إذا وضعنا جانباً أية نوايا سيئة مبيتة أو أي تدخل أو إيعاز خارجي للاستصدار قرار بـ”هيئة عليا للانتخابات”؛ لأن ذلك في مختلف جوانبه يجافي الواقع؛ فلا يدخل أحد انتخابات بوجود منظومة استبدادية تحدد مَن يترشح، ومَن ينتخب، والأهم يحدد النتيجة النهائية للانتخابات؛ ولا قوة خارجية تستطيع أن تدفع باتجاه هكذا خطوة ضاربة عرض الحائط بالقرارات الدولية التي تشترط إجراء أي انتخابات حسب القرارات الدولية، في بيئة آمنة محايدة ، وبرعاية وإشراف مباشر للأمم المتحدة؛ فلا يمكن أن تدفع بما يعاكس القرارات أو المنطق الذي يستند إليه هكذا استحقاق.
لا تغطية للشمس بغربال، فالحديث عن انتخابات رئاسية في سوريا الجريحة يملأ سماوات سوريا كما يملؤها دنس الجريمة المرتكبة بحقها. ولكن التجاذبات والصراعات القائمة، والعملية الدستورية، ومساعي الوصول إلى حل سياسي عبر مخرج يستند إلى التفكير خارج الصندوق يطرح استبعاد بشار الأسد من هكذا استحقاق، لأن استمراره يعني جرحاً سورياً مفتوحاً لا ينجز حلاً سياسياً ولا إعادة إعمار ولا عودة لاجئين؛ والأهم لا جنى سياسياً لموسكو من تدخلها في سوريا. فلا هي تستطيع حمل الدكتاتور، ولا هو يحقق لها ما تريد.
والحال هكذا، ربما جرى التفكير واتخاذ القرار بإنشاء هذه الهيئة، لتكون الاستعداد للحظة يتم الطلب فيها من السوريين الاشتراك انتخابياً في تقرير مصير بلدهم في بيئة آمنة محايدة؛ وكي لا يتم أخذهم على حين غرة في أمر ما تعودوا القيام به خلال عقود من الاستبداد والحكم الفردي المطلق.
لقد كان الإعلان متعجلا وغير مدروس ومبهم في بعض بنوده، وأتى في توقيت تنتشر حمى إعادة ترشيح بشار الأسد لانتخابات تشعر أكثر من نصف السوريين بالتهديد وضياع الحقوق والتآمر على قضيتهم، والمتمثلة بإعادة تأهيل نظام استبدادي دمر حياتهم وبيوتهم وشردهم وأذلهم.
من هنا كانت ردة الفعل عنيفة مشككة هجومية تخوينية ومحقة في بعض جوانبها؛ ولكنها من جانب آخر مستعجلة وارتجالية وقد لا تكون ذا فائدة.
أثار الحدث ردة فعل سلبية ساخطة عند السوريين خارج نطاق سيطرة النظام الأسدي قلَّ مثيلها. قرأ البعض القرار على أنه استعداد لخوض انتخابات بشار الأسد بعد أشهر؛ وبذا تتم شرعنة تلك الانتخابات وشرعنة فوز بشار الأسد المؤكد، بحكم معرفة السوريين بقانون ٩٩٪ السائد.
لم يشفع للائتلاف شروحاته وتوضيحاته اللاحقة؛ ومفادها أن لا يمكن القبول بترشح بشار الأسد، ويستحيل المشاركة بهكذا أمر، وخاصة أن هكذا إجراء مرفوض من قبل السوريين الذين لا يقبلون بقاتل أن يترشح، ومرفوض من قبل الأمم المتحدة وقراراتها بخصوص سوريا، والتي تشترط بأي انتخابات وجود بيئة آمنة ومحايدة، وإشراف للأمم المتحدة على العملية.
وصلت الحملة إلى درجة التخوين، ونبش المهاجمون ملفات تم شغلها بإتقان. كلل الهجوم مسحة من الحقد والكره للشخوص القائمين على هكذا خطوة. يخرج توضيح من أصحاب القرار، يتبعه فورياً نبش وتعليق وتحليل لمفردة أو عبارة هنا وهناك. يُزاح المشروع عن معرفات وسائط التواصل الخاصة بأصحاب قرار الهيئة، فيتم الدخول فورياً بالنوايا والمخططات الخفية، والمؤامرة على الثورة السورية وجمهورها. بدا أنه حتى ولو قرر من يقومون على ذلك القرار ترك أمكنتهم وبلد نزوحهم، هناك من هو مصرٌّ على ملاحقتهم إلى القبر.
يستنفر المنتقدون ويشنون هجومهم عبر وسائط التواصل ويقررون إيجاد جسم بديل لذاك الجسم الذي خرج بالقرار إياه، وتتكرر المحاولات التي أصبح عمرها سنوات؛ ترتفع حرارة الشباب يصدرون بيانات للتوقيع، يختلفون، تنخفض درجة الحرارة، تتم العودة إلى الصراخ الذي لا يتجاوز غرف “الوتس آب”.
أحد أوجه البراعة تمثلّت بتقديم فرضيات تقول إن وراء هذه الخطوة كذا، أو ليس وراءها كذا، بل إنها نابعة من كذا، وهذا عهدناه منذ زمن بمقاربات قضيتنا الضحية. ثم على الفور يعود هؤلاء لاستخلاصات واستنتاجات لا تخدم إلا تفكيرهم الخاص تحت يافطة المرافعة عن الثورة وعن القضية الوطنية، الأمر الذي يذكر باستخدام “الوطنية” لتصنيف خلق الله.
هناك مئة ثغرة وثغرة في الائتلاف وفِي أدائه؛ وهناك تكلس وبلادة وأنانية واستحواذ واستبعاد ومحاصصة… كل أمراض سورياً التي ولدتها خمسة عقود من الاستبداد تجد لها شيئاً من الترجمة في الائتلاف وما يقوم به، إضافة إلى بعض الأفراد الذين تجاوزوا بصغرهم ما عهده أي سوري، ولكن أن يتحول الشغل الشاغل لأحقاد وصغر وقصور معرفة البعض بحيث يطرب اأي عدو للقضية السورية لما يتفضلون به؛ فهذا أذى لكل سوري يريد أن يلملم جراح بلد وصل حالة الاهتراء.
في المحصلة النهائية، ربما يمضي من وَضَعَ القرار بخطته في التجهيز لخلق ما يعتقده حالة ديموقراطية تمكن الإنسان السوري أينما كان من ممارسة هذا الحق المقدس “الانتخابات”، الحق الذي طالما حُرم منه لعقود وسيكون صوته ترجمة لقيمة سُلِبت منه على يد الاستبداد وسينتخب من يثق به وبالتأكيد ليس في انتخابات رئاسية يكون فيها قاتله مرشحاً.
المصدر: موقع تلفزيون سوريا