اغتيال الناشط اللبناني السياسي البارز والمثقف الشجاع لقمان سليم جريمة جديدة، تضاف الى تاريخ حافل ومتصاعد بالاغتيالات الارهابية. فهي ليست الأولى من نوعها، ولن تكون للأسف الأخيرة في لبنان، وبقية دول المنطقة التي تحولت مرتعا للأوباش والشبيحة وقطاع الطرق برعاية إيران أولا، وأذرعها الطويلة على امتداد الساحة العالمية.
لقد حولت إيران ” الاغتيال ” من جريمة جنائية شائنة الى سلوك سياسي منهجي تعتمده في مواجهة خصوم الرأي والفكر. وهناك قائمة طويلة بأسماء الشهداء الاحرار الذين تقاسمت عار اغتيالهم دولة الملالي، ونظام العصابة الأسدية، وميليشياتها في لبنان والعراق واليمن وسورية بدءا من المفكرين حسين مروة ومهدي عامل وصبحي الصالح وحسن خالد مرورا برشيد كرامي وسمير قصير وجبران تويني وانتهاء برفيق الحريري ووسام الحسن ووسام عيد، وعشرات غيرهم.
وربما كانت إيران هي الدولة الوحيدة التي عظمت شأن الاستخبارات ورفعتها الى درجة وزارة في حكوماتها. وهذه الوحيدة حتما في العالم التي تحتفل بإنجازاتها من الاغتيالات التي نفذتها بصورة رسمية ، وتنشر صور وأسماء من اغتالتهم في العالم ، وكأنها نفذت انجازات حضارية واقتصادية وثقافية ! .
ولم يكن مصادفة بلا مغزى أن يتوافق اغتيال الناشط اللبناني الشجاع لقمان سليم مع صدور قرار المحكمة البلجيكية بإدانة المجرم الرسمي أسد الله أسدي ، الديبلوماسي الذي يرتبط عضويا بوزارة الاستخبارات ، وكان على صلة مباشرة بالمرشد وهم يخططون لارتكاب جريمة ارهابية كبيرة هي نسف صالة المؤتمر الذي تعقده منظمة (مجاهدي خلق) سنويا ، ويحضره آلاف الايرانيين المعارضين والضيوف من كل دول العالم ، وكان يمكن أن تسفك دماء مئات البشر الابرياء في قلب باريس ، لولا أن العناية الالهية تدخلت ، وكشفت ما يخطط له الارهابي أسدي ، بأوامر من خامنئي ، وبعلم وزير الخارجية جواد ظريف .
هذا التوافق القدري يسلط الضوء على مدى ارهاب ايران وأذرعها، واتساع الساحة التي تتحرك فيها أجهزتها وأذرعها بين الارجنتين والفلبين ، وبلغاريا وفرنسا وايطاليا والسويد والدانمارك والنمسا والمانيا وهولندا ، فضلا عن سورية والعراق ولبنان واليمن .. إلخ .
الحقيقة التاريخية تبين أن نظام الخميني والملالي جرى تدشينه وتأسيسه منذ الأيام الأولى عام 1979 على الارهاب الأسود والاجرام الدموي ، وتمرس فيهما خلال أربعة عقود ، حتى غدا نظاما يقدس “الاغتيال” ويشرعه ويبرر ممارسته شرعيا واخلاقيا وسياسيا، داخليا وخارجيا . ويتعين علينا التوقف طويلا أمام محاولة عملاء ايران اغتيال شاهبور بختيار رئيس الوزراء السابق في باريس بعد فترة قصيرة جدا من بداية نظام الخميني دون أن يحترم هذا وأوباشه حرمة أو مكانة باريس التي استقبلتهم وحمتهم من أي اغتيال كان يمكن أن يقوم نظام الشاه السابق أو سواه به ، طوال شهور ، ثم حملتهم على طائرة فرنسية في رحلة خاصة الى طهران ليتسلموا السلطة . ثم كرروا المحاولة مرات متتالية حتى قتلوه ، وقتلوا معه سكانا فرنسيين ، ومع ذلك ظلت ردود أفعال السلطات الفرنسية ضعيفة ومخجلة على جرائم ايران فوق التراب الفرنسي !
