جدد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان دعوته من أجل المساعدة في الاستفادة من نفط سورية لإعادة بناء ما دمرته الحرب في البلاد، في تصريح أثار الكثير من الجدل بعدما تعمد كثيرون إخراجه من سياقه العام، وسط تساؤلات حول أهداف أردوغان من هذا الطرح وفرص استجابة روسيا والولايات المتحدة وحتى النظام السوري لهذا العرض.
وفي حوار مع الصحافيين في طريق عودته من بروكسل، قال أردوغان إنه طلب من نظيره الروسي فلاديمير بوتين التشارك في إدارة حقول النفط في محافظة دير الزور شرق سورية بدلاً من الوحدات الكردية التي تسيطر على أغلب حقول النفط في شمال شرقي سورية.
وقال أردوغان: «عرضت على السيد بوتين أنه إذا قدم الدعم الاقتصادي فبإمكاننا عمل البنية ومن خلال النفط المستخرج هنا، يمكننا مساعدة سوريا المدمرة في الوقوف على قدميها»، مشيراً إلى أن بوتين «يدرس العرض» وأنه «يمكنه تقديم عرض مماثل للرئيس الأمريكي دونالد ترامب»، مضيفاً: «بدلاً من الإرهابيين الذين يستفيدون هنا، ستكون لدينا الفرصة لإعادة بناء سوريا من عائدات هذا (النفط). سيكون من شأن هذا أيضا إظهار من الذي يسعى لحماية وحدة سوريا ومن الذي يسعى للاستحواذ عليها».
وهذه ليست الدعوة الأولى لأردوغان، ففي كانون الأول/ديسمبر الماضي، وأمام المنتدى العالمي للاجئين في جنيف وجه نداءً إلى القوى العالمية الفاعلة لاستخراج النفط السوري وإنفاق عائداته للاجئين الذين سيتم توطينهم في الشمال السوري، وقال أردوغان: «لنستخرج معاً النفط من الآبار التي يسيطر عليها الإرهابيون في سوريا، ولننجز مشاريع بناء الوحدات السكنية، والمدارس، والمستشفيات، في المناطق المحررة من الإرهاب، ونوطن اللاجئين فيها.. ولكن لا نلمس استجابة لهذه الدعوة، لأن النفط أهم بالنسبة لهم».
وعلى الرغم من أن وسائل إعلام إماراتية وسعودية حاولت استغلال هذه التصريحات لاتهام تركيا بأنها تسعى «لسرقة نفط سوريا» وأنها قامت بعمليات عسكرية في سوريا «من أجل سرقة نفطها»، إلا أن تصريحات الرئيس التركي جاءت في إطار الرد على سؤال حول مصير الدعم الأوروبي والأمريكي للمناطق الآمنة شمالي سوريا، حيث لفت إلى أن سوريا لن تكون بحاجة لدعم خارجي إذا جرى استغلال نفطها من أجل الاستفادة منه في إعادة إعمارها.
كما أن التصريحات جاءت بعدما ذكر أردوغان بأن ترامب أبلغه خلال اتصال هاتفي معه الأسبوع الماضي بأنه لا ينوي إبقاء القوات الأمريكية في سوريا، وأنه لا يرغب في تحمل مزيد من التكاليف المالية في سوريا، وبناء على هذه الرسالة من ترامب، فهم من السياق أن أردوغان يعرض على بوتين إدارة المناطق التي يمكن أن تنسحب منها القوات الأمريكية بشكل مشترك لأجل إعمار سوريا.
وعملياً، تقع الغالبية العظمى من حقول النفط السورية تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية وبحماية كاملة من القوات الأمريكية، ولا يوجد سوى جزء قليل جداً من منابع النفط السورية في مناطق سيطرة النظام السوري وروسيا، وهو ما يعزز أن الطرح التركي يتعلق في مرحلة ما بعد الانسحاب الأمريكي في حال حصوله.
كما أن تركيا لا توجد لها أي سلطة أو قرب من مناطق تواجد النفط السوري، على الرغم من تواجدها العسكري المباشر في الأراضي السورية، حيث تقع معظم حقول النفط السورية في محافظتي الحسكة ودير الزور، ولا توجد أي آبار نفط في مناطق عمليات الجيش التركي سواء في تل أبيض أو رأس العين أو الباب وجرابلس وعفرين وصولاً إلى إدلب.
واعتبرت صحف تركية أن أنقرة ولو كان هدفها النفط السوري لتدخلت بشكل مباشر باتجاه الحسكة أو تعمقت من شرق الفرات نحو دير الزور، مشددة على أن العمليات العسكرية التركية كانت على الشريط الحدودي وضد تنظيمي داعش وبي كا كا وبهدف منع إقامة كيان انفصالي على حدودها.
وبالدرجة الأولى، تهدف تركيا من هذه الدعوة إلى توفير موارد مالية لإعادة بناء سوريا عقب إنهاء الحرب ولا سيما المناطق التي تديرها شمالاً من خلال بناء منازل للمدنيين ومرافق عامة ومستشفيات ومدارس للاجئين الذين تكدسوا في المناطق الحدودية التي يسيطر عليها الجيش التركي، وذلك في ظل الرفض الأوروبي الأمريكي لتقديم الدعم لهذه المناطق، والمساعدة في منع موجات هجرة جديدة وإقناع جانب من 4 مليون لاجئ سوري في الأراضي التركية بالعودة إلى تلك المناطق في حال تطويرها وتأهيلها.