محمد عبد السلام إبراهيم كاتب سوري ينتمي للثورة السورية، رواية حارس الرئيس أول عمل قرأته له. حارس الرئيس رواية أخرى متميزة ترصد واقع الثورة السورية في سنواتها المتعاقبة. لها ميزة عن أغلب الروايات التي كتبت عن الثورة السورية وقرأتها أنها تتابع أحداثها من داخل معسكر النظام السوري، ومن دائرة الرئيس بشار الأسد المباشرة. حيث تعتمد أسلوب السرد بلغة المتكلم على لسان شخصيتها المحورية “علي زين العابدين”، وهو الحارس الشخصي للرئيس السوري…
تبدأ الرواية من نهايتها حيث منولوج داخلي لعلي نفسه وهو يردد كلمة الحرية، يسقط على الأرض وحوله الكثير من الرجال الذين يضربونه بشدّة، ويتهمونه بالخيانة، لا يستطيع أن يدافع عن نفسه. يحاول فتح عينيه ويرى رجلا طويلا جدا ويرى كعب حذائه حيث يضربه على وجهه… كما أن سرد علي غير مضبوط بالتسلسل الزمني. فتارة يتحدث عن طفولته، وبعدها فصل عن الثورة السورية وخطاب الرئيس في مجلس الشعب في بداية الثورة… وهكذا. ونحن هنا سنعتمد على ترتيب الحدث الروائي متسلسلا في الزمن وتطور الاحداث.
علي ابن قرية الشراشير من الساحل السوري، من مواليد ١٩٧٠م. عائلته تعمل بالزراعة، فقيرة، أباه وأمه وإخوته أصرّوا عليه أن يتمم علمه، لعله يؤمّن مستقبلا أفضل من الزراعة التي يعيشون على منتوجها وهي لا تكاد تقدّم لهم حد الكفاف. علي طالب مجدّ في مدرسته، لا يعرف من الدنيا غير قريته، انتقل للدراسة في المرحلة الثانوية في جبلة المدينة الساحلية السورية. وفي طريق انتقال الى جبلة شاهد شاخصة تدل على بلدة القرداحة. يعلم انها بلدة الرئيس حافظ الأسد، كان ذلك مؤشرا نفسيا وعقليا بأنه يستطيع أن يسير في طريق الرئيس نفسه ويكون انسانا عظيما. على الطريق الذي ينتقل في جزء منه مشيا على الأقدام من قريته الى مدينة جبلة، تعرف على زينب الطالبة مثله في مدارس جبلة، احبها واحبته، وتعاهدا على اكمال علمهم وأن يصبحا طبيبين ويتزوجان ويعيشان حياة هنية. تابع علي وزينب دراستهما ونجحا بتفوق في البكالوريا، دخلت زينب كلية الطب، لكن علي لم يستطع فوالده لا يملك ما يقدمه لابنه ليتمم سنوات دراسته. لذلك كان خياره الإجباري أن يدخل سلك الجيش متطوعا في الكلية الحربية، اتفق مع زينب على ذلك.
في الكلية الحربية عاش حياة قاسية جدا من التدريب والنظام والتقشف والتعب والإلتزام والطاعة. وهناك أدرك وهو في الكلية ومن ثم في الجيش أنه يوجد محسوبيات وواسطات ورشاوي مادية ايضا داخل الجيش وفي الكلية. كلها من اجل ان يحصل المتخرج بعد ذلك على موقع مناسب له ضمن الجيش السوري. هناك فرق بين أن تكون في جيش نظامي عادي. أو في الحرس الجمهوري مثلا. علي يحلم ان يكون قريبا من الدائرة الحاكمة في الدولة. مازال يحلم بالسير في طريق حافظ الأسد ابن القرية المجاورة لقريته. ولكن كيف يتحقق ذلك له؟ !. ضمن الواسطات والمحسوبيات الكثيرة المهيمنة. مع ذلك قرر ان يكون متفوقا دائما. كان الأول على دورته في كل السنوات. وفي ذات الوقت كان باسل الأسد الإبن الأكبر للرئيس قد بدأ يظهر كوريث للحكم، فقد أصبح ضابطا بالحرس الجمهوري الذي يرأسه عدنان مخلوف قريبه من جهة أمه انيسة. وفي سنة تخرج علي من الكلية الحربية تم فرزه مع الاوائل وكانوا حوالي المئة ضابط الى الحرس الجمهوري بطلب من باسل الأسد نفسه.
