يُنظر إلى الجولة الخامسة للجنة الدستورية السورية، التي تنطلق أعمالها الإثنين في جنيف، على أنها ستكون نقطة تحول هامة في مسيرة اللجنة التي كان بدأت أعمالها قبل أكثر من عام. إذ من المقرر أن تبدأ الوفود الثلاثة المشكلة للجنة الدستورية؛ النظام والمعارضة والمجتمع المدني، بمناقشة المضامين الدستورية، بعد أن ماطل وفد النظام طوال الجولات الأربع الماضية، عبر عرقلة أعمال اللجنة بفرض أجندات بعيدة عن مهامها وتفويضها؛ تارة من خلال طرح مسألة الثوابت والركائز الوطنية، وتارة أخرى بزج تحديد الهوية الوطنية ضمن النقاشات، على أساس أنها منطلق لإعداد الدستور. وفي حال استمر النظام بهذه السياسة في الجولة الحالية، فستكون اللجنة برمتها مهددة لناحية إكمال عملها، لا سيما مع تلويح رئيس الهيئة العليا للتفاوض المعارضة، أنس العبدة، بمراجعة المعارضة لإمكانية استمرارها في هذا المسار.
وتنعقد الجولة الحالية في ظلّ خلافات تعصف بهيئة التفاوض، التي ينبثق عنها وفد المعارضة للجنة الدستورية، وهي خلافات حادة بين مكوناتها؛ منصتي القاهرة وموسكو الحليفتين لروسيا ومعهما هيئة التنسيق الوطنية من جهة، وجناح الائتلاف والمقربون منه من جهة أخرى، لا سيما بعد أن اعتمدت هيئة التفاوض اقتراح منسق منصة القاهرة فراس الخالدي، باستبدال ممثل المنصة داخل الهيئة، وهو ممثل مشترك لمنصتي القاهرة وموسكو في وفد اللجنة الدستورية، بممثلين آخرين لكل من الهيئة ووفد اللجنة. في حين تعترض منصة موسكو على قرار استبعاد ممثلها مهند دليقان من هيئة التفاوض ووفد المعارضة إلى اللجنة الدستورية، الأمر الذي نتج عنه تحالف منصتي موسكو والقاهرة مع هيئة التنسيق الوطنية، وقد وجّهت هذه الأطراف رسالة إلى المبعوث الأممي غير بيدرسن أخيراً، لمطالبته بالتدخل لتحقيق التوافق بين مكونات الهيئة، لافتةً إلى وجود أطراف معطلة داخلها، مع الاعتراض على عدم قبول استبدال أسماء داخل هيئة التفاوض واللجنة الدستورية.
ولكل من منصتي القاهرة وموسكو ممثل ونصف داخل القائمة المصغرة لوفد المعارضة للجنة الدستورية، المكونة من 15 عضواً، إذ يمثل منصة القاهرة جمال سليمان، في حين يمثل منصة موسكو مهند دليقان قبل قرار فصله من قبل هيئة التفاوض. واتفقت المنصتان على ممثل مشترك لاستكمال حصتيهما بالتوافق على قاسم الخطيب، الذي جرى استبداله من قبل منسق منصة القاهرة فراس الخالدي، ما جعل الخلاف حاضراً بين الخالدي وسليمان الذي يعدّ من أهم مؤسسي المنصة.
وسيغيب عن هذه الجولة جمال سليمان، بالإضافة لممثل منصة موسكو، بعد رفض الأخيرة استبدال مهند دليقان، واحتجاج المنصتين على قرار الفصل والاستبدال. غير أنّ وفد المعارضة وصل إلى جنيف مع تحضير جيّد، بحسب أعضاء الوفد، لمناقشة مضامين الدستور، ومنع أي مماطلة ضمن الجولة الحالية، بعد أن جعل وفد النظام هذا الأسلوب عنواناً للجولات الأربع الماضية.
وفي السياق، أشار الرئيس المشترك للجنة الدستورية عن وفد المعارضة، هادي البحرة، إلى أنّ “جدول الأعمال محدد بشكل لا يسمح بالمماطلة لأي طرف من الأطراف، ونحاول أن نتفق على وضع منهجية للنقاشات لتؤدي إلى نتائج، ولذلك حيز المناورة سيكون ضيقاً جداً ومن يتبع هذا الأسلوب فسيكون مكشوفاً لميسّر الاجتماع وفريق عمله”. وأضاف البحرة في تصريح لـ”العربي الجديد”: “نحن هنا لننجز، كي نساهم باختزال الزمن اللازم لإنجاز مهمتنا المحددة بوضوح، فمن يحلم ويسع لإنهاء آلام شعبه ومعاناته، يكن حريصاً على العمل المتواصل لإنجاز مهمة اللجنة”.
وبشأن الانتخابات الرئاسية في سورية التي لم يتبق لموعدها سوى أقل من خمسة أشهر، ومدى إمكانية لجوء المعارضة لطلب تحديد جدول زمني لإنجاز الدستور قبل موعد الانتخابات، وفي حال لم تنجز المهمة قبل ذلك وجرت الانتخابات، كيف ستكون خيارات المعارضة؟ قال البحرة باستغراب: “وكأنه إن حدثت تلك الانتخابات اللاشرعية سيكون لها أي قيمة أو ستكون وكأنها فترة رئاسة إلزامية”. وتابع: “إن أجريت تلك الانتخابات خلال هذا العام، فستكون دليلا واضحا على مخالفة النظام لقراري مجلس الأمن 2254 (تم تبنيه في ديسمبر/كانون الأول 2015 ويتعلق بوقف إطلاق النار والتوصل إلى تسوية سياسية) و2118 (الصادر في سبتمبر/أيلول عام 2013 بشأن القضاء على برنامج الأسلحة الكيميائية في سورية)، ولن تعترف بها وبنتائجها إلا قلة من الدول الداعمة للنظام، وهي ستؤدي إلى تعميق معاناة الشعب السوري وإطالة فترة مأساته، وستكون سبباً لمزيد من العقوبات، كما سترسخ الإرادة الدولية في عدم السماح بإعادة تدوير النظام دبلوماسياً وسياسياً”.
وأضاف البحرة: “لقد سبق للنظام أن فصّل دستوراً على مقاسه في العام 2012، وقام بانتخابات رئاسية في العام 2014، وانتخابات برلمانية منذ أشهر، هل اعترفت بشرعيتها الغالبية من المجتمع الدولي؟ هل ساهمت بتحقيق حل لسورية؟ هل أنهت العقوبات أو أوقفتها، هل أنهت معاناة الشعب السوري؟ الجواب على كل تلك التساؤلات هو لا، وهذه المرة ستكون لا مشددة ومضاعفة”.
وشدد البحرة على أنه “لا حسم عسكريا ممكنا لأي طرف من الأطراف، ولا مخرج من المأساة الحالية إلا عبر التنفيذ الكامل والصارم لقرار مجلس الأمن رقم 2254، واللجنة الدستورية هي مدخل لتنفيذ باقي بنود القرار، وهي الكاشفة لنوايا النظام وداعميه أمام المجتمع الدولي. فمن لا يتعاطى بإيجابية في العملية الدستورية، لن يتعاطى طوعياً وإيجابياً مع تنفيذ باقي بنود القرار 2254، ولذلك حينها يصبح واجباً على مجلس الأمن والمجتمع الدولي إيجاد السبل الأخرى لتنفيذ القرار”.
من جهته، أبدى عضو القائمة الموسعة للجنة الدستورية عن وفد المجتمع المدني، سليمان القرفان، عدم تفاؤله بتحقيق تقدم واضح خلال أعمال الجولة الحالية، قائلاً في حديث مع “العربي الجديد”: “رغم تفاؤل الرئيس المشترك عن هيئة التفاوض بالخروج بنتائج من هذه الجولة، إلا أنّ الواضح أنّ الروس والنظام السوري غير معنيين كثيراً باللجنة الدستورية، ويسعون للتعطيل ومنع إحراز أي تقدم”. وتابع: “بالتالي نجد أن النظام ذاهب لانتخابات خارج القرار الأممي 2254، وبالتالي يسعى جاهداً للالتفاف على الاستحقاقات كافة بما فيها اللجنة الدستورية، ولذلك لا نتوقع الكثير من هذه الجولة، ليس بسبب الخلافات داخل مكونات الهيئة وغياب بعض أعضائها عن اللجنة المصغرة، ولكن بسبب أنه لا توجد لحد الآن أي ضغوط حقيقية على النظام للانخراط بكتابة الدستور”.
في المقابل، عبّر أحمد العسراوي، عضو الهيئة المصغرة للجنة الدستورية عن هيئة التفاوض، عن تفاؤله بتحقق هذه الجولة “نتائج مقبولة”، مشيراً في حديث مع “العربي الجديد”، إلى أنّ “الجولة ستناقش المبادئ الأساسية في الدستور، من دون تحديد فصول أو فقرات معينة”. وأوضح العسراوي أنّ تفاؤله بتحقيق خرق خلال هذه الجولة، “يكمن في أنّ جدول أعمالها واضح ومحدد، خلافاً لما كان يحدث في الجولات الماضية”.
وعن موقفهم في حال تكررت المماطلة ضمن الجولة الحالية، أشار العسراوي إلى أنهم سيلتزمون “بشكل واضح بإنجاز الإصلاح الدستوري، والذي يأتي كخطوة أولى على طريق نجاح العملية السياسية، بمحاورها الأربعة: هيئة الحكم الانتقالي، الإصلاح الدستوري، الانتخابات المحايدة والنزيهة، الأمن ومكافحة الإرهاب”.
وكون العسراوي يمثّل هيئة التنسيق الوطنية داخل هيئة التفاوض ووفد المعارضة للجنة الدستورية، أشار إلى أنه “ليس لدى هيئة التنسيق أي موقف مغاير لهيئة التفاوض في أي من الاحتمالات والحالات”، مؤكداً على “مبدأ التوافق بين مكونات هيئة التفاوض، للوصول إلى حل سياسي يؤدي إلى تغيير ديمقراطي جذري وشامل في البلاد”.
وكان رئيس هيئة التفاوض السورية المعارضة، أنس العبدة، قد أشار في تصريح لـ”العربي الجديد” قبل أيام، إلى أنه “إذا استمر النظام في طريقته الحالية العبثية في تفادي الحديث عن القضايا الدستورية، فإننا سنراجع وبشكل جدي إمكانية الاستمرار في هذا المسار”، مطالباً الأمم المتحدة بأن “يكون هناك التزام كامل بالقواعد الإجرائية، وأن تكون هناك أجندة واضحة وجدول زمني واضح، لأنه لو تُرك الأمر لوفد النظام فإن عمل اللجنة الدستورية سيستمر سنوات من دون تحقيق أي تقدّم”. وأضاف: “الكرة اليوم في ملعب النظام وحلفائه، وإذا قرروا الاستمرار في عملية التعطيل، فإن اللجنة الدستورية ومستقبلها سيكونان في مهب الريح”. ما يعني أنّ اللجنة قد تصادف تحولات جذرية في مسيرتها بعد هذه الجولة، في حال لم يتوصل أطرافها لتوافق حول المواضيع والمضامين المطلوب مناقشتها.
المصدر: العربي الجديد