يطرح خبر إصابة رأس النظام السوري، بشار الأسد، بكورونا، على معارضيه ومؤيديه، في الآن نفسه، السؤال عن تأثيرات رحيله عن المشهد السوري على مسار الأزمة، وإمكانية حصول تغييرات معينة في هذا المسار، وكيف سيكون شكل المخرج من هذا الوضع.
الأكيد أنّ الأسد أحد أكثر الفاعلين أهمية في هذه الأزمة، وبعيداً عن التأثيرات الإيرانية والروسية، فهو حجر الأساس في النظام السوري القائم، بل هو صانعه إلى حد بعيد، فعلى الرغم من وراثته هذا النظام الذي يعود الفضل في هندسته إلى والده حافظ الأسد، إلاّ أنّه أجرى تغييرات كثيرة في النظام الحالي، وفي بناه الإدارية والأمنية والعسكرية، وفي سلوكه الاقتصادي وعلاقاته الاجتماعية، بعضها كان شكلياً، الغرض منه إمساك الوريث بالحكم، وقد تجلت بتغيير وجوه أمنية وعسكرية، والمحافظة على الهياكل، وبعضها الآخر كان عميقاً، مثل علاقاته بالطبقات والفئات والنخب الاجتماعية، والتي وصلت إلى ذروتها في الحرب، عبر هندسة اجتماعية جديدة، وصولاً إلى المجتمع المتجانس الذي يعتبره الأسد شبكة الأمان لنظامه.
ولكنّ جملة هذه التغييرات التي أوجدها الأسد أفرزت واقعاً متناقضاً، فالأسد، باعتباره رأساً للنظام، بدا قوياً إلى درجة يصعب، إن لم يكن مستحيلاً، إيجاد رأس آخر غيره يستطيع إدارة الأمور في سورية، وقد ظهرت هذه المعادلة في مرحلة الحرب بشكل جلي، إذ أعاد الأسد تصميم النظام قطاعياً وبشكل مؤقت، ووزّع قوّة النظام، بشكل متساو، على مساحة واسعة من المهمات، وبأوزان منخفضة لا تصل إلى حد القدرة على الإدارة العامة للبلاد. وهكذا ظهرت شخصيات مؤثرة في مرحلة الحرب، أمثال سهيل الحسن وغياث دلة وحتى علي مملوك، لكنّ تأثيرها ظلّ ضمن حدودٍ معينة، كما أنّها لا تملك توافقاً عليها داخل النظام، ولا حتى ضمن البيئة المؤيدة للأسد.
في الوقت نفسه، وبمقدار ما كان الأسد قوياً، كان النظام ضعيفاً، نتيجة هندسة الأسد، إذ لا يمكن مقارنة النظام في سورية بالأنظمة الديكتاتورية العسكرية الشبيهة له في العالم، والقادرة على تجديد نفسها في حال غياب الرأس، وهو نظامٌ ضعيفٌ إلى حد التهلهل لعدم قدرته على مواجهة الأزمات التي مرّت عليه في السنوات الأخيرة، نتيجة اشتغال أجزائه بشكل منفصل، وهذا ما يفسّر، إلى حد بعيد، تقاسم روسيا وإيران تلك الأجزاء وتشغيلها لترسيخ هيمنة البلدين في سورية.
وعلى مدار الأعوام السابقة، استهلكت قضية رحيل بشار الأسد أو بقائه في السلطة الجزء الأكبر من جهود المعارضة والمؤيدين، كما انصبّت فاعلية اللاعبين الخارجيين حول هذا الهدف، سواء ضد أو مع. وعلى الرغم من أنّ الأزمة السورية أفرزت أزمات كثيرة، بقي مصير الأسد محور اهتمام جميع الأطراف، والمحرّك الأساسي لنشاط اللاعبين وتشكيل توجهاتهم نحو الأزمة، ما يعني أن غياب الأسد عن المشهد السياسي في سورية سيكون متغيّراً ذا أهمية كبيرة لجميع اللاعبين.
بالنسبة للمعارضة، سيؤدي رحيل الأسد إلى تغيير التركيبة الحالية كلياً، إذ ستذهب أجزاء من المعارضة إلى تغيير شروط الحل، وستعتبر أن رحيل الأسد فرصةٌ يجب اغتنامها، وستطالب بتعديل الموقف من النظام، وستجد تشجيعاً إقليمياً ودولياً في هذا المنحى، ما يعني أنّنا سنكون إزاء معارضةٍ مختلفةٍ، وسينصبّ اهتمامها حول قضايا من نوع إعادة إعمار البلد وترميم النسيج الوطني والحفاظ على الوحدة الجغرافية لسورية.
وبالنسبة للأطراف الخارجية، الداعمة لبشار الأسد، وتحديداً روسيا وإيران، ستجدان نفسيهما في مأزق إيجاد بديلٍ مناسب، يستطيع تحقيق القبول من الأجزاء غير المتماسكة في النظام، وإقناع البيئة المؤيدة بقدرته على الحكم والإدارة في سورية. وهي مهمة صعبة ومستحيلة، إذا تم إجراؤها خارج تطبيق قرار مجلس الأمن رقم 2254 الذي يحدّد شكّل الحكم وطريقة انتقال السلطة وكيفية بناء نظام سياسي جديد يتوافق مع المتغيرات، في حين أنّ روسيا وإيران لا ترغبان بهذا الحل، وتحاولان سحبه إلى حلولٍ من صناعتهما، مثل سوتشي وأستانة. ثم ما مدى إمكانية التوافق بينهما على بديل للأسد، ذلك أيضاً أمرٌ مشكوكٌ به، فطريقة تقاسمهما مؤسسات النظام الأمنية والعسكرية لا توحي باحتمالية حصول توافق حول رأس جديد للنظام في حال غياب الأسد.
ولعلّ الموقف الأكثر أهمية يتمثل بمواقف الأطراف الإقليمية والدولية من الأزمة السورية في حال رحيل الأسد، خصوصاً الولايات المتحدة والغرب ودول الخليج، وهي أطرافٌ كان، وما زال لبعضها، تأثيرات معينة في مسارات الأزمة، كما أنّها الأطراف التي يتم الرهان عليها لإخراج سورية من الأزمة، عبر مساهماتها المالية في إعمار سورية وإنعاش اقتصادها المحطّم الذي فاقت خسائره، حسب أحدث التقديرات، التريليون دولار، الأرجح أن هذه الأطراف، وخصوصا الغرب منها، لم يعد متحمساً للحلّ السوري، إلاّ بمقدار ما يجنّبها تداعيات الأزمة، سيما على صعيد الهجرة واللجوء. وبالتالي من غير المتوقع انخراطها بشكل جدي في الحل، في ظل الأزمات المالية التي تمر بها هذه الأطراف، نتيجة وباء كورونا وتعطّل الاقتصاد العالمي. وينطبق الأمر نفسه على دول الخليج التي لن تستطيع تحمّل فاتورة الإعمار وحدها. وسواء دول الغرب أو الخليج، لن تقدم على ما تعتقده هذه الأطراف إلقاء طوق نجاة لروسيا وإيران من المستنقع السوري.
وربما لهذه الأسباب، يشكل بقاء بشار الأسد مصلحةً لأطراف كثيرة في اللعبة السورية، بعيداً عن تصريحات مسؤوليها وبيانات وزارات خارجيتها، ذلك أنّ بقاءه أقلّ تكلفة من رحيله، ما دام الشعب السوري هو من يدفع أثمان بقاء الأسد حاكماً على خراب سورية، ومشرفاً على ضياع أعمار أبنائها.
المصدر: العربي الجديد