تفاقمت حدّة الخلاف داخل هيئة التفاوض السورية، ودخلت حيّزًا غير مسبوق، وذلك مع إرسال كل من هيئة التنسيق الوطنية، منصة موسكو، وجزء من منصة القاهرة رسالة إلى المبعوث الأممي إلى سورية غير بيدرسون، يطالبونه بالتصرف سريعاً، والدفع نحو التوافق ضمن هيئة التفاوض السورية، ما يعني إدخال بيدرسون كوسيط داخل الهيئة وليس وسيطًا بين النظام والهيئة فحسب.
وجاء في الرسالة، التي وصل إلى “العربي الجديد” نسخة عنها، والتي أُرسلت إلى بيدرسون يوم 13 من الشهر الجاري، كما تم إرسال نسخ عنها إلى كل من وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، ووزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان آل سعود، ووزير الخارجية المصري سامح شكري، أن على بيدرسون ضرورة التصرف سريعاً حفاظاً على وحدة اللجنة الدستورية وعلى استمرارها، وعدّت أنه نتيجة لعدم حماية الأمم المتحدة لاستقلالية عمل اللجنة الدستورية، قام الطرف المعطل ضمن الهيئة بإبعاد الزميل مهند دليقان عن اللجنة المصغرة.
وعدّت الرسالة أن هناك “طرفاً معطلاً” ويسيطر الآن على هيئة التفاوض السورية، في إشارة ضمنية إلى المكونات الثلاثة (الائتلاف، كتلة العسكر، وكتلة المستقلين)، وأن هذا الطرف يعقد اجتماعاته طوال سنة كاملة دون حضور هيئة التنسيق الوطنية ومنصة موسكو ومنصة القاهرة (أي خلافاً للقرار 2254)، وأنه مرر باجتماع لهيئة التفاوض السورية، لم تحضره أي من الأطراف الموقعة على هذه الرسالة، قراراً بإنهاء عضوية الأستاذ قاسم الخطيب في كل من اللجنة الدستورية وهيئة التفاوض السورية، وبشكل غير قانوني.
ودعت الرسالة بيدرسون إلى “عدم قبول أي قرار استبدال قبل الوصول إلى توافق ضمن مكونات هيئة التفاوض السورية، وكذلك للدفع عبر جهودكم الحميدة نحو التوافق ضمن هيئة التفاوض السورية”.
وكان فراس الخالدي، منسق منصة القاهرة وعضو هيئة التفاوض السورية، أرسل قبل أيام كتاباً إلى هيئة التفاوض السورية يطلب فيه استبدال قاسم الخطيب، وهو عضو هيئة التفاوض وعضو اللجنة الدستورية، وأن يحل مكانه نضال محمود الحسن عضواً في الهيئة، وتليد صائب عضواً في اللجنة الدستورية، وذلك بعد خلافات وانقسامات داخل منصة القاهرة نفسها.
ويرى مصدر في هيئة التفاوض، خلال حديثه إلى “العربي الجديد”، أن قبول قرار استبدال قاسم الخطيب جاء “بشكل قانوني”، حيث تلقّت الهيئة طلباً باستبدال الخطيب من قبل منسق منصة القاهرة الرسمي في الهيئة فراس الخالدي، وهو الشخص المُعتمد من قبل الهيئة والمنصة، مضيفًا أنه “عندما تم طرح الموضوع خلال اجتماع الهيئة حصل قرار الاستبدال على موافقة 24 عضواً في الهيئة وهو ما يفوق نسبة الـ(60%)، وبحضور منسق منصة القاهرة، إضافة إلى عضو المنصة أحمد شبيب”، ويؤكد المصدر أن “الاستبدال هو حق أي مكون، وأن التصويت هو على قبول الشخص وليس للموافقة على فكرة الاستبدال”.
