يعيش شمال غربي سوريا حيث تسيطر فصائل المعارضة تطورات متسارعة مرتبطة بشكل وثيق في حالة الانهيار الذي يعيشه نظام الأسد اقتصاديا، فهذا الانهيار تُرجم عبر محاولات لاهثة للحصول على متنفسات تجارية، وهذا المسعى لن يتحقق وفق وجهة نظر الراعية للأسد روسيا، قبل أن تُطلق العنان لآلة قتلها التي تقصد أرواح السوريين، بقصد التهديد والترهيب.
تعتمد روسيا منذ أسابيع سياستها المعتادة في حرق الأرض، تجوب طائراتها برفقة طائرات نظام الأسد الحربية منها والمسيرة، تدك بالدرجة الأولى الأماكن الخدمية ابتداء بـ مركز المحروقات الرئيسي للمنطقة وصولاً إلى مخيمات النازحين.
ولأن الدوافع العسكرية دائما ما تكون متعلقة بملفات سياسية، فمن الضروري هنا القول، إن التطورات الميدانية المتمثلة بالتصعيد الروسي تأتي في ظل سريان العمل بـ “اتفاق آذار”، الموقع بين الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، ونظيره الروسي، فلاديمير بوتين، عام 2020، والذي نص على وقف إطلاق النار، وإنشاء “ممر آمن”، وتسيير دوريات مشتركة على الطريق الدولي “M4″، فهل يعني هذا التصعيد انتهاء العمل بالاتفاق؟.
وعلى ذكر هذا الاتفاق الذي أوقف معارك طويلة ومرهقة لفصائل المعارضة قبل عام في أرياف حلب وإدلب، فإن روسيا بدأت بالترويج مجددا للعميد سهيل الحسن الضابط المفضل لديها في قيادة معارك حرق الأرض، في إشارة إلى استعداداته لخوض معارك جديدة، ما يشي بأن هناك تحضيرا عسكرياً قد تشهده المنطقة، فلم يظهر الحسن قبلاً مع جنوده إلا وتبعه عمل عسكري.
موقع تلفزيون سوريا رصد حسابات روسية على موقع “تلغرام” متخصصة بعرض لقطات للقوات الروسية، نشرت خلال الأيام الفائتة، صورا للحسن الذي يقود ما تسمى “قوات النمر” (الفرقة 25 قوات خاصة)، حيث ظهر الحسن إلى جانب القوات الخاصة الروسية، دون الإشارة إلى الموقع الذي يوجدون فيه.
في موازاة ذلك، أجرى الجيش الروسي تدريبات عسكرية، جوية وبرية، لقوات نظام الأسد تحاكي هجمات حقيقية.
قناة “tvzvezda” الروسية نشرت في 22 من آذار الحالي، لقطات تظهر تدريبات قتالية على الأرض بمشاركة مروحيات حربية، مشيرة إلى أنها تمت على حدود محافظتي حماة وحلب، وشارك فيها مقاتلو نخبة من قوات النظام، بقيادة خبراء روس.
وتضمن سيناريو التدريبات استيلاء مجموعة مهاجمين على قرية، واستهدافهم من قوات النظام بالمدفعية وراجمات الصواريخ، ثم هجومًا بريًا من قوات النظام.
التدريبات وظهور الحسن جاءت ضمن مسار التصعيد العسكري، فمنذ مطلع آذار الحالي تشن روسيا ونظام الأسد حملة قصف واسعة النطاق شملت مناطق النفوذ التركي بريف حلب، عدة مرات، دفعت للتساؤل عن رسائل روسيا النارية لتركيا والغرض منها.
وهنا أبرز الأماكن الحيوية التي زارها القصف، ففي يوم واحد قُصف محيط معبر باب الهوى الحدودي مع تركيا، الذي يعد شريان دخول المساعدات الأممية إلى مناطق سيطرة المعارضة شمالي سوريا، إلى جانب دك مشفى الأتارب الجراحي غربي حلب، ما أسفر عن سبعة قتلى بينهم طفل وامرأة، وجرح أكثر من 15 آخرين، بينهم تسعة من كوادر المستشفى.
الدفاع المدني السوري (الخوذ البيضاء)، قال في بيان له حينئذ، إن مدنياً قُتِلَ نتيجةَ غارات جوية روسية استهدفت معملاً للأسمنت وكراجا للشاحنات في منطقة باب الهوى الحدودية بريف إدلب الشمالي، وسببت الغارات حرائق كبيرة في الشاحنات.
وفي الأتارب خرج المشفى عن الخدمة نتيجة الاستهداف المباشر، ولم تكتف روسيا بقصف ما سبق، بل أطلقت على منطقة قاح بريف إدلب التي تعج بالنازحين (نحو 1400 مخيم بين ريف حلب وريف إدلب) صاروخ أرض- أرض مصدره قاعدة حميميم الروسية بريف اللاذقية ما أدى لإصابة عدد من المدنيين.
