تشهد الساحة السياسية السورية تحركات جريئة، تتسم بالمرونة، وتتقاطع في نقاط رئيسية، وتعكس روحا جديدة، وتغيراً في طريقة التفكير والتعاطي مع عناصر القضية – الأزمة التي دخل عدادها عامها الحادي عشر، مبشرا بتطورات ايجابية في المدى المنظور، أو بنقطة ضوء في نهاية النفق، كما يقال.
أبرز هذه التحركات، تتمثل في وتيرة الاستجابات الداخلية والخارجية المتسارعة لمبادرة تشكيل (المجلس العسكري) التي يقف خلفها العميد المنشق مناف طلاس. إذ يمكننا ملاحظة مدى التأييد الذي تلقاه، في الأوساط السورية أولا، من ضباط الجيش المنشقين، وضباط الجيش الذين ما زالوا في الخدمة، ومن أوساط المكون الكردي المسلح، والأوساط السياسية الثورية والمعارضة، وأوساط المستقلين والجمهور العادي.
يمكننا أيضا ملاحظة الاستقبال الهادئ والتفاعل الجدي مع المبادرة من قبل الدول الفاعلة في الملف السوري، من تركيا الى روسيا، ومن الدول الأوروبية الى الدول العربية، ومن الولايات المتحدة الى أطراف عديدة. وبينما يمكن تسجيل عدم ظهور أي موقف رافض للمبادرة بين الدول بشكل صريح ورسمي، يوجد مؤشرات على توفر دعم دولي متعدد وواسع. فحسب معلومات متوفرة، فإن وزارة الخارجية الأميركية اتصلت بالعميد وشجعته على الاستمرار في مشروعه، وعبرت عن أملها بأن ينسق العميد مع القطب البارز الآخر الدكتور رياض حجاب. بما يوحي دعوتهما للعمل معا على تأليف جسمين جديدين عسكري وسياسي موحدين ومتعاونين يمثلان الشعب السوري المعتدل. مما يوحي أيضا بأن الدول الكبرى تجاوزت أجسام المعارضة السابقة التي عفا عليها الزمن وباتت من الماضي، ولاسيما بعد أن أسقطها الحراك الثوري، أقله، بعد انتفاضة 20 ت2 / نوفمبر الماضي 2020 .
هذا التطور يتقاطع مع اللقاء الذي شهدته العاصمة القطرية قبل اسبوعين بين حجاب ووزير الخارجية التركية بحضور قطري داعم ، وحديثه الى الرأي العام السوري بعدها مباشرة عبر الجزيرة قال فيه إنه على ثقة بأن بشار انتهى ، ولن يكون له دور في المرحلة القادمة ، وكأنه أراد نقل رسالة شبه رسمية مطمئنة ومتفائلة الى الشعب الثائر والصامد في الذكرى العاشرة للثورة ، والذي لا يقبل مطلقا أي حل لا يتضمن بوضوح إخراج السفاح المعتوه من السلطة ، وإجراء تغيير جوهري وجذري في بنية النظام يلبي مطالبه وأمانيه في الحرية والكرامة والعدالة والاصلاح العام للدولة والانتقال الى عصر جديد ، كلي الجدة ، لا مراء فيه .
وعلى مسار ثان مواز، كان للشارع السوري حضوره وحراكه القوي من خلال حملة (لا شرعية للأسد وانتخاباته) التي لم يعد سرا أن الدبلوماسية الفرنسية دعمتها وتبنت مطالبها، وبنت عليها تحركا على مستوى الاتحاد الأوروبي، ثم طرحت مبادرة انضمت اليها المانيا وايطاليا وبريطانيا، رفضت خطة الانتخابات التي يسعى لها السفاح تجديدا لشرعيته المفقودة منذ عام 2011، إن لم يكن منذ عام 2000. ورفضت نتائجها سلفا، وقالت إنها معدومة الأثر قانونيا وسياسيا. وطالبت الدول ذاتها روسيا بوقف تقديم الدعم للأسد، وحذرتها أنها مسؤولة مثله عن الجرائم التي يرتكبها هو وزمرته وزعرانه وشبيحته .
