يمهد النظام السوري لاحتمال تأجيل الانتخابات الرئاسية، المقرر أن تُجرى منتصف العام الحالي، وسط رفض دولي لإجراء الاستحقاق وحتى نتائجه، مع استمرار تعطيل النظام للعملية السياسية، الرامية لحل الأزمة السورية، المستمرة منذ 10 سنوات.
وبات انتشار جائحة كورونا ذريعة لدى النظام لفرض أي أجندات يحاول تمريرها، ومنها مسألة الانتخابات وموعدها. ويقيس النظام وحلفاؤه تحديداً الروسي، حالياً، ردود الفعل الدولية، لا سيما الغربية والأميركية بشأن إجرائها.
وفي مقابلة مع وكالة “تاس” الروسية، نشرت الأربعاء الماضي، قال سفير النظام السوري في موسكو رياض حداد، إن الانتخابات الرئاسية المقبلة في سورية ستجرى مع مراعاة الوضع الوبائي، وذلك رداً على سؤال حول دعوة مراقبين دوليين خلال عملية الاقتراع. وعلى الرغم من أن حداد أشار إلى أن الانتخابات ستجرى في موعدها، مؤكداً استمرار الاستعدادات لها، إلا أنه ربط تأكيد موعدها بظروف انتشار فيروس كورونا، قائلاً “لا يزال الوضع الوبائي المرتبط بانتشار فيروس كورونا هو العامل الرئيسي المحدد في العملية الانتخابية المقبلة”.
ولعل الموقف الأميركي الأخير، بإعلان إدارة الرئيس جو بايدن رفضها رسمياً للانتخابات، هو ما جعل النظام مع حلفائه، لا سيما الروس، يعيدون الحسابات في تحديد موعد إقامتها، بهدف كسب مزيد من الوقت والمراوغة في الأروقة الدولية، لإحداث فجوة، يمكنهم من خلالها تمرير الانتخابات، ولو في وقت لاحق، بصفقة معينة، بدون إحداث ضجة مصاحبة لها.
وقبل أيام أعلن نائب المندوب الأميركي لدى الأمم المتحدة جيفري ديلورنتس أن إدارة بايدن “لن تعترف بنتائج الانتخابات في سورية إذا لم يتم التصويت تحت إشراف الأمم المتحدة، ومراعاة وجهة نظر المجتمع السوري بأسره”. وأكد أن النظام السوري ينوي استغلال الانتخابات، المقرر أن تجرى في مايو/أيار المقبل، لتأكيد شرعية بشار الأسد. وشدد على أن الإدارة الأميركية الحالية تعارض إجراء انتخابات “غير حرة” لا تخضع لإشراف الأمم المتحدة. وقال “نواصل التأكيد بحزم على أن السبيل الوحيد للمضي قدماً، هو دفع العملية السياسية التي تفي بالشروط المنصوص عليها في قرار مجلس الأمن 2254”. ونوه إلى أن المعارضة السورية حاولت القيام بدور نشط في تطوير الدستور الجديد، لكنها قوبلت برفض دمشق بالتعاون.
ويتطابق مع الموقف الأميركي، موقف أوروبي صارم، لا سيما من فرنسا وألمانيا ورئاسة الاتحاد الأوروبي، برفض الانتخابات ونتائجها المستقبلية، بدون التوصل إلى حل سياسي شامل في البلاد، يكون مصدره الأروقة الأممية وطبقاً للقرارات الدولية، وأولها 2254 للعام 2015، الذي يقضى بأن تكون هناك هيئة حكم انتقالي تُحضر لدستور جديد للبلاد والإعداد للانتخابات، ثم إجرائها تحت إشراف الأمم المتحدة.
ولا يزال الروس يتمسكون ببقاء الأسد فترة رئاسية جديدة، عبر دعم مراوغة ومماطلة النظام في الجلوس جدياً حول طاولة التفاوض في المسارات السياسية المختلفة لحل الأزمة، نظراً لكون نتائجها، إذا سارت وفق القرارات الأممية، ستفضي لإنهاء حكم الأسد للبلاد. وباتت موسكو، أخيراً، تحاول كسب تأييد عربي لبقاء الأسد، في ظل الرفض الغربي والدولي لتمديد فترة حكمه، وكان ذلك واضحاً خلال جولة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الخليجية، التي تلقى خلالها ردوداً غير مرضية على إعادة النظام للحاضنة العربية من خلال عودته للجامعة العربية، إذ ربطت الدوحة والرياض هذا الطرح بإنجاز التسوية السياسية، التي ستكون المعارضة السورية جزءاً منها، فيما كانت الردود على الطرح الروسي إيجابية في أبو ظبي.
