معهد دراسات الحرب: هجوم النظام على إدلب قد يكون وشيكًا

   مترجم عن معهد دراسات الحرب ISW

يوجد احتمال بأن تركيا قد وافقت على التنازل عن السيطرة على مناطق في جنوب إدلب للقوات الموالية للأسد في اجتماع مع روسيا في 16 أيلول/سبتمبر 2020، وإذا كانت المعلومات عن اتفاق كهذا صحيحة، فمن المحتمل أن يكون هجوم الأسد على إدلب وشيكًا.

قوات المعارضة المدعومة من تركيا والعناصر المنسوبة إلى القاعدة قد تقاتل ضد تقدم قوات النظام المدعومة من روسيا حتى لو لم تتمتع بالدعم التركي.

المنطقة التي من المرجح أن تركيا تنازلت عنها هي المنطقة الواقعة جنوب الطريق السريع M4، وهي ذات المنطقة التي وافقت تركيا على السماح بمرور دوريات روسية فيها في آذار/مارس 2020، مع الاحتفاظ بقواتها فيها أيضاً، ومن ضمنها وحدات المدفعية، مما حال دون سيطرة النظام بالكامل على المنطقة.

حذر معهد دراسات الحرب (ISW) في 18 آذار/مارس 2020 من أن هذا الوضع غير قابل للاستمرار، لأن القوات المرتبطة بالقاعدة ترفض الوجود الروسي.

من المحتمل جداً أن تواجه تركيا رد فعل عنيف من العناصر المنسوبة للقاعدة، والمدنيين المحليين، وحتى قوات المعارضة المدعومة منها بسبب تفاوضها (تفريطها) بالأراضي التي تسيطر عليها المعارضة.

مدخل

أفادت وكالة الأخبار الروسية “ريا نوفوستي” -المملوكة للدولة-، أن تركيا وافقت على خفض أعداد القوات في إدلب وسحب جزء من المدفعية الثقيلة، لدى اجتماع وفدين عسكريين: تركي وروسي، في أنقرة في 16 أيلول/سبتمبر 2020 لمناقشة الوضع في سوريا.

مصادر أخرى، من ضمنها وسائل إعلام تركية و صحيفة “الشرق الأوسط” -ذات المصداقية عادة-، أيدت ما أوردته وكالة الأخبار الروسية.

انسحاب القوات التركية المتفاوض عليه من إدلب، -في حال حدوثه-، سيمثل إعادة نظر في اتفاقية خفض التصعيد التي وقعتها روسيا وتركيا في 05 آذار/مارس 2020 وهذا يؤشر إلى هجوم جديد وشيك للنظام على مناطق المعارضة.

سير الأحداث (النمط)

تشير سلسلة التطورات الأخيرة إلى أن روسيا وتركيا تتفاوضان على اتفاق ينص على انسحاب تركي جزئي من إدلب، يمكن تلخيصها كالتالي:

سحب تركيا المئات من القوات المسلحة التركية (TSK) من القوات الخاصة والمشاة ومقاتلي المعارضة المدعومين من تركيا من بلدات جنوب إدلب في منطقة جبل الزاوية (عبديتا، إحسم، المغارة، وبيليون) في 08 أيلول/سبتمبر 2020، إذ زعمت تركيا أن الانسحاب كان جزءً من عملية إعادة انتشار تتعلق بالنزاعات البحرية الجارية بين تركيا واليونان، لكن ربما تكون تركيا قد استخدمت نزاعها مع اليونان كغطاء لأفعال تتسق مع صفقة وشيكة مع روسيا في إدلب. ومع أنها ليست المرة الأولى التي تغير فيها تركيا التموضعات في ادلب فقد سبق وأن قامت بسحب مقاتلين سوريين من إدلب إلى ليبيا، إلا إن سحب قوات من الجيش التركي من إدلب إلى منطقة آخرى يمثل انعطافًا هاماً.

