بعد أيام من الاشتباكات بين مليشيا “الدفاع الوطني” في محافظة السويداء ذات الغالبية الدرزية من السكان وبين مسلحي “اللواء الثامن” التابع لـ”الفيلق الخامس” الموالي للجانب الروسي المتمركز في بلدة بصرى الشام في ريف درعا الشرقي، نشر النظام السوري قواته على الحدود الإدارية بين المحافظتين. وذكرت مصادر إعلامية تابعة للنظام، أن الأخير نشر قوات وأقام حواجز على الحدود الإدارية بين محافظتي السويداء ودرعا، مشيرة إلى انتشار عناصر مشاة في قرى عدة داخل محافظة السويداء. لكن مصادر محلية أكدت أن الانتشار “محدود”، في ظل مخاوف جدية من محاولة جديدة من النظام لتأجيج التوتر في المنطقة، بغية خلق ذريعة تمكنه من فرض سيطرة كاملة، خصوصاً على ريف درعا الشرقي، المحكوم حتى اللحظة باتفاق تسوية أُبرم في منتصف عام 2018 مع الجانب الروسي.
وأشارت مصادر محلية لـ “العربي الجديد” إلى أن قوات النظام السوري نشرت وحدات لها، أول من أمس الأحد، في محيط بلدة القريا وقرية صما الهنيدات بريف السويداء الجنوبي، عقب أيام من الاشتباكات. وكانت مليشيا “الدفاع الوطني” ومليشيات أخرى، منها “رجال الكرامة”، شنّت يوم الثلاثاء 28 سبتمبر/أيلول الماضي هجوما على نقاط عسكرية متقدمة لـ “اللواء الثامن” غربي بلدة القريا جنوبي السويداء، من الجهة الشرقية لمدينة بصرى الشام بريف درعا الشرقي. واستمرت المواجهات طيلة النهار، وأسفرت عن مقتل نحو 15 مسلحاً، وإصابة العشرات من المهاجمين، في حين قُتل مسلّح واحد من “اللواء الثامن” الذي يقوده القيادي السابق في الجيش السوري الحر أحمد العودة، الذي يُنظر إليه باعتباره “رجل روسيا” في الجنوب السوري.
وعلى الرغم من انتشار قوات النظام، إلا أن الترقب الحذر لا يزال سيد الموقف بين المحافظتين، وفق مصادر محلية واصفة الانتشار بـ”المحدود”، مضيفة، أنه “لا يتناسب مع حجم المخاطر، تحديداً لجهة الانجرار للفتنة بين المحافظتين الجارتين”.
في هذا الصدد، ذكر موقع “السويداء 24” المحلي، أن الأمير لؤي الأطرش وهو من الزعماء التقليديين في المحافظة الموالين للنظام السوري، أصدر أول من أمس الأحد، بياناً حذّر فيه “من التمادي الحاصل في بلدة القريا والسيطرة على بعض الأراضي فيها بحجج كاذبة، کوضع نقاط للمجموعات الإرهابية داخل أراضيها والوجود المسلح لهم بحجة حماية حدودهم”. ودعا الأطرش أيضاً من أسماهم “الحكماء والوجهاء ورجال الدين”، في محافظة درعا إلى “إعلاء صوت الحكمة والحق، وتحكيم العقل والمنطق فيما حصل وقد يحصل، بين القريتين الجارتين بصرى والقريا”.
ومن الواضح أن النظام يريد الاستثمار في الأحداث الجارية بين المحافظتين، لخلق ذرائع ميدانية تمكنه من إخضاع ريف درعا الشرقي، المحكوم حالياً باتفاق تسوية أبرمه أحمد العودة مع الجانب الروسي في منتصف عام 2018، الذي أنهى القتال بين المعارضة السورية والنظام. وتجنبت المعارضة السورية في ذاك العام عملية عسكرية واسعة النطاق كانت تهدد قوات النظام ومليشيات إيرانية مساندة لها في الجنوب السوري بشنها على محافظتي درعا والقنيطرة، تحت غطاء ناري روسي، ولكنها سلمت في المقابل ما لديها من أسلحة ثقيلة، بينما اضطر المعارضون للتسوية من مدنيين وعسكريين لترك بلداتهم وقراهم والاتجاه إلى الشمال السوري.
ومنذ ذلك الحين يعمل النظام على تهيئة كل أسباب التوتر بين محافظتي درعا والسويداء اللتين شهدتا عمليات خطف متبادل واسعة النطاق. ولا تزال عمليات الخطف جارية بين الطرفين وهو ما يعزز احتمال تجدد الاقتتال بين مسلحي المحافظتين. وذكر “تجمع أحرار حوران” أن وتيرة الخطف زادت عقب أحداث 28 سبتمبر، مشيراً إلى أنه وثّق اختطاف 5 مدنيين و3 مفقودين من أبناء درعا، في سبتمبر الماضي، وأفرج عن شخصين أحدهما اختُطف، في أغسطس/آب الماضي، وأُطلق سراحه مقابل فدية مالية كبيرة، وفق “تجمع أحرار حوران”.
من جهته، اعتبر الناشط أبو حسن شبلي في حديث لـ”العربي الجديد” أن “انتشار جيش النظام بشكل محدود في محيط القريا وصما الهنيدات المواجهة لمدينة بصرى، هو نتيجة للفتنة التي خططت لها إيران والنظام”. ورجح أن تكون الأحداث التي عصفت بمحافظتي درعا والسويداء الأسبوع الماضي “تمّت برعاية الروس من أجل السيطرة على المنطقة”، محمّلاً “اللواء الثامن” التابع لـ”الفيلق الخامس” مسؤولية ما سمّاها بـ “الفتنة”، إضافة إلى “حركة رجال الكرامة” التي “وُرطت بهذه الأحداث”.
وأعرب شبلي عن اعتقاده بأن انتشار قوات النظام بين المحافظتين هي “المرحلة الأولى من نتائج الفتنة”، مضيفاً: بينما ستكون المرحلة الثانية إقحام رجال الكرامة وغالبيتهم من رافضي الخدمة لدى النظام، في أتون حرب مع درعا، تحت ذريعة استرجاع أراضٍ من بلدة القريا تحت سيطرة “اللواء الثامن”. وكشف شبلي أن حزب الله ومليشيات إيرانية تنتشر في الجنوب السوري “سلّحت شباناً من القريا من أجل تأجيج الصراع الأهلي في جنوب سورية، وخلق فتنة ما بين السنّة والدروز المستفيد الوحيد منها، هو النظام والإيرانيون”.
المصدر: العربي الجديد