في الذكرى العاشرة لانطلاقة الثورة السورية أصدرت الشبكة السورية لحقوق الإنسان تقريرها الذي وثقت فيه مقتل 227413 مدنياً بينهم 14506 بسبب التعذيب، واعتقال/ إخفاء قسري 149361 شخصاً، وتشريد نحو 13 مليون سوري، مشيرة إلى عَقْدٍ من الانتهاكات المتواصلة وفشلٍ في تحقيق الانتقال السياسي نحو الديمقراطية وحقوق الإنسان.
تعبر الذكرى العاشرة للثورة السورية على السوريين في كل مكان وكل من ناصرها وهم يواجهون تحديات متواصلة عبر مستويات عدة يذكر من هذه التحديات:
أولاً: تحدي البديل، واجهت قيادات المعارضة السورية إخفاقات كثيرة على عدة مسارات وإحباطات متتالية تدخلت بها عدة أسباب وعوامل منها الذاتي الذي يتمحور حول مكوناتها الفكرية والنقدية والثورية والكاريزماتية ومنها الموضوعي المتعلق بتعمد بعض المحاور الدولية إفشالها بعدة طرق ووسائل.
ثانياً: تحدي الهجرة والنزوح، تعرض الشعب السوري لأكبر موجات الهجرة والنزوح في العصر الحديث مما وضعه أمام تحديات مضاعفة أمام واقع الثورة السورية وصرفه في كثير من المواطن عن متابعة مشروعه الثوري والتحرري من النظام الديكتاتوري وارتباطاته الاقتصادية وشبكته الاجتماعية والدينية والطائفية والعسكرية التي فتتت مكونات نسيج المجتمع السوري وهي تلوذ عن الديكتاتور.
ثالثاً: التحديات الإقليمية والدولية، شهدت الساحة الإقليمية في المحيط السوري مجموعة تغيرات وتبدلات شكلت حالة من تكريس سلطة الديكتاتوريات في المنطقة وما رافق تلك الحالة من تحالفات بين الديكتاتوريات والاستعمار لتثبيت حكم الاستبداد الحارس الوفي للمستعمرات التوسعية لكيانات عالمية تعيش على العلاقات الزبائنية بينها وبين الديكتاتوريات.
رابعاً: تحدي إعادة تدوير الانقسام الطائفي والمجتمعي السوري عبر محاولات النظام العسكري السوري فرض رؤيته على المناهج التعليمية السورية بمحاولات إقصاء كل ما من شأنه أن يعزز ملكات التفكير الحر لدى الأجيال أو بحجب المعلومات الخاصة بالحراك الثوري السوري، فبعد أن كانت المناهج التعليمية مهمة التربويين والاختصاصيين، أصبحت مهمة الحكومة الاستبدادية والمجالس العسكرية ووزارات الداخلية. كل هذه الجهات اجتمعت لمراقبة وتغيير المناهج بحيث تعيد إنتاج مواطن خاضع للنظام الاستبدادي بتوجيه المعلومات الانتقائية ضمن المناهج التعليمية.
خامساً: تحدي الوعي السوري، فالوعي الثوري السوري تعرض لهزات كثيرة نتيجة لتحالف موارد هذا الوعي بأشكال سلبية مما يتعرض له الوعي الثوري من ضغط إعلامي وضغط فكري يحاول تشويه هذا الوعي وقرن الحراك الثوري السوري بحالة الإخفاق في العبور لمرحلة تحول ديمقراطي وهذا أمر يهمل سيرورة الثورة وينقلب عليها وقد قادت مهمة تشويه الوعي السوري محاور الثورة المضادة التي وقفت مع النظام الديكتاتوري وأعادت إنتاجه على المستوى المحلي والمستوى الدولي.
تلك القوى المضادة للثورة من كيانات ودول توافقت علناً أو سراً مع النظام السوري القمعي وساهمت في تحويل الثورة إلى صراعات طائفية ونزاعات مسلحة ثم انتقلت إلى حيلة الحرب ضد الإرهاب بعد تغذية سوريا بالمجموعات من تنظيم القاعدة وداعش، عملت ذلك بتناغم كبير وكان هدفها تدمير الوعي الثوري وتحويل نموذجها إلى مقتلة ومجزرة توضع أمام شعوب العالم التي لديها بذور الثورات كي لا تتجرأ على التحرك.
هذه التحديات التي تشهدها ذكرى انطلاق الحراك الثوري تقودنا لرؤية مجموعة من النقاط التي قد تسهم في حلحلة الواقع المعقد والمأزوم بفعل التغيرات الجذرية التي شهدتها مكونات الثورة السورية بفعل العوامل المذكورة آنفاً وهنا أذكر منها الآتية:
أولاً: لا بد من وجود قيادات وطنية وحركات تتجاوز الحدود الضيقة الفاصلة بين السوريين، تلك القيادات من أهم مكوناتها مسألة الكلية أي اهتمامها بالنهضة بكل المكونات السورية وإيجاد الأدوات الممكنة من أجل ذلك بل ابتكارها أيضاً بناء على إحاطتها بالمشتركات بين السوريين من قيم إنسانية مثل التعاون وحماية المظلوم وإنكار الظلم والتعدي بغض النظر عن هوية المظلوم أو الظالم الطائفية أو الدينية.