وبناء على مصادر ومعلومات كثيرة يمكن القول إن هناك مؤشرات على وجود قناة تواصل ساخنة بين موسكو وواشنطن، بدأت تبادل الرأي لبلورة سيناريو للحل السياسي يلبي بعض مطالب الشعب السوري التي اعترف بها بيان جنيف1، والقرار الأممي 2254، لا كلها.
وعلى مسار ثالث، لا ينبغي التقليل من الاثر الايجابي لتنظيم قوى المعارضة الداخلية مؤتمرا جديدا معلنا عنه مسبقا، مكانا وزمانا ومضمونا، ينعقد اليوم ( 27 آذار / مارس ) في قلب العاصمة دمشق ، يضع أساسا لإطلاق جبهة معارضة جديدة للنظام ، أكبر من هيئة التنسيق الوطني لقوى الثورة ، تدعى (جود) .
الورقة السياسية المعدة مسبقا، والتي ستكون محور مداولات المؤتمر تتبنى موقفا وطنيا أكثر ثورية وجذرية من المواقف السابقة لهيئة التنسيق وحزب الاتحاد الاشتراكي الذي يقود هذا التحرك، كما قاد قبل عشر سنوات الحراك الذي أفضى الى انشاء (هيئة التنسيق) عام 2011. فالورقة تتحدث بلغة قاطعة عن إزالة نظام الاستبداد بكل مقوماته ومرتكزاته، بينما كان الموقف في بداية الثورة هو إزالة الاستبداد دون ذكر النظام، وكأن معارضة الداخل قد أعطت النظام سابقا مهلة لإصلاح نفسه، واصلاح كل ما يتعلق ببنيته الداخلية، مدتها عشر سنوات، وها هو الأجل ينتهي بدون أي تغيير أو اصلاح، ولذلك طالبت هيئة التنسيق في مؤتمرها الجديد بتغيير النظام والانتقال الى نظام ديمقراطي يلد من رحم ” حل سياسي ” وانتخابات تعددية حرة ونزيهة. وتؤكد ورقة المؤتمر المنعقد اليوم في منزل حسن عبد العظيم في حي ركن الدين على عروبة سورية واخراج كل القوات الأجنبية وحل الميليشيات، وهما نقطتان تتقاطعان مع مشروع المجلس العسكري، ما يوحي بوجود نوع من الاتصال أو التناغم بين الطرفين.
والأهم مما سبق هو أن قوى المعارضة الداخلية ترفع مستوى جرأتها وشجاعتها ، وسقف التحدي والمقاومة السياسية في وجه النظام من عقر عاصمته المغتصبة ، الأمر الذي يعكس شكلا من أشكال التعبير عن احتجاجات أهالي دمشق على ما بلغته الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية ، في مناطق النظام التي تعيش مجاعة مقنعة ، وتنذر بكوارث ، وبانهيار كامل لا للنظام فقط ، بل للدولة ذاتها ، لا سيما ان مؤتمر تأسيس (جود) سيحضره دبلوماسيون عرب وأجانب ، ما يرسل اشارة قوية الى العالم مفادها أن الحاكم الملعون قد انتهى أجل صلاحيته ، كما أبلغ حجاب ، وكما ينقل عن طلاس ، وكما توحي رسائل مشفرة تبعث بها الادارتان الروسية والأميركية الى السوريين . ويقول مصدر مطلع: لو كان بوتين ما زال يدعم استمرار الأسد لقدم له معونات غذائية وبترولية ومالية، وسمح له بضرب الطائرات الاسرائيلية بصواريخ اس 300.
ويضيف المصدر: إن الأميركيين خنقوا بشار بعقوبات قانون قيصر، والروس يخنقونه بعدم انقاذهم له اقتصاديا!
السؤال الذي يفرض نفسه حاليا: من سيقتل بشار الأسد ويريح العالم منه …؟ لقد أصبح عبئا على الجميع، وربما أصبحت أيامه في السلطة معدودة!! وهذا الأمر الذي بات الجميع يعرف جوابه يوحي أن هذا الجميع يتحرك بوحي من القناعة بنهاية وشيكة للسفاح، وأن ديناميات الحل السياسي بدأت بدون اعلان مسبق، بتعاون روسي – اميركي، وعربي واقليمي .