منذ ثلاثة اعوام واسم البروفسور طارق رمضان الداعية والمفكر والقيادي الاخواني البارز في اوروبا، يشغل الرأي العام، ويحتل حيزا واسعا من اهتمام وسائل الاعلام المرموقة والرصينة على خلفية اتهامات متعددة من نساء مسلمات فرنسيات وبريطانيات وأميركيات وسويسريات وعربيات باغتصابهن بطرق بالغة القسوة والوحشية. أثبت القضاء الفرنسي خمسا منها، واوقفه على ذمة التحقيق تسعة شهور، ثم أخلى سبيله بكفالة ضخمة. كما اتهمه القضاء السويسري بأربع جرائم اغتصاب.
واللافت للانتباه أن المنظمات الأخوانية التي اعتادت طوال ربع قرن تسويقه في مؤتمراتها وندواتها الفكرية والدعوية لجماهيرها وتباهي به في الأوساط الأوروبية ، كمفكر اسلامي كبير ، صمتت صمتا مريبا على فضائحه التي اعترف هو نفسه بعدد منها ، كأن الأمر لا يعنيها ، وليست مضطرة للتبرؤ منه أو إدانة سلوكه المشين . وهو موقف يسيء لها ، بلا شك ، ولا يعفيها من المسؤولية ، بل يثبته ويزيدها ، ويلقي أسئلة كثيرة عن مدلولات سلوك الداعية الكبير والقيادي الرفيع في صفوفها .
فما هي قصة هذا الرجل الذي يشار له دائما كحفيد للإمام حسن البنا مؤسس “الجماعة” وكان والداه من الأسماء التاريخية البارزة في جماعة الأخوان منذ ثمانين سنة ..؟
والى أي حد تعتبر الاتهامات الموجهة له من القضاء الفرنسي والسويسري حقيقية وثابتة وليست مفبركة ؟
وما دلالات هذا السقوط الفاجع لأحد أبرز نجومها الفكريين ؟ وما دلالات الخرس الاخواني عن جرائمه ؟
من هو ؟ :
الدكتور طارق رمضان هوأحد ولدين للقيادي الأخواني العريق سعيد رمضان الذي كان سكرتيرا ومساعدا لحسن البنا حتى وفاته . ويبدو أنه بحكم هذه الصلة تزوج من ابنة الامام السيدة وفاء ، منذ اربعينيات القرن العشرين . وهرب الزوجان سعيد ووفاء من مصر الى سويسرا في الخمسينيات أثناء الصدام بين الجماعة ونظام ثورة 23 يوليو على إثر محاولة الاخوان اغتيال الرئيس جمال عبد الناصر . وحصلا على حق اللجوء السياسي في سويسرا ، وأقاما في جنيف طوال العقود اللاحقة ، ثم حصلا على الجنسية السويسرية . وولد لهما ولدان هما طارق وهاني فقط . (وهاني رمضان هو حاليا رئيس مركز جنيف الاسلامي) .
ولد طارق عام 1962 ، ودرس الأدب الفرنسي والفلسفة والدراسات العربية والاسلامية في جامعة جنيف ، وحصل على الدكتوراه منها ، ثم سافر الى مصر في التسعينيات ودرس الشريعة الاسلامية في الأزهر . عمل مديرا لمدرسة سوسور في سويسرا ، ثم محاضرا زائرا في جامعة اكسفورد في بريطانيا ، واختارته الحكومة البريطانية عام 2005 عضوا في لجنة شكلها رئيس الحكومة البريطانية توني بلير لدراسة ظاهرة التطرف الاسلامي في أوروبا . زار الولايات المتحدة وحاضر في بعض جامعاتها وتعرض لحملة معادية له خلال حكم بوش الابن ، ومنع من دخول أميركا . ، عمل مدرسا في جامعة قطر ، ورئيسا لمركز دراسات التشريع الاسلامي والاخلاق . ومستشارا لبعض المنظمات القطرية . وكانت له علاقات مع جامعات في دول عديدة مثل ماليزيا واندونيسيا . وصنفته بعض المؤسسات في الغرب واحدا من أكثر مائة شخصية اسلامية مؤثرة في العالم ، وواحدا من أبرز المفكرين المسلمين المجددين في العصر الحاضر .
كتب وأصدر حتى الآن حوالي أربعين كتابا ، أكثريتها باللغة الفرنسية ، وقليل منها بالانجليزية والأسبانية ، ترجم بعضها للغة العربية ، أهمها ثلاثة كتب هي : المسلمون في ظل العلمانية . مسلمو الغرب ومستقبل الاسلام . وحوار حول الاسلام ، بينه وبين آلان غريش .
شارك في فعاليات الجمعيات والمنظمات والمؤتمرات التي تديرها جماعة الاخوان المسلمين في اوروبا ، مثل المؤتمر السنوي لاتحاد المنظمات الاسلامية في اوروبا ، وهو عضو في الاتحاد العالمي للعلماء المسلمين .
