لُقمان سْليم (اسليم) اغتيل بخمس رصاصات في طريقه من نيحا في الجنوب اللبناني إلى بيته في حارة حريك. خبر يبدو عاديًا لو أننا رأيناه في صحيفة من تلك التي تنقل الأخبار كما تنشر الإعلانات المدفوعة الأجر ببرود أعصاب وبلادة.
لُقمان هو ناشط لبنانيّ مناهض للدولة العصابة ولهيمنة الثنائيّ، حزب الله وحركة أمل على بيروت ولبنان يقبضان على روح البلد التي ما زالت تُقاوم. لُقمان كان من المقاومين العنيدين. يعرف أنه يواجه ماكنة قتل مكشوفة بأسمائها وأدواتها ونواياها ومشاريعها. جسّد في نشاطه وحضوره ـ والآن في غيابه القسريّ ـ السؤال العصيّ على الإخضاع.
سؤال العقل للجريمة المنظّمة والطاغوت. سؤال الحقيقة للكذبة الدمويّة،
سؤال الناس عن حياة معقولة محاصرة بين البنادق الأوتوماتيكية والعبوات ونيترات الأمونيوم،
سؤال الحاكم الفعليّ عن الوطن الذي تم اختطافه ولفّ جثّته بعباءة الفقيه،
لقمان سْليم ـ لم أعرفه إلّا من بعيد لكني عرفت قضيّته. قضيّة الناس اللبنانيين التوّاقين إلى عيش كريم، إلى امتلاك إرادة في قطع الشارع، في التنقّل الحرّ، في مصدر رزق كريم، في تحقيق الذات وفي الغناء والموسيقى والسهر حتى الصباح. كبرت على مأساة لبنان كما كبرت على مأساة فلسطين وها أنا أهرم على مآسي العرب جميعا من المحيط على الخليج. كبرتُ وعرفت بالأسماء كل الذين اغتالتهم يد الغادرين في كل المواقع كجزء من اغتيال النُخب المفكّرة التي تُقاتل بالسؤال عن الحقيقة بوصفه أمضى الأسلحة وأكثرها تجسيدًا للمقاومة. أعرف تاريخ كلّ شخصية ألمعية صفّاها الساعون إلى الهيمنة وخنق روح الناس والحياة في أبسط معانيها كشرط للمرور إلى مصالح غريبة وأجنبيّة وإسرائيلية. وأعرف أن أولئك الذين يخرجون من الظلام بشمعة أو من الصمت بصرخة مثل لُقمان الذي خرج من حاضنة حزب الله وأمل ليكشف منابع الشرّ والخطر على لبنان وأهله وساكنيه. في مثل هذه الحالة ـ تكون ردّة الفعل أكثر عُنفا وقطعًا ـ وهو ما حصل.
علينا أن نعترف للُقمان بشجاعته، ولقاتليه بشرّهم،
علينا أن نعترف له بقُدرته على توقّع لحظة لقاء الرصاصة برأسه، وعلى تسمية قاتليه قبل أن يصله رصاصهم، هم الذين طهّروا القصير من أهلها والقلمون من كرومه يُطهّرون لبنان من جذوته،
وهم الذين طهّروا سورية من شعبها لإحلال مبعوثي ولاية الفقيه، يسعون إلى تكرار المجزرة في لبنان، من نيحا في الجنوب إلى طرابلس الأبيّة في الشمال،
علينا أن نعترف له بفضله أنه اغتيل نيابة عنّا.
كان شجاعًا حدّ أن دولة أمنية لم تقدر عليه سوى من كمين غادر من الخلف.
كان شُجاعًا حدّ أنه نظر إلى دولتهم بوصفها عصابة. وفي نظام العصابات كما في العصابات ليس للأشرار ربّ. والممسك بالبندقيّة لا يرى بالآخرين سوى أهداف.
خاص مواقع المدارنت، مصير، ملتقى العروبيين.