في الحرس الجمهوري اُعيد التدريب مجددا لعلي وبقية الضباط. بقساوة لا يمكن تصورها. التدريب المستمر والإجهاد والنوم القليل الذي لا يتجاوز الساعتين يوميا. كذلك تم ادخالهم بدورة الصاعقة، والحقوا بعدها بدورة الرمي المظلي. لقد عانى علي ومن حوله كثيرا. وتمنى لو انه لم يتورط بهذا الطموح وان يكون قريبا من دائرة السلطة، الرئيس حافظ الأسد ومن حوله. وجدها أقرب للمستحيل أمامها صعوبات لا يمكن تجاوزها. مع ذلك استمر في تدريباته وإصراره على التفوق دوما. وقبل تخريج دورته علي وختامها بالرمي المظلي. مات باسل الأسد بحادث سير على طريق مطار دمشق الدولي في عام ١٩٩٤م. تم جمع كل الدورة وتم تبليغها بالحدث الجلل الذي استقبله الضباط والمتدربين بالبكاء والعويل. وتم تكليفهم ان يكونوا جزء من الفريق الأمني والعسكري الذي سينتقل الى القرداحة حيث سيدفن باسل الأسد هناك. ويكونون من حماية الرئيس حافظ الأسد وعائلته وضيوفه من قادة العرب والعالم الذين سيحضرون لأجل التعزية. وهكذا وجد علي نفسه في قلب دائرة السلطة وقريبا من الرئيس وعائلته. انتقلوا إلى القرداحة. كانوا يحيطون ببشار الأسد الذي حضر على عجل من بريطانيا التي كان يدرس فيها طب العيون. لقد أصبح الوريث البديل عن باسل. حاول الرئيس أن يظهره وأن يقربه منه. كما كان لعلي وبقية ضباط الحرس الجمهوري دور بتأمين الجنازة، واستقبال بشار، الذي حملوه على الأكتاف وبدؤوا بالهتاف له. كان ذلك مؤشرا لاعتماد بشار الأسد الوريث لحكم حافظ الأسد. ومن يومها تعرف بشار الأسد على علي واصطفاه بجواره حارسا له. كان ذلك خارج المألوف في الحرس الجمهوري. حيث السيطرة داخله كانت ل”ذوالهمة شاليش” ابن أخت الرئيس حافظ الأسد والمرافق الأمني له. وعلي ليس من دائرته المحيطة المركزية. التي يهيمن عليها عدد من الضباط وعلاقاتهم وامتداداتها العائلية والمصلحية. مع ذلك أصبح علي قريبا من بشار الأسد منذ ما قبل وفاة حافظ الأسد. كان بشار بحاجة لخلق شبكة امنية منتمية له هو وليس امتدادا لأمن والده. وكان علي مخولا لذلك. غير أن متغيرا حصل في حياة علي جعله يتفرغ بالمطلق ليكون في خدمة بشار الأسد قبل أن يصبح رئيسا وبعد ذلك. لقد مرضت حبيبته زينب بالسرطان وعانت كثيرا وماتت. ومن يومها قرر علي أن يندر حياته لخدمة بشار الأسد. فلا طموح عائلي لديه ولا يريد الزواج وتكوين اسرة، بقي يهتم بوالده ووالدته. ووفيا لذكرى حبيبته زينب ولم يقترب من عالم النساء ابدا.