خفض تركيا وتيرة قوافلها اللوجستية العسكرية: فعادة ما ترسل تركيا قوافل تحمل الإمدادات والقوات الدورية إلى مواقعها العسكرية في إدلب كل يوم أو يومين، لكنها قلصت هذا النشاط إلى ثلاث قوافل فقط في الأيام الـ 13 الماضية (قافلتان في 10 سبتمبر، قافلة واحدة في 18 سبتمبر)، صحيح أن تقليل عدد القوات التركية وانخفاض نشاطها على طول خطوط الإمداد الأرضية قد يكون مجرد دليل من طرف تركيا على حسن النية حيث كانت المفاوضات مع روسيا جارية، ولكنه يمكن أن يكون أيضاً خطوة مبكرة باتجاه تنفيذ اتفاق تقليل الوجود التركي في المنطقة.

تنظيم نظام الأسد يوم 16 أيلول/سبتمبر 2020، احتجاجات كبيرة -نسبياً- بالقرب من نقاط المراقبة التركية في مورك في شمال محافظة حماة، والصرمان في جنوب شرق محافظة إدلب. وفي أماكن أخرى، وقد حاول النظام الحفاظ على سرية دوره في هذه الاحتجاجات من خلال حث المتظاهرين على الظهور باللباس المدني. من المحتمل أن هذه الاحتجاجات تمثل ضغطاً من طرف النظام على المواقع العسكرية التركية والتأكيد على عدم شعبية الوجود التركي في المناطق التي يسيطر عليها النظام في إدلب. ومن المرجح أن النظام سعى إلى ممارسة ضغط إضافي على تركيا، يتضمن تهديداً ضمنياً ضد القوات التركية، في ذات الوقت الذي كانت فيه روسيا تسعى لصفقة تسيطر بموجبها على المزيد من الأراضي.

من ناحية أخرى يؤشر بيانان روسيان صدرا مؤخراً إلى أن استئناف هجوم النظام في إدلب قد يكون وشيكًا:

أعرب وزير الخارجية الروسي “سيرغي لافروف” في مؤتمر صحفي يوم 07 أيلول/سبتمبر 2020، عن ثقته في أن تركيا وروسيا ستنجحان في “تحرير” محافظة إدلب من الإرهابيين. وكان البيان متفائلاً بشكل غريب رغم أنه جاء بعد سلسلة من هجمات الجهاديين على الدوريات الروسية التركية المشتركة على طول الطريق السريع M4، بدأت هذه الهجمات في أواخر تموز/يوليو إلى أوائل أيلول/سبتمبر 2020.

زعم الجنرال الروسي ألكسندر جرينكيفيتش، الذي يرأس المركز الروسي للمصالحة في سوريا، في 11 أيلول/سبتمبر 2020، أن هيئة تحرير الشام المرتبطة بالقاعدة تخطط لهجوم كيمياوي على جبل الزاوية. هذا النوع من المزاعم أطلقته  روسيا عدة مرات سابقاً، حيث اتهمت القوات المناهضة للأسد بالتخطيط لهجمات كيماوية دون أدلة، وعمدت إلى التشكيك في موثوقية المعلومات الواردة لإخفاء سلوك نظام الأسد وتفرده بالقيام بمثل هذه الهجمات، من المحتمل أن روسيا تمهد إعلامياً لتبرير هجوم كيمياوي من قبل النظام، وهو سيناريو ضعيف الاحتمال ولكنه خطير، فربما تكون روسيا قد أصدرت البيان للتعمية على النظام لأنها تعلم أنه يخطط لهجوم كيميائي على جبل الزاوية.

أما بخصوص تصريح وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو، في 16 أيلول/سبتمبر 2020، الذي نفى فيه أن تكون المفاوضات مع روسيا مثمرة، وشدد على الحاجة إلى حل سياسي في إدلب، فربما يحاول جاويش أوغلو إخفاء تفاصيل اتفاق مع روسيا مؤقتاً، من أجل الحفاظ على سمعة تركيا بين سكان إدلب، ولتجنب رد الفعل العنيف من جماعات المعارضة.