وأشار عضو الهيئة السياسية في “الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية”، عبد المجيد بركات، في حديث مع “العربي الجديد” إلى أنه “من غير المنطقي أن يلجأ النظام إلى تأجيل الانتخابات بذريعة انتشار فيروس كورونا. فالجميع يعلم أن مناطق النظام لم تلتزم بالإجراءات الاحترازية لمكافحة الفيروس”. وأكد بركات، لـ”العربي الجديد”، أن “الظرف الدولي والداخلي هو الذي قد يدفع النظام لتأجيل الانتخابات. فالمواقف الأميركية والأوروبية، ولجميع الدول الفاعلة في الشأن السوري، واضحة حيال معارضة إجراء الانتخابات”.
ونوه إلى أن “النظام كان يراهن، وربما يتوقع، أن يتم مع استلام إدارة بايدن والديمقراطيين للحكم في الولايات المتحدة، تخفيف حدة القيود والعقوبات الاقتصادية عليه. لكن العكس تماماً ما حصل، فهناك مشروع قانون جديد يتم تحضيره في الكونغرس، يؤكد على تطبيق قانون قيصر، ويذهب باتجاه محاسبة مسؤولي النظام. ورأينا المحاكم الأوروبية التي بدأت بمحاسبة مسؤولين من النظام المتهمين بجرائم حرب”. وأوضح بركات أن “النظام فشل في مفاوضاته مع قوات سورية الديمقراطية (قسد) شمال شرق سورية، لوضع صناديق انتخابات هناك. وبالتالي كل المؤشرات تتجه إلى أن الانتخابات في حال حدوثها ستكون شكلية، وستلقى ردود فعل دولية وداخلية رافضة، ما يُدخل النظام وحلفاءه بمأزق سياسي جديد مع المجتمع الدولي، وتحديداً الدول الداعمة للمعارضة”.
من جهته، رأى الباحث والخبير في الشأن الروسي محمود الحمزة، أن “النظام يستميت لإجراء الانتخابات، فهي بالنسبة له مسألة مصيرية، لإثبات أن بشار الأسد تم انتخابه شرعياً، ما يمكنه المحاججة به أمام المجتمع الدولي، في مراهنة على خداعه، ومن ثم الحصول على تمويل لعملية إعادة الإعمار”. وأوضح الحمزة، في حديث لـ”العربي الجديد”، أن “المجتمع الدولي والغرب وحتى الروس، يعلمون أن هذه الانتخابات ليست سوى مسرحية هزلية فاشلة. وبما أن الأوضاع الاقتصادية في البلاد، ولا سيما في مناطق سيطرة النظام، كارثية للغاية على المستويين المعيشي والصحي، فالنظرة الآن إلى كيف يمكنه إجراء انتخابات في هذه الظروف. فالمناطق التي يسيطر عليها النظام، لا يوجد فيها أكثر من 9 ملايين سوري، من أصل 24 مليوناً، ومناطق شمال غرب وشمال شرق سورية كلها خارجة عن سيطرته، بالإضافة إلى وجود ما بين 7 إلى 8 ملايين مهجرين خارج سورية. كما أن التسعة ملايين الموجودين داخل مناطق سيطرة النظام ليسوا جميعهم ناخبين، وعلى الأغلب فإن المقترعين منهم ليسوا جميعاً مع انتخاب الأسد مجدداً، نظراً للحال الذي أوصلهم إليه هذا النظام”. ونوه إلى أن “النظام لم يجر طوال عهده انتخابات ديمقراطية، حرة ونزيهة. وبالتأكيد سيلجأ كما في السابق، إلى وضع النتيجة التي سيراها مناسبة لإنجاح بشار الأسد، كما حدث في الانتخابات السابقة”.
لكن الحمزة أشار إلى أن “الوضع والظرف الدولي مختلف، لا سيما مع إدارة بايدن. والروس الآن يلجؤون لحلحلة الوضع السياسي، فهم يدركون أن الانتخابات ستشكل عرقلة لأي حل سياسي مقبل، فاللجنة الدستورية، مثلاً، لا تعمل بسبب تعنت النظام. وأخيراً ظهرت إشارات من موسكو، بشكل غير رسمي، بأن الانتخابات ستخلق لهم مشكلات جديدة مع الغرب، ففرنسا قدمت وثيقة لمنع الانتخابات لكونها غير شرعية، والأميركيون قالوا صراحة إنهم لن يتعاملوا مع بشار الأسد. هذه المقاطعة المسبقة تجعل الروس يفكرون بكيفية إيجاد حلول كي لا يضعوا أنفسهم في موقف محرج، لدرجة عدم إيجاد من يتعاون معهم في البحث عن حل. ومن هنا قد يكون الروس أرسلوا إشارات للنظام السوري بالتريث في إجراء الانتخابات. وعلى هذا فإن سفير النظام في موسكو لا يمكن أن يصرح من عنده، ولا شك أنه تم إبلاغه برمي هذا الطرح، للقول إن النظام والروس لم يفشلوا بإجراء الانتخابات في موعدها، وتحميل ظروف كورونا أسباب التأجيل”. وأكد أن “النظام قد يلجأ إلى تأجيل الانتخابات لكن لن يقوم بإلغائها، بانتظار معرفة ما إذا كان الروس سيستطيعون إحداث خرق ما”.
المصدر: العربي الجديد