وقال المصدر أيضاً “إن إشكالية مهند دليقان في اللجنة الدستورية هي ليست جديدة أو متزامنة مع موضوع استبدال الخطيب”، ولفت المصدر إلى أن “قرار استبعاد دليقان عن هيئة التفاوض واللجنة الدستورية تم اتخاذه خلال ولاية رئيس الهيئة السابق نصر الحريري، كما أن هيئة التفاوض أخطرت منصة موسكو بقبولها إدخال أي شخص جديد إلى الهيئة واللجنة الدستورية بدلًا عن دليقان، إلا أن منصة موسكو أصرّت على إعادة دليقان إلى الهيئة واللجنة”.
كما علم “العربي الجديد” أن رئيس هيئة التفاوض الحالي أنس العبدة أبدى مرونة حيال عودة مهند دليقان، وذلك في إطار حلّ المشكلة التنظيمية للمستقلين. وكان العبدة قدّم مقترحاً للحل قبل أشهر يتضمن وجود أربعة مستقلين من القدامى، وأربعة مستقلين من الجدد الذين تم انتخابهم من قبل هيئة التنسيق، ومنصّتي القاهرة وموسكو نهاية العام 2019، كما تضمن مقترح العبدة رفع عتبة التصويت في الهيئة إلى 60 بالمئة، ما يعني عدم سيطرة أي تحالف داخل الهيئة على القرار.
من جهته، قال عضو منصة موسكو مهند دليقان، في تصريح لــ”العربي الجديد”، إن “المنصات التي أرسلت هذه الرسالة هي منصات معترف بها ضمن القرار 2254 كممثل للمعارضة السورية”، مشيرًا إلى أن “عمليات التعطيل والاستئثار والإقصاء التي يمارسها البعض مكررين عقلية (الحزب القائد) هي ما دفعت هذه الأطراف لإرسال هذه الرسالة”.
وأضاف دليقان: “الاجتماعات التي تجري وستجري لاحقاً بين أطراف في المعارضة السورية هي خطوات ضرورية لإعادة التوازن، وإنهاء هيمنة أعداء الحل السياسي على العملية السياسية وتعطيلهم لها تالياً”.
وبحسب مصادر “العربي الجديد”، فإن الطرف الآخر من منصة القاهرة، والذي طلب استبدال الخطيب، أرسل هو الآخر رسالة إلى المبعوث الأممي غير بيدرسون قبل يومين، وجاء فيها أن منصة القاهرة لم توقع على الرسالة التي تم إرسالها من قبل هيئة التنسيق ومنصة موسكو، وأن طلب استبدال قاسم الخطيب هو رسمي وقانوني.
أُرفقت الرسالة بملحق يحمل اسم “لائحة المخالفات التنظيمية المرتكبة في اغتصاب موقع الزميل قاسم الخطيب”، جاء فيه أن قرار استبدال قاسم الخطيب، والذي تم خلال اجتماع هيئة التفاوض يوم 11 الشهر الجاري، هو “قرار غير شرعي”، وذلك لأسباب منها أن الفقرة الرابعة من المادة (11) من النظام الداخلي لهيئة التفاوض السورية تنص على أن قيادة أي مكون من مكونات الهيئة هي من يستبدل ممثلي المكون، وأضاف الملحق أن قيادة منصة القاهرة هي لجنة مؤتمر القاهرة، وكانت الأمانة العامة قد أسقطت عضوية فراس الخالدي في اللجنة، وهي لم تطلب بأي حال استبدال الزميل قاسم الخطيب، وعدّ الملحق أن طلب فراس الخالدي هو طلب شخص منفرد ويخالف قرارات قيادة منصة القاهرة، ولذلك فإنه لا يعتد به ومن الضروري رفضه شكلاً.
كما جاء في الملحق: “الأسماء المقترحة من قبل السيد فراس الخالدي (نضال الحسن وتليد صائب) ليست أعضاء في مؤتمري القاهرة 1 و2 ومؤتمري الرياض 1 و2، وبالتالي لا يحق لهم المشاركة باسم منصة القاهرة”، ووصفت الأطراف أن هذا يُعد تجاوزاً لإرادة مؤتمر القاهرة وخرقاً لقرار مجلس الأمن 2254 واللائحة الداخلية لهيئة التفاوض.