فمنذ اتفاق خفض التصعيد في 05 آذار/مارس 2020 الذي وقعته روسيا وتركيا، جلبت القوات الموالية للأسد الكثير من التعزيزات إلى جبهات إدلب. وطوال ذات الفترة لم تتوقف الاشتباكات المحدودة في الخطوط الأمامية، والأمر نفسه بالنسبة للمدفعية والضربات الجوية المحدودة للنظام وروسيا، على الرغم من اتفاقية خفض التصعيد، وفي تموز/يوليو 2020  ازدادت وتيرة الهجمات من طرف النظام مع تكثيف القوات الموالية للأسد قصفها على البلدات الواقعة في خط المواجهة مما شكل اختباراً لدفاعات المعارضة. لدرجة أصبحت الغارات الجوية الروسية وقصف النظام لمواقع المعارضة أمرًا شبه يومي، من المحتمل أن هذه الزيادة في وتيرة العمليات ليست إلا وسيلة لتحسين شروط التفاوض من طرف روسيا ونظام الأسد ضد تركيا. إذ يقدر معهد دراسات الحرب (ISW) أن استئناف هجوم النظام مدعوماً من روسيا ضد إدلب ليس احتمالاً راجحاً إلا في حال حصلت روسيا على ضوء أخضر من تركيا للقيام بذلك مقابل تنازلات في أماكن أخرى.لذلك لا يرجح معهد ISW حدوث هجوم جديد وشيك من طرف النظام بناء على مؤشر تصاعد واستمرار النشاط القتالي المحدود لوحده، (وإنما بناء على مؤشرات أخرى إلى هذا المؤشر).

تقدير الموقف

إذا انسحبت القوات التركية بالفعل من أجزاء من محافظة إدلب في سياق اتفاق تفاوضي فستستأنف القوات الموالية للنظام حملتها العسكرية للسيطرة على إدلب في الأسابيع المقبلة.

الموقع الأكثر احتمالاً للهجوم المحتمل لقوات الأسد هو منطقتي “سهل الغاب” و “جبل الزاوية” جنوب الطريق السريع M4، حيث ركزت القوات الموالية للنظام غاراتها الجوية والقصف وهجمات الخطوط الأمامية على هاتين المنطقتين.

إذا كانت تركيا قد توصلت إلى اتفاق مع روسيا، فمن المرجح أنها وافقت على سحب قواتها إلى الممر الأمني ​​على الطريق السريع M4، وهذا يعني التنازل فعليًا عن المنطقة الواقعة جنوب الطريق ​​M4 بالكامل لنظام الأسد. ويؤيد هذا (إعادة توزيع) القوات في 08 أيلول/سبتمبر 2020 إلى إزالة بعض القوات التركية من هذه المنطقة.

في المقابل فإن المنطقة الواقعة جنوب M4 هي المنطقة الأقل تحصيناً في شمال غرب سوريا، بينما تتركز قوات النظام بشكل كبير على طول خط المواجهة هذا، والتضاريس مسطحة نسبيًا، وتطورت تموضعات الأطراف خلال الفترة الماضية في الخطوط الأمامية لهذه المنطقة بحيث أصبحت المنطقة قابلة للتطويق من قبل قوات النظام.

تفيد التقارير بأن تركيا تعتزم الاحتفاظ بنقاط المراقبة في سهل الغاب وجبل الزاوية ولا تستبعد إمكانية التوصل إلى صفقة للتنازل عن السيطرة.

في الفترة الماضية حافظت تركيا على نقاط مراقبة حتى عندما استعادت القوات الموالية للأسد السيطرة على المناطق المحيطة بها وعزلتها، واحتفاظ تركيا بمراكز المراقبة جنوب الممر الأمني ​​M4 بينما تستعد القوات الموالية للأسد للسيطرة على المنطقة سوف يتناسب مع هذا النمط.

من المرجح أن يسعى نظام الأسد لانهيار المعارضة المتمركزة جنوب الطريق السريع M4 في محور مزدوج يتضمن مسارين: غربي يتجه شمالًا من جبل شحشبو وآخر شرقي يتجه شمالًا من معرة النعمان ليعاودا الالتقاء بالقرب من أريحا.

الاستيلاء على هذه الأراضي لن يكون معركة سهلة لنظام الأسد. ومع ذلك، وبدعم روسي، فمن المرجح أن تتغلب قوات النظام على هيئة تحرير الشام وجماعات المعارضة الأصغر في غياب الدعم التركي.