تربطه علاقة وثيقة وخاصة بالدولة القطرية ، ويتلقى منها مبالغ مالية كبيرة شهريا . وفي 5 أبريل 2019 كشفت صحيفة ليبيراسيون أن رمضان الذي كان يدير ( مركز دراسات التشريع الاسلامي والاخلاق ) في الدوحة عام 2012 يتلقى حتى الآن مرتبا شهريا مريحا. وأضافت الصحيفة الفرنسية اليسارية إنها إطلعت على مذكرة خاصة لوكالة (تراكفان) الرسمية التابعة لوزارة الاقتصاد والمال في فرنسا ، والمتخصصة بمكافحة غسيل الأموال وتبييضها ، والاحتيال المالي ، وتمويل الارهاب ، تؤكد – الوثيقة – أن رمضان يتلقى شهريا 35 الف يورو من قطر ، لقاء خدماته كمستشار لمؤسسة قطرية ، متهمة بأنها إحدى قنوات قطر الدولية ، التي تستعمل لتمويل منظمات اسلامية متطرفة في فرنسا واوروبا ، وكلها منظمات مرتبطة بجماعة الاخوان .
وطارق رمضان البالغ من العمر حاليا 58 عاما متزوج وله أربعة أبناء .
الفضيحة :
في نهاية 2017 انفجرت فضيحة مدوية تضرب صورة طارق رمضان كمفكر وأكاديمي اسلامي وكداعية ورمز اخواني إصلاحي معروف على المستوى العالمي بكل ما تعني هذه المفردة .
تقدمت سيدة عمرها أربعون عاما تدعى هندا عياري بشكوى أمام النيابة العامة الفرنسية تتهم طارق باغتصابها والاعتداء عليها جنسيا . والسيدة هندا مسلمة ومن اصل عربي ، وترأس جمعية تعنى بحقوق المرأة المسلمة في فرنسا . وجاء في الشكوى أن طارق تعرض لها بالتحرش والتهديد ، واستخدم العنف معها لإجبارها على الرضوخ لرغبته في ممارسة الجنس . وأصدرت المرأة كتابا عن حياتها الخاصة كشفت فيه قصة اغتصابها بالتفصيل .
ورد طارق رمضان على الادعاء بواسطة وكيله القانوني المحامي ياسين بوزرو نافيا الاتهام من أساسه ، وأنذر المدعية بملاحقتها قضائيا بجريمة الافتراء . وبعد تحقيقات أولية واستجواب النائب العام للمدعية والمدعى عليه ، قرر توقيف الاستاذ الجامعي السويسري احتياطيا ، وضمت الى ملف دعوى المدعية هندا عياري اتهامان سابقان لطارق رمضان يعودان الى عام 2009 و2012 .
وفي 23 أكتوبر 2018 أضطر طارق للاعتراف بإقامة علاقة جنسية مع الامرأتين ، إلا أنه شدد على أن تلك العلاقة تمت بالتراضي وليس اغتصاباً بالقوة . وجاء هذا الاعتراف المثير والأول من نوعه بعد كشف القضاء في نهاية سبتمبر من نفس العام عن مئات الرسائل الهاتفية القصيرة ، من هاتف قديم لاحدى الضحايا الثلاث .
وفي 2 ديسمبر 2018 كشفت صحيفة ” لو جورنال دو ديمانش” عن العثور على 776 صورة إباحية وجنسية محفوظة في هواتف وحواسيب ووسائط حفظ البيانات الخاصة بالمتهم .
وكرت سلسلة الفضائح ، وشجع توقيفه ضحية أخرى تدعى منية ربوج للتقدم بشكوى الى القضاء ، وكشفت أن المفكر المرموق اغتصبها تسع مرات بين عامي 2013 و2014 ، أثناء لقاءات تمت بينهما في فرنسا وبلجيكا وبريطانيا . ولم يستطع المتهم نفي اتهامات هذه المرأة ، ولكنه قال إن ممارسة الجنس معها تمت بشكل رضائي .
ثم ظهرت أدلة جديدة واعترافات بارتكابه جرائم اغتصاب مماثلة لسيدتين وقعت خلال 2015 و2016 ، والمثير أن طارق رمضان قدم الى القضاء طوعا 300 فيديو و1000 صورة تثبت علاقاته الجنسية مع المدعيات ليثبت أنها تمت بصورة رضائية ، فينجو من الادانة بجرائم الاغتصاب بالقوة .
وفي 2018 ظهرت ضحية جديدة ، سيدة سويسرية تدعى بريجيت ، قالت في شكواها للنيابة العامة السويسرية إن د . رمضان استدرجها في اكتوبر 2008 الى غرفته في فندق بجنيف ، وقام باغتصابها مستعملا العنف والضرب المبرح والشتائم البذئية لكي ترضخ لرغبته ، وقام بممارسات شنيعة أثناء اغتصابها . وتم استجواب المرأة أمام قاضي التحقيق في فرنسا بحضور ممثل للنيابة العامة السويسرية ، لأن رمضان ممنوع من مغادرة فرنسا حتى تنتهي محاكمته .
وللدفاع عن موكلها ، قدمت محاميته صورا للرسائل التمبادلة بينه وبين بريجيت ، وهي رسائل حميمية كتبتها له بعد حادثة الاغتصاب ، مما يعد قرينة على نفي تهمة الاغتصاب العنيف ، ولكنها لا تنفي ( انحطاط ) سلوك رجل في مثل سنه ، وموقعه الفكري والمهني ورمزيته الاسلامية !
وفي العام ذاته وأثناء توقيف رمضان ، ظهرت جهة جديدة تدعي عليه بنفس الجرم إذ تقدمت محامية أميركية تدعى ربيعة شودري ( باكستانية الأصل ) ببلاغ ضد رمضان أمام القضاء الاميركي بسبب اقترافه جريمة اغتصاب في أميركا لموكلتها التي رفضت الافصاح عن اسمها الصريح . وكتبت المحامية على صفحتها على فيسبوك ( إن المتهمين غيابيا لا يمكن أن ترفع ضدهم أكثر من دعوى في بلدان متعددة ، أعلم أن الأمر يصعب تصديقه خصوصا من قبل الجاليات المسلمة في فرنسا ، ولكننا لا نستطيع التصرف كما تتصرف النعامة ، وندفن رؤوسنا في التراب . سوف يتم سجن رمضان لفترة ما ، وهذه هي على الأرجح العدالة ) .
واتسع نطاق فضائح طارق رمضان عالميا ، فبعد سويسرا واميركا انضمت بلجيكا لقائمة الدول المعنية . إذ نقلت وكالة فرانس برس في 6 أبريل 2018 تصريحا عن لوك هيدار رئيس محكمة البداية في بروكسيل كشف فيه أن طارق رمضان دفع عام 2015 مبلغ (27000) يورو لامرأة مغربية بلجيكية مقابل أن تصمت على علاقته الجنسية السابقة معها ، بعد أن باشرت بنشر تفاصيل علاقتها معه ، وسيطرته النفسية عليها بواسطة رسائل غرامية عبر الانترنت . ووافقت السيدة التي تدعى برنوسي على حذف ما نشرته والامتناع عن تهديده بفضح علاقتها به ، وتهديد أسرته ، وألا ترسل أي رسائل مسيئة له ، وقد تمت الصفقة بشكل رسمي وبموجب عقد مكتوب وموثق ، بحسب موقع ميديا بارت .
يذكر أن طارق رمضان الذي تم توقيفه في فرنسا على ذمة القضايا المرفوعة ضده من نساء في فرنسا وسويسرا والولايات المتحدة ظل محتجزا في سجن فرين منذ فبراير 2018 حتى منتصف نوفمبر 2018 ، وأخلي سبيله بكفالة ضخمة بلغت 300 الف يورو مدفوعة ، وبشرط عدم مغادرة فرنسا قبل صدور الحكم النهائي ، وسحبت المحكمة منه جواز سفره السويسري ، وألزمته بمراجعة الشرطة مرة كل اسبوع ، في مكان اقامته في فرنسا . وقد وكل رمضان فريقا من المحامين للدفاع عنه . وبعد عام كامل من الانكار ونفي الاتهامات الموجهة له بأي علاقات جنسية مع الضحايا الخمس ، اعترف أخيرا بإقامة علاقات جنسية معهن ، ولكنه زعم مجددا إنها كانت علاقات بالتراضي ، وليست بالقوة والاكراه .
وفي سبتمبر 2018 أجرى القضاء الفرنسي مواجهة بين المتهم وإحدى الضحايا ، وهي فرنسية تدعى كريستيل ، تعاني من إعاقة دائمة ، وواجهته مؤكدة أنه اغتصبها في فندق في مدينة ليون عام 2009 وأنه استغل عجزها الجسدي ليرتكب جريمته . أما رمضان فتمسك بأقواله السابقة زاعما أنه مارس الجنس معها برضاها . وتعليقا على ذلك قال محامي المدعية الأولى هندا العياري إن طارق كاذب ، دأب على الكذب والانكار منذ البداية ، وظل عاما كاملا ينفي أي علاقة جنسية معهن ، ثم اعترف بالعلاقات الجنسية زاعما أنها تمت برضاهن ، أي أنه ما زال يكذب حتى الآن ، لأن شهادات المدعيات المختلفات تؤكد أنه استعمل العنف معهن .
وفي بريطانيا أوقفت جامعة اكسفورد طارق رمضان عن العمل . وطالبت منظمة حقوقية نسائية بريطانية بمنعه عن العمل والنشاط الأكاديمي ، طالما استمرت الدعاوي منظورة أمام القضاء ، وحتى تتبين الحقيقة .
وعندما تعرض طارق لسيل من الشتائم والرسائل المسيئة من الرأي العام ، بسبب جرائمه وتساؤلات متكررة عن تبريره لهذه السلوكيات القبيحة ، لم يجد الأكاديمي والمفكر الاخواني سوى القول إنه انسان ، ومن الطبيعي أن يضعف ويقيم علاقات جنسية مع النساء برضاهن. وقال هذا عمل قبيح ولكنه شائع ، ولا يعني أنه غير مسلم !
المصدر: الشراع