انتقل علي للتحدث عن بداية الربيع السوري وأطفال درعا وكتابتهم على حيطان مدارسهم، شعارات ضد النظام وتطالب برحيله. كان علي قد أصبح يحمل رتبة عقيد في الحرس الجمهوري وهو المسؤول المباشر عن أمن الرئيس بشار والعلاقة بينهما لحظية، يومية، ودودة، فيها بعض تعاطف وصداقة. كان علي يحب بشار الأسد ويناقشه في كثير من قراراته. وكان بشار الأسد يتحمل ما يقوله علي وفي النهاية ينفذ علي المطلوب منه بتفاني وانتماء للرئيس بشكل مطلق.
في مواجهة التظاهرات والمطالب وما فعله عاطف نجيب مسؤول الأمن في درعا، قريب الرئيس كان رأي علي أن يستقبل الرئيس وجهاء درعا ويطيّب خاطرهم وأن ينقل عاطف من موقعه ويؤنبه. لكن بشار الأسد اعتبر ذلك تنازلا لا يمكن أن يقبل به. ولن يسمح لأي تصرف يُظهر تمردا على سلطته ويتعامل معها بالقسوة المطلوبة. كان يثق بقوته الامنية والعسكرية، وخبرة والده السابقة منذ أحداث الثمانينات من القرن الماضي حيث قتل عشرات الآلاف من الناس ودمر بعض الأحياء السكنية خاصة في مدينة حياة. وجعل الشعب يستكين ويستسلم. لكن واقع الحال في ثورة الشعب السوري عام ٢٠١١م. كان مختلف، حيث العنف الذي قام به النظام في درعا بحق الأطفال وعائلاتهم و وجهاء درعا والإذلال والإساءة جعل شعلة التظاهر والثورة تنتقل لتصل الى كل سورية في وقت قياسي.
كان لا بد أن يظهر بشار الاسد الى وسائل الاعلام ويقول ماعنده. لقد التقى بالقيادات الامنية والعسكرية واركان العائلة بما فيهم والدته انيسة مخلوف وصهره آصف شوكت رئيس الاستخبارات العسكرية وأخيه ماهر رئيس الحرس الجمهوري، وقرر ان يواجه هذا الحراك الذي صعّد موقفه. وأصبح يطالب بإسقاط النظام. وهذا يعني إسقاط بشار الأسد شخصيا. وأنه لن يقبل وسيواجه هذا التحرك باعلى درجة من العنف تميته في مهده. كان رأي علي الذي قاله للرئيس بشار وقتها، انه عليه ان يستجيب لبعض مطالب الناس وأن يهدئ من روعهم. لكن بشار الأسد اعلن الحرب على الشعب في خطابه في مجلس الشعب في ٣٠- ٣- ٢٠١١م. يعني في الأسابيع الاولى للتظاهرات السلمية المطالبة بالإصلاح والتغيير.
بدأ الأمن بالتعامل العنفي مع التظاهرات السلمية بالعصي والشبيحة والسلاح الأبيض. ثم تم اعتماد اطلاق النار الحي على المتظاهرين وبدأ يسقط الشهداء. وبدأت تتوسع دائرة التظاهر ويزداد عددها وعديدها بزيادة القتل والقمع والاعتقال، واجه النظام كل ذلك بمزيد من القوة والعنف، إلى أن وصل الى قرار إنزال الجيش في مواجهة الناس. وبدأ يجتاح البلدات والأحياء والمدن.