وكررت النمسا ذات السلوك الجبان والمخجل، ورضخت لابتزاز ايران ، بدل أن تتصرف ، كدولة ديمقراطية وقوية وراقية وريثة امبراطورية كبرى ، ففي عام 1987 اغتال عملاء ايران في قلب فيينا المثقف البارز فاضل رسول والزعيم الكردي عبد الرحمن قاسملو ، وهرب القاتل المنفذ الى السفارة الايرانية واحتمى بها ، وظلت ايران رسميا تحميه وترفض تسليمه للسلطات النمساوية لمحاكمته ثلاث سنوات ، حتى رضخت الدولة النمساوية أخيرا ، وسمحت للقاتل بالخروج والسفر الى ايران سالما غانما نتيجة صفقة عقدتها الدولتان . الأمر الذي شجع الايرانيين على مواصلة اغتيالاتهم في جميع دول اوروبا الغربية ، من بلغاريا واليونان حتى البرتغال ، دون خوف من عقاب رادع صارم وحازم من جانب أوروبا ، كما شجعها على متابعة سياسة الارهاب ضد كل دول العالم ، وخاصة الدول العربية المجاورة ، كالعراق وسورية ، وعلى الأخص لبنان . والدول الثلاث باتت منذ عشرين عاما محكومة بالأذرع الايرانية الاجرامية التي أسسها الملالي تحت شعارات المقاومة والممانعة وتصدير الثورة ، ومحاربة أميركا والغرب واسرائيل ، بينما الحقيقة عكس ذلك تماما .
ولا بد من القول أيضا إن العقوبة الملطفة التي فرضتها المحكمة الدولية الخاصة بجريمة اغتيال رفيق الحريري على قتلة الزعيم اللبناني رفيق الحريري بعد 15 سنة من التحقيقات التي انتهت الى اتهام وإدانة حزب الله ونظام الأسد ، وحصرها في شخص واحد دون إدانة رسمية لحزب الله الذي خطط ونفذ الجريمة بإمكاناته القوية ، إنما تعتبر صورة أخرى من صور الرضوخ الدولي الجماعي للإرهاب الايراني ، وتتحول في الواقع محفزا يشجع نظام الملالي على متابعة سلوكهم المخزي ، وكذلك السكوت على تسلح ايران بالأسلحة غير التقليدية ، وعقد الاتفاقات معها لتشريع سياستها التسليحية ، وتصميمها على حيازة السلاح النووي وانتاج الصواريخ الباليستية التي تستهدف ارهاب العرب والعالم ، وفرض الهيمنة ومواصلة سياسة التوسع والتمدد ، وفرض النفوذ بواسطة هذه الأسلحة والادوات والاساليب الاجرامية .
أمام هذا الارهاب الممنهج والمبرمج الممتد أربعين سنة، وشمل الساحة الدولية شرقا وغربا وشمالا وجنوبا ، يتعين على الدول الديمقراطية الكبرى ويتعين على مجلس الأمن الدولي ، ويتعين على كل قوى الحرية والسلام ، وأحرار العالم ، وفي مقدمتهم أحرار العرب ، وعلى رأسهم اللبنانيون الاحرار من كل الطوائف، التصدي لهذا الوباء الارهابي الذي يتفوق على جائحة الكورونا خطرا وبشاعة ، وذلك بواسطة سياسة دولية موحدة ومنسقة لمحاسبة نظام الملالي القرو- سطي الذي يتغذى ويبني أمجاده على دماء وأرواح الاحرار والابرياء . وينبغي بناء تحالف عالمي ، كالتحالف الدولي لمحاربة الارهاب الخاص بداعش والقاعدة .
لا ينبغي للعالم الحر وشبه الحر أن يسمح للارهاب الايراني بالانتصار في هذه الحرب ، وفرض سطوته على العالم كله . بل لا بد من عمل دولي جاد لتصفية أمبراطورية الارهاب الجديدة ، وقطع أذرعه المنتشرة ، وفتح ملفات كافة جرائمه منذ قيامه ، لأن هذه الجرائم لا تتقادم . أما بديل ذلك فهو السماح بظهور دولة تمثل خطرا على العالم وتهدد السلام العالمي ، وستكون نموذجا جديدا يتبنى توجهات الإرهاب على نطاق واسع هو الأول منذ انهيار الرايخ الالماني عام 1945 يحتل هذه المكانة ، يعبىء كل طاقاته وينفق كل أمواله على نشر الإرهاب والإجرام وترويع وتهديد أعدائه وخصومه وجيرانه .
في هذا السياق، يتعين على المفكرين والمثقفين والحقوقيين ودعاة الديمقراطية والمجتمع المدني الاصطفاف في جبهة عالمية موحدة ضد ارهاب إيران، وضد المتخاذلين من قادة العالم وساسته وزعمائه في آن واحد معا. يا أحرار العالم اتحدوا ضد ارهاب إيران العالمي.