يتساءل المراقبون عما إذا كانت زيارة اسماعيل هنية قائد سلطة غزة قبل حوالي شهر الى العاصمة اللبنانية ضمن جولته الثلاثية بين الدوحة واستانبول وبيروت قد سرعت بإطلاق عملية التفاوض بين لبنان واسرائيل بوساطة أميركية لوضع اطار لاتفاق ترسيم الحدود ؟
أكثر من مراقب ومحلل ربط مفاجأة المفاوضات التي أعلن عنها الرئيس نبيه بري قبل اسبوع بزيارة زعيم حماس وانعقاد مؤتمر الأمناء العامين في بيروت بترتيب بين هنية وحزب الله .
فما هي الحقيقة ..؟
جاءت زيارة اسماعيل هنية الى بيروت الشهر الماضي كمحطة ثالثة وأخيرة ، في اطار جولة له على الدوحة واستانبول ، ولكنها كانت أكثر أهمية من سابقتيها وتعددت “رسائلها ” وموضوعاتها ومراميها، لا سيما أنها تمت في فترة حافلة بالتطورات الساخنة والخطيرة على الساحتين اللبنانية والاقليمية، بما فيهما احتمال وقوع مواجهة عسكرية عنيفة وكبيرة بين اسرائيل ، وكل من حزب الله وغزة .
وصل هنية الى بيروت قادما من استانبول ، وهذه أولى “الرسائل” التي حملتها الزيارة الى العالم ، ومفادها أن تركيا داعمة ومؤيدة لمهمة القائد الفلسطيني في لبنان ، لا سيما إذا علمنا أن أردوغان أعطى هنية عدة ملايين من الدولارات نقدا ، فأنفقها في لبنان .
لم يعلن مسبقا أي نبأ عن الزيارة ، ولا عند وصول الزائر . الخبر الأول لوصوله اقترن بخبر اجتماعه الأول مع أمين عام حزب الله ، مما خلق انطباعا بأن الزيارة تمت بتنسيق ورعاية الحزب الحليف ، وأن هنية ضيف نصر الله . ويمكن وصف اللقاء بينهما بأنه لقاء قمة بين أبرز زعيمين ، في محور المقاومة المحاذية لكيان العدو جنوبا وشمالا ، وكأن الاثنين يدشنان بهذه الزيارة وحدة قتالية علنية ، يخططان معا لمواجهة العدو الاسرائيلي في حرب واحدة ، وهذا هو المعنى الوحيد للتهديدات التي أطلقها هنية من لبنان بلغة تصعيدية . فالتصريح بعد اللقاء المهم أعطى رسالة واضحة الى الاطراف الدولية ، وخاصة واشنطن ، مفادها أن أي اعتداء على لبنان سيجابه برد من الطرفين ، والعكس بالعكس طبعا . وهذه الرسالة تؤكد أن ( حلف المقاومة ضد اسرائيل ) يواصل التعامل مع لبنان كقاعدة ومنصة للمقاومة ، وغير مستعد للمساومة أو الانحناء لعاصفة التهديدات الاسرائيلية ، والمناشدات لمبادرة تحييد لبنان ، التي أطلقها البطريرك الماروني بشارة الراعي .
فقرة زيارة هنية الى مخيم عين الحلوة واستقباله الشعبي المفعم بالحماسة والحرارة (المرتبة سلفا ) بدعم من حزب الله والعديد من الفصائل الفلسطينية انطوت على معنى آخر ، ورسالة ثالثة مهمة .
لقد أراد هنية القول إن الوجود الفلسطيني في لبنان سيستعيد قوته وفاعليته على ساحة المقاومة والقتال ضد اسرائيل كما كان قبل 1982 ، ولذلك خاطب هنية الجمهور الذي استقبله في المخيم ، كما كان يفعل الزعيم الراحل أبو عمار ، وأعلن هنية بأن الفلسطينيين في لبنان جزء من حلف المقاومة بقيادة حزب الله ، وهو بهذا يقدم دعما فلسطينيا للحزب خصوصا بصفتهم كتلة سنية كبيرة في لبنان ، وليست جزءا من كتلة السنة التي يمثلها الآخرون ، وخصوصا “الحريرية السياسية” . وذكرت صحيفة اسرائيلية أن هنية قدم جزءا كبيرا من الملايين التي حصل عليها من اردوغان الى المخيمات والفصائل الفلسطينية في لبنان عربونا لعلاقة جديدة وتدعيما لزعامته كفلسطيني وحمساوي .