يتحدث علي عن اختلاف الدائرة المقربة من الرئيس بين بعضهم في كيفية مواجهة تطور الأحداث. بشار الأسد يخشى ان ينقلب عليه بعض قيادات الأمن والجيش، خاصة صهره زوج أخته آصف شوكت. الذي كان مع الحل الأمني لكنه لم يقبل بالتدخل الكثيف للإيرانيين. كما كان يتصرف وكأنه ند محتمل لبشار الأسد نفسه. مما جعل بشار الاسد يعتمد على علي وفريقه الامني ليخططوا لقتل خلية الازمة التي شكلت من اجل ادارة الحرب على الثورة السورية. بعد تصفية آصف شوكت وبعض القادة الآخرين معه. أصبح بشار الأسد أكثر راحة في تصرفه. لقد بقي بجواره نخبة الضباط الأمنيين والعسكريين المنتمين له بالمطلق. ومع ذلك لم ينتهي التظاهر وتحول بعض المتظاهرين الى ثوار وجيش حر واصبح هناك بلدات ومدن وأحياء محررة. وأصبح النظام في خطر. هاهي داريا وبلدات في الغوطة الشرقية قد خرجت عن سيطرة النظام. وكذلك في حمص وبقية المدن السورية. كان للاستعانة بإيران وحزب الله وإطلاق يدهم في سورية دور في زيادة الضحايا وتدمير البلد، وزاد الأمر سوءا استدعاء الدعم الروسي من الجو الذي اعتمد نظرية الأرض المحروقة، وكانت النتيجة قتل وتهجير للناس في أغلب سورية وتدمير للبلاد. وفي كل مرة يحاول علي إظهار اختلافه مع ما يحصل يكون جواب الرئيس له إن ذلك ثمنا يجب ان يدفعه الناس الذين تمردوا على سلطة النظام. اجهزته الامنية قالت لنقتل مليون سوري لا مشكلة. وآخر قال سورية يكفيها خمسة ملايين مخلصين. وهكذا صار.
يستعيد علي وقائع الثورة عبر استدعاءات المعتقلين أو زيارات لمواقع التظاهر. ويكتشف أن الرئيس مشغول في أهوائه الجنسية مع عشيقاته. وأوهام القوة ، وأن حلفائه ينصروه ولم يبقى في نفسه. الا تطبيق الشعار الذي أعلن بإرادته: الأسد او نحرق البلد …
تحدث علي عن نماذج المظاهرات المليونية في المدن السورية. حيث تحدث عن تظاهرات حماة وولادة ظاهرة القاشوش مطرب الثورة السورية. الذي وصل اليه الأمن وقتله واستأصل حنجرته التي كانت تشدو للثورة.
كذلك تحدث عن ظاهرة الضباط المنشقين عبر لقاء في المعتقل مع الضابط المنشق حسين هرموش بعد استعادته للمعتقل في سورية قبل قتله. وعبر حوار بينهما. وكيف قدم حسين هرموش مرافعة عن الثورة السورية وشرعيتها واجرام النظام وضرورة الثورة عليه.
كذلك تحدث عن مقابلة معتقلة في احد معتقلات دمشق لاحد الفروع الامنية. كنموذج عن كل الفروع الامنية في سورية، تحدثوا عن القتل والتعذيب واغتصاب النساء والرجال. وتقطيع الاطراف والتعذيب بكل الوسائل والأساليب. وتراكم الجثث والموت اللحظي دون اي رقيب او محاسبة.
كما تحدث عن سجن صيدنايا حيث زاره واكتشف فيه مسلخا بشريا لناشطي الثورة الذين يتركون هناك تحت رحمة الاجهزة الامنية لتقتلهم بتعذيب مستمر.
كما التقى بناجين من من داريا حيث حدثوه عن الحراك السلمي لهذه البلدة وتكاتفها. واستقبال الأمن والجيش بالورود. وكيف اعتقل الكثير وقتلوا. وكيف تشكل الجيش الحر فيها وحمت نفسها. ومنعت دخول الجيش والامن لها. كان ذلك بعد أول دخول للجيش لها وحصول مذابح ومجازر في جوامعها وبيوتاتها. كان مجموع المقتولين أغلبهم من النساء والأطفال، ما يصل لألف إنسان تقريبا.
