على وقع معارك أرمينيا وأذربيجان، يعود في سوريا ولبنان إحياء نظرية تلازم المسارين، أو تلازم المسار والمصير. قبل أسابيع، سئل رئيس الجمهورية اللبنانية ميشال عون عن مدى استعداد لبنان للدخول في مفاوضات سياسية مع إسرائيل، فأجاب الرئيس اللبناني:” حسب، هناك ملفات خلافية بين الطرفين أبرزها عملية ترسيم الحدود، لا بد من حلّها”.
أوحى عون بأن المشكلة مع إسرائيل تقنية وليست وجودية، كذلك الأمر بالنسبة إلى بشار الأسد الذي عندما سئل السؤال نفسه، أجاب بأنه لا بد من التفاوض على استعادة الأراضي السورية المحتلة، وبعدها يمكن الدخول في محادثات سلام، والأفظع في ما قاله الأسد إن إسرائيل هي التي لا تبدو جدية في مفاوضات السلام، ما يعني أنه لا يمانع، إذا وافقت إسرائيل.
لا ينفصل الموقفان اللبناني والسوري عن بعضهما بعضا، وسط نصائح كثيرة روسية وغير روسية بالدخول في مفاوضات، مؤشرات كثيرة تفيد بأن الأسد سيبدأ بهذه المفاوضات كما أن لبنان بدأ مفاوضات ترسيم الحدود مع إسرائيل، وهنا لا بد من الأخذ في عين الاعتبار الموقف والدور الروسيين، وهو دور اضطلع به وزير الخارجية سيرغي لافروف الذي عيّن مبعوثاً خاصاً له إلى سوريا، كما يزور لبنان آخر الشهر الحالي. كل ذلك يأتي بنتيجة عدم قدرة روسيا على حماية حلفائها. وهنا لا بد من العودة إلى مسار سنوات من الأحداث المشابهة.
عندما دخلت روسيا إلى جورجيا في العام 2008، وقفت أرمينيا إلى جانب روسيا، الموقف نفسه اتخذته أرمينيا في إطار الصراع على أوسيتيا وأبخازيا. بينما اليوم جورجيا تمنع الطائرات الروسية من المرور في أجوائها للعبور إلى أرمينيا. وعندما دخلت روسيا إلى شبه جزيرة القرم تحولت العلاقات التركية الأوكرانية إلى ممتازة في إطار التحالف العسكري، وعندما ضمّت إسرائيل الجولان كانت أرمينيا قد اتخذت موقفاً مؤيداً لخطوة الضم، بينما اليوم الطائرات الإسرائيلية هي التي تضرب أهدافاً أرمينية في أذربيجان.
أصبح الأرمن في معركة ليس لديهم فيها أي حليف إلا روسيا وإيران غير القادرتين على اتخاذ مواقف تُميل الدفة لصالحهما. خطّ الأنابيب الآذري الذي يصل إلى تركيا يمر عبر جورجيا. كل ذلك يقود إلى قناعة راسخة لدى المسيحيين المشرقيين الذين ارتكبوا الأخطاء القاتلة، بأنه بإمكانهم فعل ما يريدونه على صعيد التحالفات، وبما أنهم يتحالفون مع إيران فكل شيء سيسير على ما يرام، كما أنهم يرتكزون في رهانهم على الدعم الغربي إلى معادلة “الشفقة” والاستضعاف، وبسبب استضعافهم فإن الغرب سيكون داعماً لهم.
ولكن إيران التي لم تحم المسيحيين في أرمينيا المعادين للغرب، حتماً لن تتمكن من حماية المسيحيين في لبنان الذين يحبذون النموذج الغربي. هذه قراءة سيدرسها المسيحيون المشرقيون بعناية بعد ما يجري في تلك المنطقة، ومن الواضح أن مواقفهم العنيفة تغيب في هذه المرحلة، التي ستشهد تحولات سياسية كبيرة على صعيد التحالفات، وخصوصاً كل من تحالف مع روسيا وإيران.
سيكون للانتصار التركي في أذربيجان وناغورنو كره باغ، انعكاس كبير على الواقع السوري. هذا الانعكاس سيتبلور أكثر مع موعد الانتخابات الرئاسية السورية، وبحال أصرّ الروس على دعم الأسد، عندها لن يكون هناك أي إمكانية للحل في سوريا، ما يعني انتهاء كل المحادثات الدولية، من جنيف إلى سوتشي إلى آستانا. وسقوط هذا الحل سيؤدي إلى تشظي الجغرافية السورية، وتثبيت المنطقة الكردية والمنطقة التركية والمنطقة الروسية، في حين يبقى بشار الأسد في المنطقة العلوية لا خلاص إلا إسرائيل مع الاحتفاظ بنفوذ معين في دمشق.
سيكون أمام بشار الأسد أمل وحيد، وهو الدخول في محادثات سلام مع إسرائيل، وثمن السلام سيكون لدعم النظام السوري، وسينعكس بنفس الوقت سلباً على إيران. وقد استدرك الأسد في الأيام الماضية موقفه بشأن محادثات السلام بناء على نصائح وضغوط كثيرة على رأسها الضغوط الروسية. ولذلك سيكون تأثير مباشر على السياسة الروسية في لبنان مع قدوم سفير جديد، بخلاف السفير القديم الذي استمر بسياسة تقوم على ما قبل سقوط الاتحاد السوفييتي. سيكون تعاطي السفير الجديد بديناميكية واسعة بخلاف المواقف المؤيدة للممانعة التي كان يتخذها السفير السابق.
الانتخابات الأميركية هي المفصل، بحال عاد ترامب، ستزيد نسبة الضغوط على إيران والنظام السوري، وبحال انتخب جو بايدن لن يزيد من الضغوط ولكنه لن يكون قادراً على إلغاء مفاعيل القرارات التي اتخذها ترامب. القاسم المشترك بين ترامب وبايدن، وبين كل دول العالم هو إسرائيل التي يحرص الجميع على توفير كل مقومات حمايتها، ما يعني أن هذا المسار من الضغوط في سبيل إسرائيل لن يتوقف بتغيّر ساكن البيت الأبيض.
المصدر: موقع تلفزيون سوريا