ويمكننا ملاحظة بعد آخر لزيارة هنية لمخيم عين الحلوة بدعم وترتيب من بعض الفصائل وحزب الله ، أن هذه الأطراف تدعم سعي حماس لتسلم سلطة الإشراف وقيادة المخيمات الفلسطينية في لبنان ، بدلا من السلطة الوطنية ومن فتح . ويلتقي هذا المسعى الحمساوي مع المسعى الآخر الذي طرحته بشفافية تامة كلمة هنية أمام اجتماع الأمناء العامين للفصائل الفلسطينية كافة ( 14 فصيلا ) حيث أبدى استعداد الحركة للانضمام الى منظمة التحرير الفلسطينية ، بعد رفض استمر طوال الأعوام الماضية . فهنية خاطب القادة الفلسطينيين بلغة تصالحية وتوافقية ، ودافع عن سياسة سلطة غزة ، نافيا الرغبة في الانفصال عن الضفة ، واكد اعترافه بشرعية محمود عباس رئيسا لكل الفلسطينيين . ولم يقلل من أهمية وصدقية هذا الخطاب سوى أن هنية ومشعل وبقية قادة حماس كرروه مرات كثيرة منذ قمة مكة عام 2007 حتى اليوم ، كما كرروا عقد اتفاقات مصالحة مع سلطة ابي مازن ، ثم نقضوها وتراجعوا عنها بذرائع واهية ، لم يعد الشارع الفلسطيني يصدقها ، وبات الناس جميعا يعرفون أن حماس تريد تكريس استقلال إمارتهم الغزاوية الاسلامية المستقلة واقعيا وبدون اعلان رسمي صريح ، لتكون قاعدة إضافية لمحور المقاومة في الاقليم ، مثلها مثل لبنان وسورية والعراق واليمن . وقد كشفت صحيفة (اسرائيل اليوم ) وجود فريق من خبراء حماس الفلسطينيين العسكريين في اليمن تساعد الحوثيين في حربهم ، وتتعلم منهم بعض الخبرات العسكرية !
والمحصلة أن زيارة لبنان بعد زيارة استانبول وانطلاقا من الدوحة ، جعلت الجولة الثلاثية المحطات ( مبادرة ) أكثر مما هي زيارة منفردة ، بل حركة مدروسة بعناية من “محور المقاومة” وقيادته الاقليمية بقيادة ايران ، عنوانها ، أن المحور يواصل تقدمه، ولم يتراجع بعد الضربات التي تلقاها في سورية ولبنان سياسيا وعسكريا ، وأن كافة الفصائل الفلسطينية ، لا حماس فقط مع هذا المحور ، أو تتقارب معه ، من فتح الى الجبهات الشعبية، ناهيكم عن الجهاد الاسلامي .
ويبدو أن جميع هؤلاء بقيادة عباس أرادوا توجيه رسالة احتجاج غاضبة من الفلسطينيين الى الدول العربية كافة ، ردا على الاعتراف باسرائيل ، ورفض الجامعة العربية إدانة الخطوة ، وعدم ظهور رد قومي يتكافأ مع حجم الخطوة واهميتها وأثرها السلبي وإيحاءاتها المستقبلية على المستوى العربي .
ثمة ما يدعو للاعتقاد أن هناك تقبلا فلسطينيا ، أكثر من ذي قبل ، بأن تتولى حماس قيادة الشعب الفلسطيني في المرحلة القادمة ، أو على الأقل أن تكون شريكة لفتح في القيادة ، وربما أمكن القول إن هذه الأطراف كلها عمّدت اسماعيل هنية قائدا للمرحلة القادمة بدعم من تركيا وقطر وبشكل أقل إيران !
أي أن الراجح هو أن انتخابات حماس القادمة بعد شهرونيف ، باعتبارها محركا رئيسيا لجولة هنية ، قد انحسمت قبل أن تجري ، والناخبون الحقيقيون هم أطراف المحور المذكور لا أعضاء حماس وكوادرها !
المصدر: الشراع