كذلك تحدث له احد الناجين من مجزرة الحولة ودير الزور كيف حصلت التظاهرات فيها وبداية المواجهات مع النظام وتشكيل الجيش الحر والمجازر بحق أهلها…
كذلك كل سورية….
يتحدث علي عن قصف من داريا على القصر الجمهوري في قصر الشعب على قمة الجبال المحاذية لجبل قاسيون. وعدم اصابة الاسد الذي تملكه الذعر والخوف، كان رده ان يجب ان تمحى داريا واهلها من الوجود.
كذلك وقوع محاولة اغتيال بشار الأسد في قصر تشرين في اللاذقية، تلقى علي عنه الرصاصات، منها علي ذاته كان المطلق أحد الضباط من الحرس الجمهوري ذاته. حيث فعل ذلك بأمر من بشرى الأسد، التي كانت غادرت سورية الى دبي بعد اغتيال زوجها واتهام اخوها بشار بقتله. كان ولاء الضابط لآصف شوكت. وذلك انتقاما من اخوها بشار لكونه هو من امر بقتل زوجها. قُتل ذلك الضابط وتعالج علي من اصابته بكتفه…
كان لتراكم كل ذلك في نفس علي أن اكتشف أن ولاؤه وحبه لبشار الأسد ليس صحيحا. وان بشار الأسد مجرم وقاتل، قتل الشعب ودمر البلد واستدعى المحتلين الروس والايرانيين والمرتزقة حزب الله وغيره.
قرر علي أن يصارح الرئيس بكل ما شاهد وعايش لعله يغير وينظف السلطة ويعالج ما يمكن علاجه من أمر البلد. حاول وتحدث إلى الرئيس بشار الذي رفض الاستجابة. واجه الرئيس علي انه مجرد حامي له وعليه أن يقبل كل ما يريد وما يُؤمر به. ثم أخبره أنه سيرفع رتبة ومن ثم يسرّح من خدمته. لقد اكتشف علي ان علاقته بالرئيس ليست الا كونه أحد أدوات حكمه وحمايته. كما كل اجهزة الدولة بالنسبة له. ولذلك عندما انتهى دوره تخلى عنه. وكان من الممكن قتله كما قتل خلية الازمة. لقد فجع علي. مع ذلك قرر أن يتسرح من الخدمة عند الرئيس ويذهب الى قريته ويعيش بالقرب من قبر حبيبته زينب يناجيها همومه وخيباته.
كانت آخر مهمات علي الأمنية وهي تأمين الحماية للرئيس الذي قرر أن يرمم احد جوامع داريا الخالية من اهلها. ليصلي فيها. انتقاما وتحديا. كذلك تأمين حماية إلقاء الرئيس خطابا في دار الأوبرا في دمشق، يتحدث به عن ما حصل في سورية. يحمل مسؤولية قتل الناس وتهجيرهم وتدمير البلد للإرهابيين. ناسبا كل ما فعله هو جيشه وامنه والقوى التي استعان بها إلى اعداء مفترضين هم الشعب ذاته. ويعلن انتصاره على الارهاب. وبالفعل حصل ذلك. وأثناء إلقاء كلمته لم يحتمل علي كل ما سمعه من الرئيس إضافة ليأسه من أي حل. سحب مسدسه وأطلق رصاصتين على الرئيس وهو يصرخ كاذب. وسرعان ما تم مواجهته وضربه وتم إلقائه على الأرض، سحق وسحل، وفي آخر لحظة وعي عنده رأى ارجل طويلا يضربه بقدمه ويشاهد قفى حذائه ويضربه على وجهه .
هنا تنتهي الرواية.
