دول عديدة من العالم المتحضر والمتقدم لم تجد حرجًا من الإعلان عن إصابة مواطنيها بفيروس الكورونا، واتخاذها الإجراءات الضرورية لحمايتهم من انتشار الوباء القاتل.
كما لم تتردد شخصيات سياسية ذات مواقع رفيعة، وفي قمة هرم السلطة، من الاعتراف والإعلان بإصابتها، أو خضوعها للحجز لإجراء الفحص الأولي، للتأكد من سلامة حالتها الصحية.
دول عديدة اتخذت إجراءات وقائية عاجلة وصلت إلى إعلان حالة الطوارئ، في بعض دول المعمورة.
وحده نظام دمشق، منفردًا عن باقي دول العالم، يصر على خلو المناطق الخاضعة لسيطرته، من الفيروس الذي اعتبرته منظمة الصحة العالمية جائحة تهدد العالم هي الأخطر منذ الحرب العالمية الثانية، بينما أصدرت مصادر عديدة تقارير موثقة من داخل مناطق النظام وجود مئات الحالات المصابة بالفيروس وصلت المشافي وسجلت حالاتها بأسماء أمراض وإصابات كاذبة بهدف إخفاء حقيقة تفشي المرض عن المواطنين وعن العالم، وذكرت تلك التقارير الموثقة أن العديد من الأطباء اعتقلوا بتهمة تسريب معلومات تؤكد تفشي المرض في سورية.
هذا المثال ليس فريدًا ولا جديدًا، بل مألوف ومعهود، فلقد درج نظام الطغيان الكوني على التعامل مع مثل هذه الحالات والأمور باعتبارها قضايا ” أمن قومي”، وأن إفشاءها ” يوهن من نفسية الأمة ” المشغولة والمسكونة بقضايا “المقاومة والممانعة”، التي لا يجب أن تمنعها عن ذلك إصابة الآلاف، أو عشرات الآلاف، من المواطنين بفيروس صغير، مهما بلغ تحديه وخطورته على الأمن الصحي الوطني.
إنه يحاول، أيضًا، بإخفاء المرض والكذب على الناس داخل وخارج سورية، خلق انطباع للعالم عن سلامة وقوة النظام الصحي في سورية، وتمتع المواطنين بالحماية والملاحظة الدائمتين، وتوفير نظام غذائي قل مثيله في العالم، فضلًا عن ادعاء تمتع السوريين بمستويات عالية من النظافة، والمحافظة على البيئة، وانعدام التلوث.!
كل هذه الأكاذيب قد تنطلي على بعض الناس في الخارج، ولكنها لا تنطلي على الشعب السوري الذي يعرف بحكم التجارب الطويلة، والمريرة، أن هذا النظام يكذب في كل شيء، ويكذب حتى في درجات حرارة الجو كما قال الشاعر الراحل ممدوح عدوان. وهذا الشعب يعرف الآن حقيقة الأوضاع المرة في المناطق الخاضعة لسلطة النظام، ويعلم جيدًا مدى تفشي وانتشار فيروس كورونا، ولا زال بعض المواطنين الشجعان يزودون المنظمات الدولية، الحقوقية والصحية والسياسية، أن هذا النظام لا يهتم ولا يعبأ بصحة مواطنيه ولا بحياتهم. ولماذا يهتم بهم وبحيواتهم، طالما هو الذي يقتلهم بكل أصناف الأسلحة وبأعداد ومعدلات ووتائر قياسية.؟؟
إن نظام الطغيان يعتقد أن من حقه التحكم بمواطنيه، وإدارة شؤون البلاد بالوسيلة والطريقة التي يراها هو مناسبة، بما في ذلك قتلهم، وحرمانهم من حق الحياة الذي منحه الله لهم، وحرّم سلبه منهم، وحرّمه أيضًا البيان العالمي لحقوق الانسان، وميثاق الأمم المتحدة. أما النظام السوري مقتنع – عن حق – أن كل السوريين يعادونه، ولذلك يحكمهم ويتحكم بمصيرهم وشؤونهم، الخاصة والعامة، ولا يتورع عن قتلهم، ما استطاع إلى ذلك سبيلًا، بالتعذيب في المعتقلات، أو القصف بالصواريخ، والطيران، مرورًا بعبقريته الفذة باختراع براميل الموت، والأسلحة الكيماوية والجرثومية، وهي أشد وطأة من فيروس كورونا.!
في العودة إلى قضايا “الأمن القومي” التي تحكم سلوك النظام وتفكيره، بقي إصابة الأسد الأب بالسرطان سرًا من أسرار الأمن القومي الخطيرة لسنوات يتداوله العامة بحرص وخوف، لأن إعلانه وكشفه يعرض بلد (الصمود والتصدي) لتشفي الأعداء، ويعرضه لمخاطر شتى، كيف لا وهو “الأب” و”الزعيم للأبد”، الذي وصل بطغيانه وجبروته إلى مرحلة الربوبية والألوهية، فكيف يمرض أو يتوعك صحيًا من كان في هذا المقام.؟!
في السياق ذاته عانى كثير من الباحثين، في مسائل عديدة، من الحصول على معلومات دقيقة وشفافة، وموثقة بالأرقام والبيانات الرسمية، لأن مؤسسات الحكم والدولة تمتنع عن الإجابة على استفسارات مشروعة تهم أمن البلاد والمواطنين، خوفًا من السلطات الأمنية التي يخضع كل شيء لديها لتفسير “المؤامرة” من مثل: انتشار السرطان بكثافة لافتة في بعض المناطق بعينها، وحال الطب النفسي، وعدد المصابين بهذا النوع من الأمراض وأسبابها، حتى لا نتحدث عن أمور أكثر أهمية وخطورة مثل دفن النفايات النووية في بعض المواقع السورية، والتلوث البيئي، جراء عمل الكسارات والدباغات، والأطعمة الفاسدة، واللحوم المستوردة غير الصالحة للاستهلاك الآدمي، وغير ذلك من مسائل ومشاكل وفضائح تهدد السلامة العامة وتفتك بالبشر.
في الشأن ذاته، كان لافتًا، ومثيرًا للألم والسخرية، أن تغلق معظم دول العالم حدودها أمام حركة تنقل المواطنين والسلع، من وإلى الدول التي ينتشر فيها الوباء بمعدلات عالية، وهو ما فعله النظام السوري، متأخرًا جدًا، لكنه استثنى إيران التي يضربها الوباء شرقًا وغربًا، أفقيًا وعموديًا، وهي إحدى البؤر العالمية للفيروس، لأنها حليفته وحاميته وحسب، ما يعكس مدى خضوعه لها، إلى حد أنه لا يملك من أمره شيئًا، ويعكس إهماله لأي إجراء لحماية بلده وشعبه من عدوى المرض، وانتقاله السريع، على حساب حياة ملايين السوريين.
على كل حال، لا ينقص السوريين من أنواع الموت وأسبابه إلا هذا الوباء العالمي، بعد أن طالهم بكل أشكاله وصنوفه، ولسان حالهم يقول: حرك هذا الوباء العالمي واستنفر كل الدول والهيئات والمنظمات، أما حان وقت تنبه العالم لقاتلنا منذ تسع سنوات، ويستيقظ ضميره لإنقاذ الشعب السوري من طغيان هذا المجرم العالمي الذي يهدد بقاؤه، وسلوكه، مع حلفائه، الأمن والسلم الدوليين ..؟!.