ليس من الواضح ما هي التنازلات التي قد تكون تركيا قد حصلت عليها من روسيا مقابل الانسحاب، فربما تكون روسيا قد وعدت بإجبار نظام الأسد على السماح لتركيا بمهاجمة التواجد المشترك للنظام وقوات سوريا الديمقراطية في منطقة تل رفعت، وقد زعم مصدر سوري في 17 أيلول/سبتمبر 2020، أن روسيا رفضت طلب الوفد التركي بتسليم المراكز المدنية الرئيسية في تل رفعت ومنبج خلال اجتماع 16 سبتمبر/أيلول 2020، علماً أن هذا المصدر لديه حافز للكذب لتجنب ظهور ضعف النظام، فقد قصفت تركيا مناطق قرب تل رفعت في 17  أيلول/سبتمبر 2020.

وقد تكون روسيا قد قدمت أيضًا تنازلات تتعلق بشمال شرق سوريا أو ليبيا أو التعاون الدفاعي أو غيرها من المجالات التي يكون للطرفين مصالح فيها.

التداعيات

ليس من المؤكد أن نظام الأسد يمكن أن يتقدم بسهولة وراء الطريق السريع M4، خاصة إذا كانت تركيا مصممة على الدفاع عنه. ومع ذلك، يمكن للنظام أن يكسب مساحات واسعة من خلال الاستيلاء على جبل الزاوية وسهل الغاب وإنشاء خط دفاع جديد، وهذا يجعل مكاسبه السابقة لا رجعة فيها.

يضاف إلى ذلك أن استعداد تركيا لعقد الصفقات يمثل فرصة للنظام لخلق مكاسب إضافية في الأشهر أو السنوات المقبلة.

علاوة على ذلك، قد يؤدي استيلاء النظام على هذه المنطقة (جنوب M4) إلى تمكينه من استخدام الطريق السريع M4 لربط منطقة السيطرة الجديدة هذه بأريحا وسراقب التي يسيطر عليها. وقد يصبح النظام أيضًا قادرًا على خلق مقاومة ذات شوكة إلى الغرب من جبل شحشبو، وتهيئتها لأخذ التضاريس الصعبة بسهولة أكبر.

ومن المرجح أن يؤدي الانسحاب التركي من جنوب إدلب إلى رد فعل من الجهاديين والسكان المحليين، فخلال الفترة الماضية اقتربت هيئة تحرير الشام بشكل متزايد من تركيا من أجل الاحتفاظ بدعم تركيا في الدفاع عن إدلب، وحاولت تقليص أنشطة الجماعات السلفية الجهادية المتشددة التي تسعى لطرد القوات التركية. فقد يؤدي تنازل تركي كبير عن الأراضي إلى تغير موقف هيئة تحرير الشام، لذا من المرجح أن تصعّد الجماعات المتشددة الهجمات على القوات التركية. علماً أن موقف السكان من الوجود التركي في إدلب متفاوت. إذ يعتمد المؤيدون المحليون في موقفهم من الوجود التركي على حسن ظنهم بنية تركيا في الدفاع عن إدلب.

متبعة المؤشرات

سيراقب معهد دراسات الحرب ISW أي انسحاب فعلي للقوات التركية والمدفعية من إدلب وفقًا للصفقة الروسية المزعومة، وكذلك أي جهد لإنشاء جبهة تركية جديدة يمكن الدفاع عنها.

تشير الضربات الجوية الروسية المكثفة -التي تهدف إلى تضعيف دفاعات المعارضة- إلى أن هجمة برية من قبل القوات الموالية للأسد يمكن أن تحصل في الأيام أو الأسابيع المقبلة.

كما أن وجود قادة عسكريين مهمين من طرف النظام من وحدات النخبة العسكرية مثل فرقة المهام الخاصة 25 المدعومة من روسيا (المعروفة أيضًا باسم قوات النمر) والفرقة الرابعة، وجود هذه القوات على طول الخطوط الأمامية من شأنه أن يشير أيضًا إلى هجوم وشيك للنظام.

أيضاً فإن عدم الانسحاب الفعلي للقوات التركية من جنوب إدلب أو الرفض التركي والروسي الصريح للتقارير التي تتحدث عن اتفاق بين الطرفين سيكون مؤشراً على فشل المفاوضات.

المصدر: مركز إدراك للدراسات والاستشارات

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى