الاسلامية هيئات شرعية تقوم بمقام القضاء لمتابعة شأن الناس وحل نزاعاتهم، يقود هذه المجالس بعض المشايخ حيث كانوا يدعون أنهم يحكمون وفق شرع الله، وكانوا أقرب للجهل بالشأن القضائي عموما، مما ادى لحالة فوضى وغياب العدل وخيبة أمل عند اغلب من تبقى من أهل حلب الشرقية فيها، حيث وقعوا تحت الحصار بعد فترة وانهالت عليهم القذائف والبراميل المتفجرة وقصف الطائرات وأصبحت حياتهم أقرب للجحيم. ومن تبعات التحرير وجدت لجان من الجيش الحر والناشطين المدنيين لتأمين الخدمات اليومية للناس على كل المستويات. كما تضرر القطاع التعليمي في حلب الشرقية المحررة. حيث استهدفت المدارس من النظام وخرج اغلبها عن الخدمة، كما تحول بعضها ملاجئ للنازحين او مراكز للجيش الحر. وهذا ادى لتعطيل العملية التعليمية لكثير من الطلاب في مراحل التعليم الأساسية. ورغم ذلك استمر الكثير من المعلمين في تدريس طلابهم في ظروف قاسية. كما استمرت بعض المدارس الخاصة. كما تم تغيير بعض المواد خاصة المتعلقة بالنظام وحزب البعث، وتم إنشاء مديرية تعليم جديدة تدير التعليم في حلب المحررة.

كما كان لتشكيل المجلس المحلي وسيطرة الجيش الحر مظاهر من الأخطاء التي واجهها الناس بالاحتجاج،. كما حصل صراع نفوذ وتأثير بين الكتائب المسلحة للجيش الحر والهيئة الشرعية للكتائب الإسلامية،، بمواجهة الناشطين المدنيين  وكانت الغلبة للقوى العسكرية .

كما اعتمد الجيش الحر والناشطين الثوريين مجلسا للقضاء الموحد. اما الكتائب الاسلامية فقد انشأت قضاء شرعيا، كما نشأ قضاء عسكري يتبع لهذه الكتائب وكان نموذجها  القضاء العسكري للواء التوحيد. وكانت النتيجة إحساس عام عند الناس بحصول أخطاء كثيرة في المناطق المحررة وضياع للعدل.

  • شهادات من حلب الشرقية والغربية.

شهادة أولى: من حلب الشرقية:

يوميات التحرير والنهب الشرعي.

يعتمد معدّا الكتاب على شهادات ميدانية لناشطين عاشوا في حلب وتحدثوا عن تجربتهم.

يسكن هذا المواطن الحلبي الذي يروي شهادته في حي الشيخ مقصود الذي اصبح جزء من حلب المحررة تحت سيطرة الكتائب المسلحة.

تحررت من النظام صحيح، لكنها أصبحت جحيما من القصف والبراميل المتفجرة والطائرات، لذلك بدأ اهل الحي وبقية الاحياء المحررة بالنزوح خارج الأحياء المحررة. بستان القصر و الكاستيلو وسيف الدولة.. الخ. حاملين معهم ما غلى ثمنه، تاركين بيوتهم على أمل العودة القريبة. البعض حصّن بيته أو محله التجاري او ورشته الصناعية ابواب من الحديد لتدعيمها. كانت المجموعات المسلحة غرباء الشام وأحرار الشام وجبهة النصرة سواء كانت جيش حر أواسلاميين يشجعون الناس على الهروب. وهم من قام بالدخول الى البيوت التي تركها أهلها وسرقتها، نعم إن كثير من كوادر هذه المجموعات المسلحة هم من أرباب السوابق ومدمني المخدرات. لقد اعتمدوا على تهم جاهزة لكل من يريدون نهب بيته او متجره او ورشته. بأنه شبيح وعميل للنظام. وزاد ذلك حضورا وعلنية واستباحة على يد جبهة النصرة خاصة بحق المسيحيين وأموالهم وبيوتهم و معاملهم و ورشهم. و كما حصلت الكثير من عمليات الخطف للتجار واصحاب رؤوس الاموال او اولادهم و طالبوهم بدفع فديات ليتم الافراج عنهم. البعض يفرج عنه بعد دفع المال المطلوب والبعض يقتل والبعض ما زال مجهول المصير. كما نشط بين حلب الشرقية المحررة وحلب الغربية التي تقع تحت سيطرة النظام بعض الوسطاء الذين يسهلون نقل المسروقات وبيعها. والبعض صار ينقل للهاربين أغراضهم بأجر معلوم. صاحب الشهادة هذه كان احدهم. نقل الكثير من محتويات الورش والمتاجر والبيوت من حلب الشرقية المحررة الى اصحابها الذين هربوا إلى حلب الغربية حيث النظام. وكانوا يدفعون للحواجز رشوة بين حلب المحررة وحلب النظام  لتسهيل عمليات العبور.

وهكذا وصلت عمليات السرقة والنهب الى فك ابواب وشبابيك والأسلاك الكهربائية وحتى البنية التحتية من الكهرباء والماء للبيوت وحتى المرافق العامة. وتم نقل كل ذلك بين حلب المحررة وحلب النظام عبر معبر بستان القصر. الذي اسموه معبر رفح تشبها بالمعبر في فلسطين بين الصهاينة والفلسطينيين. وهكذا ظهر وكأن هناك توافق غير معلن بين النظام والكتائب المهيمنة على حلب المحررة حول ما حصل من تهجير وسرقة وتخريب البنية التحتية وتصريف المسروقات في مناطق النظام.

كان لحضور داعش وسيطرتها في حلب المحررة حياة أقرب للجحيم جعلت امكانية عمل الشاهد مستحيل.

شهادة ثانية: ناشط ثوري يتحدث عن مأساة الناس مع المسلحين.

يتحدث الناشط عن الحراك الثوري في حي صلاح الدين وهو واحد سكانه. وكيف بدأ يسيطر الجيش الحر على حي هنانو في حلب الشرقية، وكيف بدأ النظام بالقصف العنيف على الحي مما دفع الأهالي للنزوح. ودخلت كتائب الجيش الحر الى الحي ومنهم كتائب الفاروق الحمصية. لقد لاحظ الناشط كيف اعتقل الجيش الحر بعض الناشطين الثوريين، وكيف انتقل الكثير من الشبيحة الذين تخلوا عن النظام والتحقوا بالجيش الحر. وعند سؤال القادة عن ذلك اجابوا بأن بندقية معنا خير من بندقية علينا. كما بدأ يقترن مع سيطرة المسلحين  بالتوجهات الإسلامية عندهم و بدأ ينحسر التوجه الوطني الديمقراطي ويحاصرون ناشطيه. تصدرت الهيئات الشرعية بقادتها المشايخ. وعند قصف حي هنانو والإنذارات بدأ الأهالي بالهروب باتجاه نبل والزهراء البلدين الشيعيتين المواليتين للنظام والمسيطر عليهم حزب الله اللبناني، الذي كان يبحث بين الخارجين عن ناشطين مطلوبين للأمن واعتقلهم. وهكذا حصل تقسيم حلب. وبدأت تحصل صراعات بين الكتائب المسيطرة على حلب الشرقية  المحررة و بعض الأهالي على السرقات للمنشآت العامة مثل كابلات الكهرباء مما ادى لقطع التيار الكهربائي عن الناس. كذلك محاولة فك مضخة المياه التي تؤمن ماء الشرب للناس. وعندما واجه الناس المسلحين. هددوهم بالسلاح. وهكذا عاش الناس أجواء مشابهة لما كانوا يعيشونه مع النظام. لم يختلف الأمر بين الجيش الحر والكتائب الاسلامية. والمؤسف هو ظهور الشبيحة بين كتائب الحر او الاسلاميين. ثم عودتهم مرة اخرى ليكونوا بين صفوف جيش النظام.

شهادة ثالثة: بستان القصر معبر للقتل اليومي.

يفصل معبر بستان القصر بين حي ميسلون المحرر من حلب و حي اقيول في حلب تحت سيطرة النظام. المسافة بين الحييّن ٤٥٠ مترا. يتطلب الانتقال بينهما التحرك بين حواجز النظام والجيش الحر والنصرة وداعش حوالي مئات الكيلومترات وقد يصل وقد لا يصل، قد يموت بالقنص او يعتقل في احد الحواجز. سمي معبر بستان القصر بمعبر الموت لأن الانتقال فيه يقترن باحتمال الموت دوما، كما سمي معبر رفح نسبة للمعبر المشهور بين الصهاينة والفلسطينيين. يفتح المعبر حسب مزاج المهيمنين عليه من الطرفين. ويمر عبره حوالي ١٠٠ ألف شخص يوميا. الكل له مصالح في هذا الطرف او ذاك مضطر ان يتابعها ولو كلفه العبور حياته. يقتل يوميا بالقنص ما يصل الى عشرين شخص، قنص عشوائي أعمى، ٧٢ قناصا يمارسون هواية القتل اليومي. سيطر على المعبر من جهة حلب المحررة جبهة النصرة في مرحلة. كما قد يكون الاعتقال على حاجز النظام او النصرة واردا وهذا يعني احتمالات قتل او سجن. اخيرا سيطرت داعش على المعبر وعلى بستان القصر حيث أصبح الحي ومرافقه العامة مستباحا للسرقة والنهب. وهذا ما حول حياة الناس ممن تبقوا في حلب المحررة  الى جحيم على كل المستويات.

شهادة رابعة: الحياة اليومية في حلب الغربية.

العيش في حلب الغربية الباقية تحت سيطرة النظام آمنة نسبيا قياسا بالحياة في حلب المحررة. هناك القصف بالطيران والبراميل المتفجرة. اما في حلب الغربية فالقصف بمدفع جهنم العشوائي و قذائف الهاون. لقد هاجر اغلب سكان حلب الموسرين الى مناطق آمنة في سورية او الى خارج سورية. يعيش الناس في حلب الغربية أزمة انقطاع التيار الكهربائي لساعات طويلة.  سد الفرات الذي يمد البلد بالكهرباء تحت سيطرة المسلحين، يضطر الموسرين لشراء المولدات الخاصة، أما العامة فقد يشترون وحدات كهربائية من مولدات كبيرة وضعت لهذا الغرض استثمار تجاري خاص. وهنالك نقص في المشتقات البترولية وارتفاع أسعارها إن تواجدت في السوق السوداء.وكما اضطر الناس لحفر الآبار في الحدائق والساحات لتعويض النقص في ماء الشرب. كما ان هناك ازمة خبز حيث يتم الحصول عليه بصعوبة في أفران الدولة المدعومة اسعاره. كما يوزع الهلال الاحمر السوري بعض المعونات التي جاءت من هيئات اغاثية عالمية. كما انهارت العملة وأصبح الدولار يساوي ١٥٠ ل س في عام ٢٠١٣م. عاد النظام لتسيير أعماله في مؤسساته في حلب الغربية. أقفلت المدارس بسبب النازحين في عام ٢٠١٢ – ٢٠١٣م. وعادت في السنة التالية لكن عدد طلابها انخفض للنصف بسبب التشرد والموت والخوف، كما انخفضت الكتب المؤمنة للطلاب. هاجر كثير من الأطباء، وأصبحت المشافي في حالة عجز، كما افتقدت الكثير من الادوية. كما توسعت مظاهر الانحلال الأخلاقي من دعارة ولواطة وتعاطي المخدرات.

يتبع…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى