إذا كنا على مشارف الحل السياسي في سورية، كما يتخيل مشاركون في اللقاءات التفاوضية الدائرة من حين إلى آخر، فهذا يعني أننا بحاجة إلى استثمار كل دقيقة من وقتنا في إعداد وضعنا الذاتي لملاقاة معركةٍ لا يجوز أن نخسرها، لأن خسارتها تعني خسارتنا الحرب التي خاضتها الأسدية ضد ثورة الحرية.
أما إذا كان المنخرطون في الصراع على بلادنا قد حصلوا مسبقاً على الحصص التي كانوا سينالونها بعد الحل، فهذا يُلزمنا، بالأحرى، ببذل جهدٍ مكثفٍ جداً من أجل أن تكون لنا حصة من وطننا، على عكس ما تقوله لنا اليوم نظرةٌ نلقيها على خريطته، فنجد أنفسنا إما ملحقين بأحد المتصارعين من الأجانب أو خارج القسمة الحاصلة. ويكون علينا، في الحالتين، الإفادة من الفسحة الزمنية غير القصيرة التي تتيحها حالنا الراهنة، لترتيب أوضاعنا، بحيث يحسب المتحاصصون حسابنا في بلادنا، فلا نخرج من ثورتنا على الاستبداد صفر اليدين، على الرغم مما قدّمه شعبنا من تضحيات يريد، ونريد، أن يكون عائدها مجزياً.
يضغط الوقت علينا بطرقٍ من غير المجدي أن تكون متقطعة وجزئية، شأن الخطوات التي تم القيام بها طوال حقبة ما بعد الثورة. ومن الضروري أن تعبر عن خطة سياسية متكاملة لا بد من بلورتها، ليكون حاملها الوطني أداة شعبنا السوري لبلوغ حقوقه، كما تعترف بها القرارات الدولية، بدءاً ببيان جنيف لعام 2012 إلى قرار مجلس الأمن 2118 لعام 2013 والقرار 2254 الذي صدر أواخر عام 2015. ولا بد أن يستند الحل النهائي عليها، وكذلك أي مسعى إصلاحي يطاول مؤسسات المعارضة المنظمة، ويمكن أن يترتب على جهود توحيد إجرائي للعمل العام والسياسي بين الأطراف الوطنية السورية التي عليها في الزمن المتبقي أن توحّد، قدر الإمكان، النخب السياسية والثقافية على أسس جامعة تحدّ من خلافاتها وتباين مواقفها وتخرجها من تبعثرها، وأن تعزّز تنظيمات المجتمع المدني المنتشرة داخل الأراضي غير الخاضعة للأسدية وخارجها، على أن تتعاون معها باعتبارها الحلقة الوسيطة التي تستطيع ربطها بالقطاعات المجتمعية والشعبية الواسعة التي حملت الثورة، وبقيت موالية لها، ولا مفرّ من إعادة تنظيمها وإطلاق حراكها السلمي والمدني/ الثوري، بحيث تنشأ ساحة سياسية تتكامل تراتباتها، وتعمل لهدف موحد، وتكون، لأول مرة بعد عام 2011، جسداً سياسياً فاعلاً وضارباً، لا يمكن للعالم تجاهله في أي حل سياسي، لأنه سيكون الطرف الثاني الذي تتحدّث القرارات الدولية عنه، بصفته جهةٍ لا يمكن بلوغ الحل من دون إسهامها، وقبولها. بما أن هذه الجهة مغيبة اليوم، فإن إعادتها إلى الحقل السياسي المقترح كقوة مجتمعية مدنية ديمقراطية الخيار سيحرّرها مما تبدو عليه اليوم كتلاً بشرية خاماً، لا تمثيل لها، يتحكم بها تنظيم جبهة النصرة بمختلف تفرعاته. لذلك، تعتبر استعادتها إلى الشأن الوطني السبيل الوحيد لاعتراف العالم بأن لها حقوقاً يجب أن تنالها، وأن نيلها مصلحة له أيضاً.
ستكون هذه الأرضية الحامل المناسب لإصلاح مؤسسات المعارضة، والذي لطالما دارت محاولاته في حلقاتٍ مفرغة، استنزفتها، بدل أن تشحنها بروح جديدة، وتزوّدها بما كانت تحتاج إليه دوماً من خطط وبرامج، تنهض بها طاقات مجتمعية يصير حضورها في الشأن الوطني العام تحدياً يصعب تجاوزه بالنسبة لأي طرفٍ معادٍ لثورة الحرية، بينما سيجد العالم نفسه أمام واقع كان يجب أن تؤسسه الثورة بعد انطلاقتها بقليل، لولا الافتقار العام إلى إدراك أبعادها الداخلية والإقليمية والدولية، وخصائص الحقبة الدولية التي واكبتها، وما كان لبيئتها الداخلية والخارجية من أثر سلبي عليها.
لا بد من المبادرة إلى تحقيق انطلاقتنا الجديدة بجميع ما لدينا من قدرات، فإلى متى، وماذا، ننتظر؟
المصدر: العربي الجديد