أيام وندخل في السنة الحادية عشرة للثورة السورية / ثورة الحرية والكرامة، حيث تُتم الثورة عامها العاشر، وتلج في عام جديد، وكل عيون الشعب السوري مازالت شاخصة وصولًا إلى الغاية التي خرجت من أجلها جموع السوريين أواسط شهر آذار/ مارس 2011، من خلال وعي مطابق للواقع، استفاد من أزهار الربيع العربي الذي ساهم في شحذ الهمم، وإقناع الناس أنه قد آن الأوان لإنجاز ما مُنعوا من إنجازه عبر سنوات تجاوزت الأربعين عامًا أو يزيد، ومن ثم كسر حاجز الخوف الذي أضحى ثاو في مخيال السوريين، بعد أن ساهم نظام الأسد /الأب وبعده الابن، في قمع وكبت أية محاولات جدية لإزاحة الطغيان الواقع على كاهل الناس في جل الحالة السورية، منذ أن اعتلى الحكم آل الأسد وبشكل مباشر صبيحة 16 تشرين ثاني/ نوفمبر 1970، وخطفوا الوطن ليكون رهينة في أيدي عصابات (الهاغانا الأسدية)، وسرقة خيرات الوطن، ونهب كل اقتصاده، وإلغاء السياسة من المجتمع السوري، وربط سورية بدور وظيفي يلعبه حافظ الأسد، ثم يسلمه لابنه الوريث، وليباركه الأميركان بزيارة تعويمية قامت بها وزيرة الخارجية الأميركية (مادلين اولبرايت)، لتطمئن على أن الأمور مازالت بأيدي أمينة، وأن أمن إسرائيل ما برح مصانًا، على يد نظام الأسد الذي قام بحرب (تحريكية)، كادت أن تكون تحريرية، لولا خطط حافظ الأسد الذي لم يعمل يومًا إلا من أجل عصابته وخدمة للدولة الأمنية الطائفية، ومن أجل البقاء على رمل سورية، وليقوم بالدور المناط به إقليميًا، حيث عمل تفتيتًا وتشظيًا في الورقة الفلسطينية، كما عمل أكثر من ذلك في الحالة اللبنانية، ومثلها العراقية، بالتحالف مع دولة الملالي الإيرانية، ومشروعها الإمبراطوري الفارسي الطائفي للمنطقة برمتها.
بينما تلج الثورة السورية عامها الحادي عشر، فإنها وبالرغم من كل ما اعتراها من نكسات وترهلات وتخرصات، فهي ومع وعي سوري عام مازالت أكثر إصرارًا على تجاوز كل العثرات التي باتت تؤرق السوريين، وتسهم في تيئيس البعض منهم، ضمن سياقات إقليمية ودولية منشغلة بمصالحها، دون إيلاء الاهتمام الكافي للمسألة السورية، بل ترك الحالة السورية متاحة يعبث بها عدوين اثنين يمارسان كل أنواع التغول والاحتلال وهما الروس والإيرانيين، بأطماعهم التي لم تعد تخفى على أحد، ومازالت سياسات المشاريع الإيرانية والمصالح الروسية تصنع واقعًا سوريًا غاية في البؤس والقمع، وحالة من العوز الاقتصادي، ليكون الهم اليومي لدى السوريين هو تأمين لقمة العيش فقط ، إن استطاعوا تأمينها، بعد أن مارس النظام ومعه حلفاءه في النهب والتأجير والاستثمار إلى آجال مديدة.
حتى راح “برنامج الأغذية العالمي” التابع للأمم المتحدة، يعلن، أن 12.4 مليون سوري، أي ما يقارب نحو 60 في المئة من السكان يعانون من انعدام الأمن الغذائي. ثم يقول “برنامج الأغذية” في تقرير: إن هذه الأرقام مثيرة للقلق، موضحاً أنه ما يزيد على العام، أصبح 4.5 ملايين سوري إضافي يعانون من انعدام الأمن الغذائي. وبحسب التقرير فإنه على مدار العام الفائت، ارتفعت أسعار المواد الغذائية في جميع أرجاء سورية، وزادت أسعار المواد الأساسية بنسبة 236 في المئة، كما انخفضت قيمة الليرة السورية، حيث ارتفع سعر الزيت من 1000 ليرة سورية في كانون الثاني 2020 إلى 5000 ليرة سورية في كانون الثاني 2021.
ونعرف جميعًا أن الليرة السورية التي باتت متجاوزة عتبة ال 4000 مقابل الدولار الواحد، برقم قياسي لم يمر به الوطن السوري، منذ تأسيسه، ومازالت الليرة السورية مرشحة الى مزيد من فقد قيمتها خلال الأيام والأشهر القادمة.
لكن ورغم كل هذا المآل الذي أوصل نظام الفاشيست الأسدي الوطن إليه، وغم واقع المرارة الذي يعيشه السوريون في كل المناطق، وحالات التخلي المعولم عن ثورته من قبل الغادي والصادي، بقي الشعب السوري على إصراره واستمراره في تحقيق غاية الثورة السورية، وهي ما انفكت مسألة معايشة وحقيقية لدى الشعب السوري، ومازال أكثر إصرارًا على المضي في طريق الحرية والكرامة، حتى لو تخلى عنه العالم أجمع.
تعاني الثورة السورية اليوم الكثير من أخطاء أطياف معارضتها أولاً ومن أصدقائها ثانياً، لكن الوعي بإمكانية التغيير لم تزل مسألة حياة أو موت، ولا تنازل عن أي من أهداف الثورة في التغيير، وهذا ليس أحلامًا ولا شعارات، بقدر ما هو عزيمة ووعي منطقي وواقعي، إذ لا يمكن التخلي عن كل ما عاناه السوريون والخسائر البشرية السورية التي تجاوزت المليون شهيد، ودمار البنية التحتية وقد فاق ما نسبته 65 بالمئة حسب تقديرات أممية، وتهجير قسري طال أكثر من نصف الشعب السوري، واعتقالات متواصلة لخيرة أبناء سورية، تجاوزت ال 500 ألف مواطن سوري.
ولعل إدراك ووعي الشعب السوري بأهمية امتلاك إرادته بنفسه وإصراره على إنجاز قيم وأهداف الثورة يشير إلى وجود إيمان قوي بالله أولاً، وبنفسه الثائرة ثانيًا، غم كل ما يدور من حوله، ولعل العام الحادي عشر لثورة السوريين تنتج متغيرات جديدة ما برح هذا السوري المصمم، يحلم بها ويعمل على أنساقها بجدية لا مثيل لها عبر لتاريخ الحديث لشعوب المنطقة.