ووفق الملحق، فإنه حتى في حال رغبت قيادة منصة القاهرة المتمثلة في لجنة مؤتمر القاهرة في إبعاد الزميل قاسم الخطيب عن اللجنة الدستورية، فإن عضويته في اللجنة المصغرة جاءت نتيجة تفاهم بين منصة القاهرة ومنصة موسكو على شخص قاسم الخطيب بالذات، وأنه لا يجوز أن يكون البديل من منصة القاهرة، وذلك بناء على طلب منصة موسكو بتاريخ 11-1-2021 الموجه إلى رئيس اللجنة الدستورية.
ووصف الملحق المجتمعين من الهيئة يوم 11 الشهر الجاري، بأنهم “يعتدون بشرعية منزوعة”، وبرر ذلك بأسباب هي انتهاء شرعية الأعضاء المستقلين منذ اجتماع الرياض للمستقلين بتاريخ (28-27) – 2019-12، والذي انبثق عنه ممثلون جدد للمستقلين في هيئة التفاوض السورية، عدم حضور مكونات الهيئة التي أفرزها مؤتمر الرياض 2 ونصّ عليها القرار 2254، عدم اعتراف الأطراف الموقعة بشرعية مدّعي رئاسة هيئة التفاوض السورية.
وبحسب أعضاء في هيئة التفاوض تواصل “العربي الجديد” معهم، فإن الادعاء بعدم شرعية قبول استبدال الخطيب غير دقيق، حيث إن طلب استبداله كان رسمياً من الشخص المعتمد، كما شككوا بالقول بعدم شرعية قبول شخصيات جديدة لم تحضر اجتماعات القاهرة والرياض، وقالوا: “إنّ عضو منصة القاهرة في هيئة التفاوض أحمد شبيب لم يكن عضوًا في منصة القاهرة، ورغم ذلك لم يكن هناك اعتراض على وجوده من المنصات التي تعترض الآن”، وأشاروا إلى أن هناك شخصيات لم تكن في مؤتمر الرياض وتم قبولها سابقًا في الهيئة مثل ياسر دلوان عن كتلة العسكر، كما أكد أحدهم: “ما يُهم هو المنصة، حيث إنها كانت ضمن مؤتمر الرياض، وقبول الشخص يأتي نتيجة قبول الهيئة بقرار المنصة”.
وحول وجود قاسم الخطيب في اللجنة المصغرة للدستورية بأنه نتيجة توافق بين منصتي القاهرة وموسكو، أوضح مصدر في هيئة التفاوض لـ”العربي الجديد” أن وجود الخطيب أتى بقرار وتوافق في الهيئة وليس ضمن قرار توافقي بين المنصتين، وأوضح أن منصة موسكو قديمًا تراجعت عن هذا الاتفاق الذي تزعم وجوده، إلا أن الهيئة كانت قد اتخذت قرارها بتعيين الخطيب بتوافق عام، وليس وفق قرار منصة موسكو قبول الاتفاق بينها وبين منصة القاهرة.
كما استبعد المصدر أن تحقق الرسالة مرادها، وقال إن عملية الاستبدال تمّت، وقانونًا لا يحق للمبعوث الأممي غير بيدرسون عدم قبول طلب الهيئة استبدال أو استبعاد أحد أعضائها في اللجنة الدستورية، وتوقّع المصدر أن يحضر تليد صائب، كممثل عن منصة القاهرة، اجتماعات اللجنة الدستورية المصغرة القادمة بعد أيام.
وتجدر الإشارة إلى أن “العربي الجديد” تواصل مع هيئة التنسيق الوطنية للوقوف على حيثيات الرسالة وتأثير احتدام الخلاف على توازن مكونات هيئة التفاوض، إلا أن المنصة فضّلت عدم الرد على تساؤلات “العربي الجديد”.
المصدر: العربي الجديد