سبقت هذا القصف عمليات تدمير روسي ممنهجة لمنشآت اقتصادية في ريف حلب، كما جرى في الخامس من آذار الحالي، حيث كان أهالي منطقة ترحين بحلب الخاضعة لنفوذ تركي على موعد مع حملة قصف بصواريخ أرض- أرض روسية وسعت دائرة اللهيب عندما سقطت على منطقة تعج بالمواد النفطية سريعة الاشتعال، محولة ليل المنطقة إلى نهار.
رفض واحتجاج سياسي تركي عند الروس بشأن التصعيد في إدلب
لم تتأخر أنقرة في التعليق على تطورات القصف بالقرب من حدودها، فأنقرة تعلم جيدا أنه لا مجال بعد الآن لاستقبال موجة نزوح جديدة تأتيها من سوريا، فسارعت إلى مطالبة موسكو بإيقاف الحملة.
وحمّلت وزارة الدفاع التركية، نظام الأسد قصف أماكن خدمية للمدنيين السوريين قرب الحدود الجنوبية لها، كما طالبت بوقف القصف وإنهاء التصعيد في إدلب.
ووفق مراقبين أتراك، فإن أنقرة لن ترجح الحل العسكري لردع الروس والنظام حتى تستنفذ جميع الوسائل التي تحافظ على التهدئة.
ولم يقف دور أنقرة عند هذا الحد، فمع اتساع رقعة الأهداف المستهدفة روسياً ما يعني مضيّها (روسيا) بحملتها، استدعت تركيا السفير الروسي لديها بخصوص الهجمات الأخيرة في سوريا.
ونقلت وكالة “الأناضول” عن مصادر دبلوماسية في الخارجية التركية قولها، إن أنقرة نقلت للسفير الروسي “مخاوف وقلق” تركيا إزاء تلك الهجمات.
كما ناقش الاجتماع في وزارة الخارجية التركية بحضور السفير الروسي أليكسي يرخوف، الأوضاع في إدلب.
روسيا تفصح عن دوافعها في قصف شمال غربي سوريا
في الوقت الذي تواصل في عملياتها في قصف المدنيين في إدلب وريف حلب، تُرسل موسكو مقترحاً إلى تركيا يكشف عن دوافعها من هذه الحملة.
جاء ذلك على لسان وزارة الدفاع الروسية، التي قالت إنها اقترحت على القوات التركية فتح بعض نقاط التفتيش في مدينتي إدلب وحلب، بحجة أن “الوضع الإنساني يزداد صعوبة”.
المقترح وجّه باستئناف عمل ممري سراقب وميزناز في إدلب، وممر أبو الزندين في مدينة حلب، وأوضح أن المقترح يشمل إطلاق عمليتي إيصال الشاحنات الإنسانية وخروج النازحين عبر الممرات اعتبارا من 25 من آذار.
مقترح الممرات الإنسانية هو قديم كانت روسيا تسوق له مع كل عمل عسكري، إذ تدعو من خلاله المدنيين الخروج من مناطق سيطرة المعارضة إلى مناطق سيطرة نظام الأسد، لكن دائما ما تصاب روسيا بخيبة أمل، فلا أحد من المدنيين يلبي دعواتها.
لكن اللافت في المقترح الجديد هو حديث روسيا عن تحريك قافلات مساعدات عبر المعابر المقترحة، ما يعني تحريك عمليات التبادل التجاري بين مناطق المعارضة ومناطق نظام الأسد التي تأن تحت وقع تراجع قيمة الليرة.
وقد حاولت روسيا ونظام الأسد خلال السنوات الفائتة فتح معابر بين المنطقتين وكادت أن تتوصل مع “هيئة تحرير الشام” إلى اتفاقات بفتحها، لكن رفض أهالي المنطقة حال دون ذلك.
والآن وبالنظر إلى جملة التطورات السابقة فإنه يمكننا القول إن المشاهد المتتالية التي يعيشها شمال غربي سوريا عسكريا وسياسيا ستلعب دورا في تحديد شكل المرحلة المقبلة، فإما استمرار للقصف ما يستدعي عملاً عسكرياً أو أن تذهب المنطقة لاتفاق روسي- تركي جديد كالذي وقّع في آذار من العام الفائت، عندما تمكن النظام حينذاك من تثبيت مواقعه العسكرية التي قضمها من المعارضة، أما اليوم فلا معارك واسعة ممكن أن تحدث فالنطاق الجغرافي لدى المعارضة ضيق جدا والجيش التركي يُحيط به من كل جانب، ناهيك عن النازحين الذين يتكدسون في المنطقة، ما يصعّب على النظام وروسيا فتح معركة، ما قد يدفع جميع الأطراف للوصول إلى تفاهم سيحصل النظام الذي يعاني من عقوبات قيصر على مكاسب اقتصادية إذا ما تم فتح معابر مع إدلب وريف حلب.
المصدر: موقع تلفزيون سوريا