في 7 شباط/فبراير، صرّح المرشد الأعلى علي خامنئي أن إيران لن تقيّد برنامجها النووي مرة أخرى بالامتثال لالتزامات «خطة العمل الشاملة المشتركة» ما لم “ترفع أمريكا كافة العقوبات”. ومن خلال ذكره الشروط الأولية التي يعرف أن واشنطن لن تلبيها حالياً، يشير المرشد الأعلى مرة أخرى إلى عدم اهتمامه بالعودة إلى الامتثال الكامل للإتفاق النووي – على الأقل قبل مغادرة الرئيس روحاني لمنصبه في آب/أغسطس.
في إحدى خطاباته القليلة التي يلقيها بشكل مباشر منذ بدء جائحة فيروس كورونا، صرّح المرشد الأعلى علي خامنئي في 7 شباط/فبراير أن إيران لن تقيّد برنامجها النووي مرة أخرى بالامتثال لالتزامات «خطة العمل الشاملة المشتركة» ما لم “ترفع أمريكا كافة العقوبات”. ومتوجهاً إلى مجموعة من قادة القوات الجوية، أعرب عن موقفه بعبارات واضحة وحازمة: “إذا أرادوا من إيران العودة إلى التزاماتها بموجب «خطة العمل الشاملة المشتركة»، فعلى أمريكا أن ترفع جميع العقوبات، على أن يكون ذلك عملياً وليس بالكلمات. ثم نتحقق من ذلك ونرى ما إذا تم رفع العقوبات بشكل صحيح قبل أن نعود إلى التزامات «خطة العمل الشاملة المشتركة» … هذه هي سياسة الجمهورية الإسلامية النهائية والتي لا رجعة فيها، وهي مسألة إجماع بين مسؤولي الدولة”. وردّ أيضاً على الملاحظات التي أدلى بها الرئيس الأمريكي بايدن لشبكة “سي بي إس نيوز” في 8 شباط/فبراير: “ليس للأمريكيين والأوروبيين الحق في إلزام [إيران] ووضع شروط عليها بسبب انتهاكهم لالتزامات «خطة العمل الشاملة المشتركة». الجهة الذي يجب أن تضع الشروط بشكل صحيح هي الجمهورية الإسلامية، لأنها ملتزمة بـ [«خطة العمل الشاملة المشتركة»].”
وأُلقي الخطاب في الذكرى الثانية والأربعين للحظة بارزة في ثورة 1979، وهي انشقاق ضباط في القوات الجوية، وغيرهم من العسكريين البارزين وانضمامهم إلى جانب آية الله روح الله الخميني، في خطوة كانت أساسية في سقوط حكومة الشاه. وقارن خامنئي هذا التطور بالوضع النووي الحالي. وألقى باللوم على إدارة كارتر بسبب “سوء تقديرها الغريب في ذلك الوقت في تقييم وضع البلاد والشعب”، وشدّد على نقطتين: (1) أن الولايات المتحدة لم تتوقف أبداً عن القيام بحسابات خاطئة كبيرة بشأن إيران خلال العقود الأربعة منذ ذلك الحين، و(2) أن هذه الحسابات الخاطئة لم تقتصر على إدارات الحزب الجمهوري، بل شملت الحزب الديمقراطي أيضاً.
