وسط أجواء إقليمية ودولية ملبّدة، تشهد القواعد والمطارات العسكرية السورية ارتفاعاً في حدة التجاذبات حولها بين روسيا من جهة وإيران من جهة ثانية. ويبدو أن التنافس على مطار “التيفور” العسكري قد حسم لمصلحة الأخيرة في ظل أنباء عن قيام روسيا بسحب قواتها ومعداتها من المطار بعد أن فشلت في إقناع الجانب الإيراني بإخلائه لتفادي الضربات الإسرائيلية.
ويشهد مطار التيفور الذي يعرف أيضاً باسم مطار التياس نسبة إلى القرية التي يقع قربها على بعد 60 كيلومتراً شرق مدينة تدمر، حركة إخلاء واسعة للقوات الروسية منذ بضعة أيام بلغت ذروتها يوم أمس الثلثاء. وقالت شبكة عين الفرات المحلية أن القوات الروسية قد استكملت عملية انسحابها من المطار، مشيرة إلى أن الأرتال المنسحبة اتجهت نحو مطار تدمر ومستودعات مهين العسكرية. وشوهدت قافلة مكونة من 16 شاحنة محملة بمعدات لوجستية وذخائر وأسلحة ثقيلة إضافة إلى سبع عربات عسكرية وأربع ناقلات جند تدخل مطار تدمر العسكري بعد ظهر أمس عبر الطريق الشرقي. وسبق ذلك قيام روسيا بإخلاء عدد كبير من عناصرها من المطار نحو معمل الغاز الواقع على طريق تدمر – حمص ومستودعات مهين في الريف الجنوبي الشرقي.
ويأتي الانسحاب الروسي بعد معلومات تحدثت عن رفض الميليشيات الإيرانية لأوامر روسية بالانسحاب من المطار، ما تسبب بحدوث خلاف بين الطرفين. وذكرت تقارير إعلامية قبل حوالى أسبوعين أن قاعدة حميميم الروسية طلبت من الميليشيات الإيرانية المتواجدة في مطار التيفور إخلاءه من عناصرها وآلياتها بذريعة تجنيبه الغارات الإسرائيلية التي تلاحق نقاط انتشار هذه الميليشيات على الأراضي السورية، لكن الميليشيات لم تكتفِ برفض الطلب الروسي، بل اعتبرت نفسها أحق بالبقاء في المطار لأنها تمركزت فيه قبل القوات الروسية، لافتة إلى أن على روسيا الانسحاب من المطار إذا كانت تخشى من الغارات الإسرائيلية.
وبحسب ضباط منشقين عن الجيش السوري، فإن مطار التيفور منقسم عملياً بين روسيا وإيران، والأخيرة لديها سرب من الطائرات المسيّرة بداخله، إلى جانب أن المطار يشكل محطة إمداد متقدمة للميليشيات الإيرانية على الطريق الذي يصل العراق بدمشق.
وكان من المستبعد أن ترضخ إيران للطلب الروسي بالانسحاب من مطار التيفور نظراً لما يمثله الأخير من أهمية استراتيجية بالنسبة إلى إيران لا سيما بخصوص نقل الأسلحة إلى سوريا ومواصلة إمداد ميليشياتها.
وعمدت الميليشيات الإيرانية في الآونة الأخيرة إلى تعزيز مواقعها داخل المطار وفي نقطة الرادار الواقعة قرب قرية خربة التياس المحاذية للمطار، كما زادت من مستوى انتشارها وتواجدها في مدينة تدمر وفق خطة لضمان سلامة الطريق من طهران إلى بيروت والذي يعتبر طريق تدمر – حمص الجزء الأهم والأخطر فيه.
ويعني انسحاب القوات الروسية أن المطار سيبقى تحت هيمنة الميليشيات الإيرانية، الأمر الذي يثير خشية من أن يشكل دافعاً لدى تل أبيب لرفع وتيرة استهدافه بعد اطمئنانها لخلوه من الجانب الروسي.
ووقعت آخر الغارات الإسرائيلية على المطار في شهر أيلول (سبتمبر) الماضي، واقتصرت الخسائر على الماديات بحسب ما أعلنت وكالة الأنباء السورية “سانا” الرسمية في حينه. لكن المطار سبق أن تعرض لغارات أقوى من ذلك أسفرت عن مقتل عناصر من الميليشيات الإيرانية وتدمير مستودعات أسلحة وأجهزة رادار.
واللافت أن إخلاء مطار التيفور تزامن مع تحركات مريبة شهدها مطار حماة العسكري، حيث ذكرت مواقع سورية محلية أن روسيا قامت بتفكيك “غرفة عمليات تحرير إدلب” التي كانت تتخذ من مطار حماة العسكري مقراً لها، وأنها أجبرت بعض المجموعات التابعة لإيران على الانسحاب من المطار.
وتشكلت غرفة تحرير إدلب بموجب اتفاق إيراني – روسي في تاريخ سابق، ونص الاتفاق على السماح لأربع جماعات تابعة لإيران بالتواجد في مطار حماة العسكري. لكن روسيا أنهت العمل بهذا الاتفاق وأقصت الجماعات الإيرانية من المطار، بل ذكر موقع “أورينت نيوز” أن روسيا اعتقلت بعض قادة هذه الجماعات بتهمة التجسس وتسريب إحداثيات ومعلومات لإسرائيل. وأضاف الموقع أنّ من بين القادة الذين تمت إحالتهم للتحقيق، أسامة العك واسماعيل زيدان، وهما قياديان في “لواء القدس” الإيراني، كما تمت إحالة المدعو إبراهيم خلايلي، القيادي في ميليشيات “الباقر” إلى التحقيق أيضاً إلى جانب قادة آخرين.
المصدر: النهار العربي