ثانياً: العمل السوري المشترك انطلاقاً من قاعدة استبعاد الأصوات التي تنطلق من منطلقات طائفية أو عنصرية أو قومية حصرية في صفوف القيادات الثورية المعارضة، بالإضافة لاستبعاد كل ما يعزز الخطاب المناطقي والصراع الهوياتي بين مكونات المجتمع السوري.
ثالثاً: في مجتمعات اللاجئين والنازحين بكل مكان من الضرورة تطوير شبكة علاقات اجتماعية لحل المشكلات التي تواجهها تلك التجمعات وتكون بمثابة جماعة ضغط على الأطراف الدولية والإقليمية وكل من يحاول التهاون في قضايا اللاجئين والنازحين، هذه الشبكة إن تشكلت ستكون قادرة على مواجهة التحديات الكبرى التي تواجهها مجتمعات النازحين واللاجئين في القضايا التي يحتاج حلها لمجهودات فيها حالة من التكامل والتعاون المجتمعي، وهذه الشبكة إن قامت على هذه الأسس ستكون بمثابة مخرج طوارئ أيضاً يفضي لحلول حقيقية في مجتمعات اللاجئين والنازحين.
رابعاً: في مواجهة حملات النظام لتشويه الوعي الجمعي وإعادة إنتاج الخطاب الطائفي والديني وإعادة صياغة المواطن الخاضع عبر المناهج التعليمية يمكن للجهات الإعلامية التي تسند الحراك الثوري من مقاومة المحتوى التعليمي المساند للديكتاتور وأدواته بإطلاق مشروع ثقافي توعوي يخاطب كل الأجيال السورية ويبتعد عن أن يكرر نفس الأدوات كي لا تساهم تلك الحملات بنتائج عكسية تغذي وتعيد إنتاج صراع الدين والطائفة والهوية، وإنما تكون بمثابة حوارات عابرة لكل مكونات الشعب السوري.
خامساً: بناء وعي جديد داخل مكونات المجتمع السوري انطلاقاً من المشتركات التي تجمعها، فكل من يعتدي على مكون من تلك المكونات لأنها من خارج منطقته الدينية أو السياسية أو الحزبية، سوف يعمد لإلغاء كل من في دائرته المشتركة في حال شكلَ خطراً أو تهديداً وجودياً عليه، فالثورة تتأصل بأدوات الواقع الأكثر صميمية والأكثر قدرة على إقناع كل مكونات المجتمع بضرورة حصولهم على حقوق متساوية بعيداً عن تمايزات الدين والطبقة السياسية.
سادساً: لكل ثورة في تاريخ العالم تفاصيلها وجذورها وامتداداتها، والثورة السورية واجهت من التحديات والتحالفات المضادة ما ساهم في ارتباك مساراتها وحرفها أحياناً بفعل وجود قيادات فئوية تسعى لمصالحها الخاصة، شكلت هذه القيادات الشعبوية حجر عثرة أمام عجلة التغير الديمقراطي وكانت أسوأ أمثلة ساهمت في تشويه الوعي الثوري لدى المواطن السوري.
سابعا: لا بد من إعادة تحديد أهداف الثورة وتقديم البدائل التي فيها حلول لكل المشكلات الاجتماعية، والتوقف عن مهزلة تنافس رجال الأعمال المعارضين للحصول على نصيب من إعادة الإعمار حتى لا يتم فرض اقتصاد ليبرالي شره يعيد إنتاج مصالح الطبقة الواحدة داخل المعارضة، لا بد أن يتنبه رجال الأعمال المعارضين لعدم مراكمة ثرواتهم على حساب الشعب النازح والمفقر.
ثامنا: لا بد من حوار ثوري سوري عابر لكل المكونات المجتمعية وقادر على مخاطبة كل مكون من تلك المكونات بلغة مرنة تبتعد عن أدوات الشعبوية والقمعية وتستند لحوار المشتركات الإنسانية والقيم الرسالية العليا والتي هي أساس الهوية السورية الجامعة للمكونات الوطنية والإنسانية، ولا بد من العمل على تطوير الوعي الثقافي والأخلاقي عبر قنوات الثورة الفردية والجماعية عن طريق اعتماد أدوات تغيير حصرية لتلك القوى الثورية بعيداً عن تقليد الأدوات الشمولية لكن على الجانب الآخر.
ولا بد لهذا الحوار أو الخطاب الثوري أن يخاطب كتلة الجيش السوري المهمشة والتي تعايش حالة من غسيل الدماغ الوطني، كذلك لا بد لهذا الخطاب أن يكون قادرا على محاورة الساحل السوري فهو يمثل البنية الصلبة للنظام السوري حيث عمل النظام السوري على استغلاله طوال السنوات العشر الماضية وأفقده خيرة شبابه.
صراع الثورة مع السلطة لم يحسم بعد، فالثورة ليست في أحسن حالاتها بفعل إرهاق كل مكوناتها عبر القوى الإقليمية والعالمية التي وقفت بشكل مضاد لمجهوداتها، لكن في المقابل السلطة السورية ليست في أفضل حالاتها أيضا، لذلك لا بد من إعادة بناء الثورة السورية بما يسمح لها أن تعيد ترتيب ظروفها كي تواصل في تحقيق الأهداف عبر قيادات أكثر وعيا بمهامها الثورية على كل مستويات البناء الوطني الثوري الموازي للثورة على السلطة.
المصدر: موقع تلفزيون سوريا