ومن ثم قدّم خامنئي “دليلاً” تاريخياً على استمرارية التعثر الأمريكي المفترض. وفي إشارة إلى احتجاجات “الحركة الخضراء” التي أعقبت الانتخابات الرئاسية المزوّرة في إيران عام 2009، قال “كان أحد الأمثلة على مثل هذه الحسابات الخاطئة في الفتنة عام 2009، عندما تخيّل الرئيس الديمقراطي الأمريكي [أن بإمكانه] إنهاء [الجمهورية الإسلامية] من خلال دعم الفتنة رسمياً”. كما قلل من شأن “العقوبات غير المسبوقة الرامية إلى شل إيران” في السنوات الأخيرة، ثم أشار إلى توقعات بتغيير النظام كان جون بولتون قد أدلى بها في تموز/يوليو 2017 قبل أشهر قليلة من تعيينه مستشاراً للأمن القومي في إدارة الرئيس ترامب: “قبل عدة سنوات، قال أحد هؤلاء الأغبياء من الدرجة الأولى «سنحتفل بليلة رأس السنة الجديدة 2019 في طهران». وقد أصبح الآن هذا الشخص في مزبلة التاريخ وتم طرد رئيسه من البيت الأبيض بركلات بينما لا تزال الجمهورية الإسلامية تقف بفخر بفضل النعمة الإلهية”.
بالإضافة إلى ذلك، نصح المرشد الأعلى المسؤولين الإيرانيين بألا يخافوا من “قوة العدو”، مخصصاً “أولئك الذين لديهم تقييمات غير واقعية حول قدرات أمريكا” وبعض الدول الأخرى. وفي رأيه، تشير “التطورات الفاضحة الأخيرة” في الولايات المتحدة بوضوح إلى “تراجع مصداقية أمريكا وقوتها ونظامها الاجتماعي”.
ومن خلال رفضه القاطع لعودة إيران إلى التزامات «خطة العمل الشاملة المشتركة» قبل أن ترفع الولايات المتحدة العقوبات “بالكامل”، قد يفاجئ خامنئي أولئك المراقبين المتفائلين الذين توقعوا منه أن يرحب باستبدال ترامب بالرئيس بايدن، الذي تعهد سابقاً بالعودة إلى الاتفاق النووي. وكان الرئيس حسن روحاني قد زرع بذور الأمل بتغيير طهران موقفها تجاه واشنطن والبدء بجولة جديدة من المفاوضات، لا سيما بعد تصريحاته في 11 تشرين الثاني/نوفمبر حين قال: “إيران ترحب بكل فرصة لرفع العقوبات الأمريكية… نعتقد أن البيئة أصبحت أكثر مناسبة لتوثيق العلاقات والتفاعلات [مع الولايات المتحدة]. وكانت المشكلة مع الإدارة المنتهية ولايتها… هي افتقارها إلى المعرفة الضرورية بالسياسات الدولية. [فإدارة ترامب] كانت تنفّذ بشكل شبه كامل آراء المتشددين في أمريكا والنظام الصهيوني”. كما أعرب روحاني عن أمله في أن تعمل إدارة بايدن على تقليص الخلافات بين مواقف البلدين من خلال الاقتراب من الموقف الإيراني.
التداعيات على السياسة الإيرانية والأمريكية
يمكن تفسير قرار خامنئي بوضع شروط مسبقة غير مجدية لعودة إيران إلى الامتثال لـ «خطة العمل الشاملة المشتركة» جزئياً إلى تردده في السماح بإحراز تقدّم كبير في العلاقات الثنائية قبل انتهاء ولاية روحاني في آب/أغسطس. وتتماشى طريقة التفكير هذه مع الجهود التي يبذلها منذ فترة طويلة لإبقاء المؤسسات الديمقراطية في البلاد ضعيفة، وإحكام سيطرته على القادة المنتخبين، وتجنّب تجاوز اجتماعي-اقتصادي غربي أوسع نطاقاً يعتبر أنه يمثل التهديد الأكبر لنظامه. وتحقيقاً لهذه الغاية، لطالما أعرب عن عدم رضاه وعدم ثقته بفريق السياسة الخارجية لروحاني بشكل عام ومفاوضيه النوويين بشكل خاص.
وعلى صعيد السياسة الخارجية، عبّر خامنئي مؤخراً عن عدم ثقته بروحاني من خلال إرساله رئيس مجلس النواب محمد باقر قاليباف إلى موسكو كمبعوثه الخاص في وقت سابق من هذا الشهر من أجل تسليم رسالة سرية إلى الرئيس فلاديمير بوتين. وعلى الرغم من رفض بوتين لقاء قاليباف، إلا أن هذه الخطوة خدمت مع ذلك أحد أهداف خامنئي الرئيسية، وهي تشويه سمعة الرئيس الإيراني الذي ستنتهي ولايته ورئيسها المقبل المحتمل. فروحاني غير مؤهل لولاية أخرى في انتخابات حزيران/يونيو، وإذا خاض قاليباف الانتخابات وفاز، فلا يريد خامنئي أن يصبح رئيساً تنفيذياً قوياً – حتى ولو انتهى المطاف بالمرشد الأعلى نفسه إلى تأييد حملة قاليباف.
وعلى الصعيد النووي، فقد كان خامنئي ناقداً صريحاً لـ «خطة العمل الشاملة المشتركة» منذ اليوم الأول، ملقياً اللوم على معدّيها الأمريكيين والإيرانيين على حد سواء. كما أعطى المتشددين في البرلمان وغيره الضوء الأخضر لمواصلة تشويه سجل روحاني النووي والتقليل من شأن إنجازاته، بما في ذلك من خلال محطات الراديو والتلفزيون الحكومية.
ونظراً إلى كل هذه الخطوات، يعتزم المرشد الأعلى على ما يبدو منع روحاني من لعب دور سياسي مهم خلال الفترة المتبقية من ولايته. ويشير هذا الموقف إلى أن طهران لن تنخرط في مفاوضات جادة مع الولايات المتحدة إلى حين تولّي خلف روحاني منصبه وتشكيله فريقاً نووياً جديداً – فريق يكون ولاؤه الكامل لخامنئي ويكون مصمماً على تنفيذ نواياه وإرشاداته. وبناءً على ذلك، لا ينبغي للمسؤولين الأمريكيين أن يضعوا الكثير من الأهمية في التصريحات المتكررة لروحاني ووزير الخارجية محمد جواد ظريف بأن جميع خطواتهم السابقة وتصريحاتهم المتفائلة الأخيرة قد حظيت بموافقة خامنئي مسبقاً. ففي مقابلة مع صحيفة “اعتماد”، على سبيل المثال، قال ظريف إن دوره الشخصي في تحديد السياسة الخارجية لإيران هو “صفر بالمائة”. وأوضح الأمر كالتالي: “هذا هو الوضع في جميع البلدان. فوزراء الخارجية هم منفذو السياسات وليسوا من يقررونها… لقد لعبتً دوراً أكبر في صياغة سياسات «خطة العمل الشاملة المشتركة» ودور أقل في السياسات الإقليمية”. كما ادّعى أنه على غرار أي دبلوماسي آخر، ينفّذ في بعض الأحيان سياسات لا يوافق عليها شخصياً.
وبغض النظر عن المناورات السياسية المحلية، من المرجح أن يأمل خامنئي أيضاً أن يؤدي إرجاء المفاوضات و/أو الامتثال لـ «خطة العمل الشاملة المشتركة» مع إدارة بايدن إلى زيادة نفوذ طهران، وجعل الغرب أكثر استياءً وقلقاً بشأن التقدم النووي الإيراني، وإثناء المسؤولين الأمريكيين عن محاولة إضافة قضايا أخرى إلى أجندة المحادثات (على سبيل المثال، برنامج الصواريخ). بعبارة أخرى، يبدو أنه يمهد الأرضية بصبر على مستويين: انتظار خلف روحاني المقبل لتشكيل فريق تفاوض أكثر تشدداً، وإبقاء المفاوضين الأمريكيين في حالة توتر إلى أن يصبحوا أقل تطلباً وأكثر استعداداً لتقديم تنازلات متسرعة.
مهدي خلجي هو زميل “ليبيتزكي فاميلي” في معهد واشنطن.
المصدر: معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى