أكد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان احتمال حدوث عمل عسكري في منطقة سنجار العراقية ضد مجموعات تنظيم حزب العمال الكردستاني، لكنه لم يشأ الدخول في تفاصيل هذه العملية “التي ستتم بشكل مفاجئ” ولا إلى الخطط الميدانية التي ستواكبها لناحية خطط التحضير والتنفيذ والأهداف.
الاتصالات الأخيرة التي أجراها وزير الدفاع التركي خلوصي آكار على خط بغداد – أربيل برفقة رئيس الأركان يشار غولار وعقد خلالها العديد من الاجتماعات العسكرية والسياسية تطرقت كما يبدو إلى السيناريوهات المحتملة على الخرائط المعدة مسبقا والتي تؤكد اقتراب ساعة الصفر التي يرى البعض أنها ستكون في مطلع الربيع المقبل.
لماذا تريد تركيا هذه العملية العسكرية في سنجار؟ هل الهدف هو فقط مجموعات حزب العمال الكردستاني المنتشرة في المنطقة؟ أم هي رسالة متعددة الجوانب والأطراف، أبرز المعنيين فيها هي إيران وحلفاؤها المحليون هناك؟
بين الأهداف المعلنة للعملية إخراج مجموعات “بي كا كا” من المنطقة وقطع الطريق على خطوط تواصلها بين شمال العراق وشرق سوريا وتأمين مثلث الحدود التركية العراقية السورية هناك. لكن الواضح تماما هو أن خطوة من هذا النوع تجمع أنقرة وبغداد وأربيل لها كثير من الأهداف اللا معلنة التي تعني إيران وروسيا وأميركا أيضا. تدمير ما تبقى من وجود لعناصر “بي كا كا” على خط قنديل – سنجار – دير الزور يعني إنهاء التنسيق القائم بين هذه المجموعات و”وحدات الحماية” السورية المدعومة أميركيا. ويعني قلب التوازنات الموجودة في منطقة سنجار برعاية إيرانية منذ العام 2017 تحديدا. وهي خطوة تعني روسيا التي تنسق مع النظام في دمشق والتي قد تغير التوازنات القائمة على حساب مصالحها ونفوذها أيضا.
الطرح التركي هو عملية عسكرية تنفذها القوات العراقية المركزية بالتنسيق مع قوات البشمركة الكردية في أربيل وتكون أنقرة جاهزة لدعمها جوا أو بالمدفعية عند الضرورة. لكن الخلاف هو عراقي عراقي كما يبدو حتى الآن حيث لكل طرف تحفظاته وهواجسه الواجب تبديدها وطمأنته حولها. بغداد التي أرسلت قوات “الحشد الشعبي” التي تنسق مع إيران إلى هذه المنطقة قبل 3 أعوام لا تريد الدخول في مغامرة توتير علاقاتها مع طهران وأن تتحول المواجهة إلى عراقية عراقية. فالقيادة العراقية المركزية كانت تعطي الأولوية لحربها على مجموعات داعش داخل العراق لكنها بعد الآن وإثر تراجع نفوذ هذه المجموعات على الأرض وجدت نفسها أمام الإلحاح التركي على أن الوقت قد حان للقضاء على خلايا البي كا كا المنتشرة في سنجار وجوارها على مرأى ومسمع إيران والميليشيات التابعة لها هناك. تركيا حسمت موقفها كما هو واضح أيضا في تفعيل عملية إسقاط مشروع تحويل سنجار إلى منطقة نفوذ يتقاسمها عناصر حزب العمال والحشد الشعبي تحت غطاء الإدارة الذاتية لسنجار التي تسكنها الكثافة الإيزيدية المهددة من قبل أكثر من طرف والواجب حمايتها دستوريا ودوليا في منطقة نفوذ تتمتع ببعض الاستقلالية الإدارية والسياسية. خطة سنجار التركية تسعى لإسقاط كل أوراق محتملة قد يحاول بقايا حزب العمال أو وحدات الحماية أو طهران أن تستخدمها ضدها في منطقة حدودية متداخلة بينها وبين العراق وسوريا.
أنقرة تطالب بغداد وأربيل بإنهاء الخلاف القائم بينهما في إطار المادة 140 من الدستور العراقي حول وضعية سنجار الدستورية وحيث يحاول البعض استغلال هذا الفراغ والتوتر للتحرك الميداني والعسكري هناك ضد دول المنطقة خصوصا تركيا من خلال تثبيت نفوذ “بي كا كا” ومسد في سنجار تحت ذريعة حماية الأقلية الإيزيدية ومحاربة بقايا داعش.
العقبة الأهم هنا تبقى معرفة ما الذي تقوله وتريده إدارة الرئيس الأميركي الجديد وكيف ستتحرك في المنطقة رغم أنها وجهت العديد من الرسائل إلى اللاعبين الإقليميين أنها متمسكة بحماية حصتها بعدما اختارت كوادر وأسماء تعاون بايدن وسبق وعملت في المنطقة وتعرفها جيدا ولها علاقات صداقة وتنسيق مع العديد من المجموعات الميدانية الموجودة فيها.
سنجار اليوم مخفر إيراني متقدم قريب من الحدود السورية والتركية على السواء وتستطيع طهران التلاعب فيه لتهديد آمن أكثر من طرف في المنطقة. سنجار على الورق مع أربيل لكنها ميدانيا تحت سيطرة إيران بتفويض من بغداد وهذا ما ترفضه تركيا وإسرائيل وأميركا وروسيا في الوقت نفسه.
ما يجري في سنجار هو نوع من المواجهة بين أكثر من مشروع تركي إيراني إسرائيلي تتداخل فيه المصالح الأميركية والروسية. لماذا استهدفت المقاتلات الإسرائيلية العمق السوري في دير الزور وهل الرسالة كانت لإيران قبل أن تكون للنظام؟ هل هناك من علاقة بين اللقاء السوري الإسرائيلي الذي تم برعاية روسية وخصص لبحث الوجود الإيراني في سوريا وبين التحرك التركي نحو القضاء على الوجود العسكري لمجموعات حزب العمال في سنجار؟ هل من السهل تجاهل حجم التنسيق الإيراني على جبهتي دعم وتمويل مجموعات “بي كا كا” الإرهابية في هذه المناطق وبين وجود الميليشيات الإيرانية في المناطق نفسها؟ هل ستلتقي مصالح أنقرة وتل أبيب وبدعم روسي في سوريا لناحية إضعاف النفوذ الإيراني ككل هناك؟ لا بل هل من الممكن الربط بين ما يجري على الجبهة اللبنانية حول المفاوضات مع إسرائيل لترسيم الحدود البحرية بدعم أميركي لكنه يتطلب تجاوز العقبة الإيرانية وحليفها المحلي حزب الله وبين تطورات المشهد السوري والعراقي؟
العقبة الأخرى هي أن البنتاغون الأميركي يحتاج إلى هذه المنطقة الحيوية كونها صلة الوصل الجغرافي المهمة في نقل السلاح والعتاد إلى شرق سوريا على خط أربيل – دير الزور – الحسكة. المشكلة إذا هي أميركية إسرائيلية أيضا في التفاهم حول أي دور سيعطى لإيران في سوريا وهل ستدخل إدارة بايدن مع طهران في صفقة إقليمية تشمل سوريا والعراق ولبنان عندما تقرر إطلاق المفاوضات مجددا حول المشروع النووي الإيراني؟
ما يقلق أنقرة هو سيناريو بروز الخدمات المتبادلة بين طهران وواشنطن في شمال العراق وشرق سوريا على خط سنجار – الحسكة وأن كل هذه التفاهمات قد تتم على حسابها وعلى حساب أمنها واستقرار حدودها. أنقرة تعرف تماما أن هناك ضغوطا إيرانية وأميركية على العراقيين لرفض أية عملية عسكرية تركية باتجاه سنجار لكن تركيا تقول إن الذرائع التي كانت تقدم لها من قبل بغداد وأربيل لم تعد قائمة بعد تراجع نفوذ داعش وتقدم مجموعات الحشد الشعبي إلى المنطقة على مرأى ومسمع عناصر حزب العمال هناك بإشراف إيراني.
هز انفجار كبير قبل أيام وسط العاصمة العراقية بغداد ناتج عن عمل انتحاري مزدوج وأدى إلى وقوع عشرات الإصابات في صفوف المدنيين. تساءل البعض عن العلاقة بين التفجير بعد ساعات على مغادرة وزير الدفاع التركي العراق واحتمال أن تكون رسالة إيرانية عبر خلاياها في داعش بعد الإعلان عن تفاهمات ثلاثية في سنجار وهي تحاول هنا تذكير بغداد وأربيل وأنقرة بحصتها ونفوذها في شمال العراق؟
المصدر: موقع تلفزيون سوريا