في قراءة الرواية نقول:
نحن أمام رواية اخرى عن الثورة السورية. أراد كاتبها أن ينظر لما حصل في سورية من خلال عين وعقل النظام ذاته. عبر اختلاق شخصية علي زين العابدين، وأن يتم السرد من خلاله. لندخل من خلال الرواية إلى المطبخ الداخلي للنظام وآلية ممارسته لسلطته. إضافة لبنيته الأمنية والعسكرية. وحول هذه النقطة هناك نقص مهم في الرواية لتكتمل في صديقتها في الحديث عن بنية السلطة الأمنية والعسكرية للنظام. وهي عدم الاشارة الى الانتماء الطائفي لاغلب القادة والمتنفذين و الضباط والجنود والأمن الذين ينتمون في أغلبهم إلى الطائفة العلوية. وان ذلك تم عبر عقود تصل إلى اربعين سنة ويزيد في بداية الثورة السورية. صحيح أن الرواية أوضحت ضمنا الهيمنة العائلية والواسطات والارتباطات المصلحية في اجهزة السلطة الامنية والعسكرية المتنفذة. لكن عمودها الفقري الأساسي لنفهم وجودها والية عملها واستمراريتها وخلق التبعية والتخويف والتخوين والولاء والانتماء والمصلحية… كلها تعتمد على العصب الطائفي العلوي الذي استثمره حافظ الاسد اولا ثم ابنه بعده. هذا مع توضيح موقفنا المبدئي ضد الطائفية في النظر لقضيتنا السورية. لكننا نتحدث عن واقع ووقائع وتصرف للنظام اعتمد الطائفية والولاء من خلالها متراكبة مع مصلحية مقيتة. عماد أساسي لسلطته عبر عقود. وهذا لا يلغي ان هناك كثيرين من ناشطي الثورة السورية من الطائفة العلوية. وهم تأكيد نموذجي على أن فعل النظام يعتمد على توظيف الطائفة وولاءات ناسها لمصلحته. لكن بالقطع هي ضد الشعب السوري وكل مكوناته بما فيها الطائفة العلوية ذاتها. فليس من مصلحة الشعب السوري ولا من مصلحة العلويين ان نكون كلنا وقود حرب أهلية تخدم النظام المستبد المجرم من جهة. أو أي دعوة طائفية او دينية داعشية من جهة أخرى.
لا نستطيع الجزم بأن ما قيل حول بعض أحداث الرواية هل هو اختراع روائي أم هو أقرب لما حصل فعلا. وبكل الأحوال. ما قالته الرواية في جانبه العام حول الثورة السورية وتصرف النظام. هو أقرب للحقيقة بنسبة كبيرة جدا.
نجحت الرواية بخلق حالة اقتراب من عقل النظام وسلوكه وواقع أفعاله ومبرراته بحيث قتل ما يزيد عن مليون إنسان سوري واعتقل ونكّل وعذب اكثر من مليون وتم تهجير أكثر من نصف الشعب السوري حوالي ١٢ مليون انسان داخل سورية وخارجها. دمر النظام وحلفاؤه أكثر من نصف سورية.
كما نجحت الرواية في سرد واقع حال الشعب وثواره بنماذجها التي سردت واقع الثورة في أغلب بلدات ومدن سورية.
سورية الآن تحت احتلالات عدة؛ الروس والايرانيين والمرتزقة الطائفيين حزب الله وأمثاله. والانفصاليين الأكراد ال ب ي د أنصار حزب العمال الكردستاني وهم تحت الحماية الامريكية. كذلك الناس المهجرين داخلا يعيشون جحيم الحياة والفاقة والنقص على كل المستويات. كذلك اهلنا الباقين تحت حكم النظام. يعيشون زيادة على القمع والبطش والخوف. فاقة ونقصا في أسباب الحياة.
ها هي سورية التي حكمها النظام المستبد المجرم والتي جعلها ضحية تحتاج لعشرات السنين لتسترد عافيتها. هذا ان حصل توافق دولي يظهر أنه بعيد المنال…
ليس للسوريين غير الله وعملهم المتواصل من أجل استرداد حريتهم وكرامتهم وحقهم بالعدل والديمقراطية.. وقبل كل ذلك استردادهم لوطنهم الذي تنهبه أطراف كثيرة…