ترى مجلة “ناشونال انترست” الأميركية أن استراتيجية الرئيس المنتخب جو بايدن في سوريا ستتميز باستخدام أقصى الضغوط ضد نظام بشار الأسد، مع توسيع محتمل للتواجد العسكري الأميركي في سوريا.
وتستبعد المجلة في تقرير لمارك إيبسكوبوس بعنوان: “هل ستعرقل سياسة أوباما الفاشلة تجاه سوريا خطط إدارة بايدن للشرق الأوسط؟”، أن تعترف إدارة بايدن بالأسد لكنها ترى أن الأسلوب النهائي للاستراتيجية في سوريا لم يكتمل بعد.
وتسأل: بعد أربع سنوات من محاولة فك الارتباط في عهد الرئيس دونالد ترامب، هل ينذر الانتقال المقبل لإدارة جو بايدن بالعودة إلى استراتيجية الضغط الأقصى ضد حكومة الأسد؟
في مقابلة أجريت في أيار/مايو 2020، أقر المرشح جو بايدن لوزارة الخارجية، أنطوني بلينكن، بأن سياسة إدارة الرئيس السابق باراك أوباما تجاه سوريا “فشلت”. ولدى سؤاله عن نهج بايدن تجاه سوريا، أجاب بلينكن: “في الإدارة الأخيرة، على المرء أن يعترف بأننا فشلنا ليس بسبب عدم المحاولة، لكننا فشلنا. لقد فشلنا في منع وقوع خسارة مروعة في الأرواح. لقد فشلنا في منع النزوح الجماعي للأشخاص داخلياً في سوريا، وبالطبع خارجياً كلاجئين. وهو شيء سآخذه معي لبقية أيامي. إنه شيء أشعر به بقوة”.
لكن ما هو بالضبط فشل سياسة إدارة أوباما؟ وما هي الدروس التي يبشر بها وزير الخارجية المستقبلي؟ وما الذي كان يمكن أن يفعله البيت الأبيض خلال عهد أوباما بشكل مختلف لتفعيل بعض النتائج الإيجابية في سوريا؟
لا يقدم بلينكن، وهو دبلوماسي مخضرم ومسؤول كبير في مجلس الأمن القومي في إدارة أوباما، إجابات واضحة. في مقابلة قديمة، بدا أن بلينكن يلقي باللوم على مجموعة كبيرة من القوى الخارجية: “أعتقد أن هناك الكثير من اللوم الذي يجب أن ننتقل إليه، بدءاً من السوريين أنفسهم، إلى إيران وروسيا ورعاة آخرين للنظام، إلى كل الدول العربية والدول المجاورة الأخرى”. لكن بلينكن أضاف “لدينا مسؤولية أيضاً”، متحسراً على “عبء حرب العراق” و”التدخل الصعب في ليبيا” لتبرير عدم وجود الحماسة للتدخل العسكري الأميركي في الحرب الأهلية السورية.
يبدو أن بلينكن يأسف للنتيجة، وليس للاستراتيجية الأساسية لإدارة أوباما المتمثلة في زيادة الضغط الدولي والعسكري للتفاوض على إطاحة الرئيس السوري بشار الأسد من السلطة، بحسب المجلة. في أواخر تشرين الأول/أكتوبر 2015، أكد بلينكن دعم إدارة أوباما لتغيير النظام في سوريا: “لدى روسيا الآن حافز ونفوذ أكبر لدفع الأسد والنظام نحو الانتقال. هناك اعتراف من جميع الأطراف بأنه لا يوجد حل عسكري في سوريا ، وهذا اعتراف ينمو الآن لدى الروس”. وعندما طُلب منه توضيح ما إذا كان رحيل الأسد شرطاً أساسياً لإجراء مفاوضات جوهرية، أجاب بلينكن: “ليس شرطاً مسبقاً، ولكن العملية التي سيتم إطلاقها يجب أن تؤدي إلى رحيل الأسد”.
وتقول “ناشونال انترست” إنه بعد خمس سنوات، هناك اعتراف متزايد داخل مؤسسة السياسة الخارجية في واشنطن بأنه لا يوجد مسار سياسي واضح لإزالة الأسد. علاوة على ذلك، من غير المرجح أن يكون الصراع الدائر في سوريا على رأس أولويات السياسة الخارجية للإدارة القادمة. عزّز الأسد قبضته على السلطة بثبات الدعم الروسي، والمعارضة السورية “المعتدلة” التي روجت لها إدارة أوباما تُعتبر عاملاً سياسياً غير فاعل في عام 2020، وتم احتواء التهديد المتزايد لتنظيم “داعش” على الأراضي السورية بنجاح في السنوات السابقة.
إذن ماذا الآن؟ إن الاعتراف بحكومة الأسد، حسب بلينكن، لا يزال غير وارد. وعندما سُئل عما إذا كان بإمكان إدارة بايدن تطبيع العلاقات مع نظام الأسد، قال: “من المستحيل عملياً أن أتخيل ذلك”.
على الرغم من أن احتمالات تغيير النظام على الطريقة الليبية في سوريا قاتمة للغاية، إلا أن هناك مؤشرات على أن إدارة بايدن ستكون مهتمة بتنفيذ استراتيجية الضغط الأقصى ضد الأسد. وضع بلينكن الخطوط العريضة لهذا النهج في مقال رأي نشرته صحيفة “نيويورك تايمز” عام 2017 قال فيه: “الآن، تتمتع إدارة ترامب بنفوذ يجب أن تختبره مع نظام الأسد وروسيا لتقييد القوات الجوية السورية، ووقف أي استخدام للمواد الكيماوية أو الأسلحة البيولوجية، وتنفيذ وقف إطلاق نار فعال في الحرب وحتى التحرك نحو التفاوض على انتقال السلطة -وهي الأهداف التي استعصت على إدارة أوباما”.
يتمثل العنصر الثاني من استراتيجية بلينكن المقترحة في سوريا في استخدام الأسد كوكيل لغرض أوسع يتمثل في مواجهة روسيا: “يجب على الإدارة أن توضح لموسكو أنها ستحاسبها على تصرفات الأسد في المستقبل، وحشد الآخرين للقيام بذلك.. وشن المزيد من الضربات إذا لزم الأمر”، كما دعا إلى فرض تكاليف على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لدعمه العسكري والسياسي المستمر لحكومة الأسد.
لن يحافظ البيت الأبيض في عهد بايدن على عقوبات إدارة ترامب على الأسد فحسب، بل ربما يوسعها. يشمل هذا النهج، بشكل شبه مؤكد، الحفاظ على وجود عسكري نشط في سوريا لدعم الأكراد كإسفين دائم ضد كل من الأسد والكرملين. من المرجح أيضاً أن تلعب إدارة بايدن دوراً أكثر نشاطاً في عملية إعادة الإعمار في سوريا، وربما تدفع باتجاه إصلاحات سياسية من شأنها أن تمنح الفصائل المناهضة للأسد صوتاً محمياً في المجتمع المدني السوري.
يبدو أن الرئيس المنتخب قد اعترف أمام مجلس العلاقات الخارجية في 2018 بأن جهود أوباما لحشد دعم الكرملين ل”انتقال السلطة” بعيداً عن الأسد قد أثمرت القليل، وبدلاً من ذلك طرح ما يبدو أنه ترتيب “مجالات نفوذ” مع موسكو: “أعتقد، -هناك طرق يمكننا من خلالها، في الواقع، العمل مع روسيا لأخذ أجزاء من البلاد بشكل أساسي- ستكون دولة مقسمة لفترة طويلة… ليس هناك مبدأ موحد في سوريا من وجهة نظري”. وقال بايدن: “هكذا يمكنني أن أرى أين يمكنك العمل في مكان يوجد فيه ملاذ آمن بشكل أساسي لأجزاء معينة من ذلك البلد، ويمكنك تقليل عدد الأشخاص الذين يتم تهجيرهم وقتلهم بشكل كبير. لقد حاولنا ذلك أيضاً، ولم يلعبوا بشكل عادل هناك”.
وتختم المجلة قائلة: “لا يزال يتعين على الإدارة القادمة أن تحدد استراتيجيتها النهائية ضد حكومة الأسد، ولكن هناك أمراً واحداً واضحاً: الضغط الأقصى -ومعه التوسع المحتمل للوجود العسكري الأميركي في سوريا- موجود ليبقى”.
المصدر: المدن