تعزيزات أميركية شرق الفرات: رسالة لروسيا وإيران

أمين العاصي

يتجه التحالف الدولي ضد تنظيم “داعش” إلى تعزيز وجوده العسكري شرقي سورية ليس بعيداً عن الحدود السورية العراقية، في خطوة يُنظر إليها على أنها رسالة تحذير للنظام وحلفائه تحديداً روسيا وإيران، من مغبة أي تحرك باتجاه شرق نهر الفرات التي تحولت إلى منطقة نفوذ للأميركيين بلا منازع. ويتزامن حراك التحالف الدولي مع تعزيزات أخرى تقدم لقوات “سورية الديمقراطية” (قسد)، حليف التحالف الدولي في سورية، والتي تواجه في الآونة الأخيرة اضطرابات في ريف دير الزور الشرقي. وأعلن التحالف الدولي ضد تنظيم “داعش” بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، في بيان أول من أمس الجمعة، نيته نشر معدات عسكرية جديدة في شمال شرق سورية، بما في ذلك نشر أصول مشاة ميكانيكية ومركبات برادلي القتالية، لضمان حماية قوات التحالف ومواصلة هزيمة تنظيم “داعش” في سورية إلى جانب “قوات سورية الديمقراطية”. وحذر التحالف من أن تنظيم “داعش” لا يزال يشكل تهديداً، و”ستظل عودة ظهوره قائمة ما لم يستمر الضغط عليه، رغم هزيمته الإقليمية وتدهور قيادته”.

ومن المرجح نشر هذه التعزيزات في ريف دير الزور الشرقي الذي يشهد توتراً يحاول النظام وحلفاؤه الروس والإيرانيون استغلاله للعودة مرة أخرى إلى هذا الريف الذي يضم كبريات حقول النفط والغاز وفي مقدمتها حقل العمر، وكونيكو. وجاءت الخطوة الأميركية بعد حملات عدة قامت بها قوات سورية الديمقراطية من أجل القضاء على خلايا تابعة لتنظيم “داعش” في ريف دير الزور الشرقي. كما تأتي هذه الخطوة في ظل تلاشي الآمال في تحقيق اختراق سياسي من شأنه تسريع التوصل إلى حلول للقضية السورية وحسم مصير منطقة شرقي نهر الفرات التي تسيطر على جلها قوات “سورية الديمقراطية” التي لا تزال الحليف المفضل لدى الأميركيين في سورية. ويبدو أن الولايات المتحدة الأميركية فقدت الأمل من ممارسة الجانب الروسي ضغوط على النظام من أجل إبداء مرونة أكبر للتوصل إلى حل سياسي في سورية، لذلك تدفع باتجاه تثبيت الأوضاع في منطقة شرقي نهر الفرات. ويعد قرار التحالف الدولي تحذيراً واضحاً للنظام وحلفائه من مغبة أي تحرك على الأرض يمكن أن يشكل تهديداً للجنود الأميركيين المنتشرين في الشمال الشرقي من سورية.

وتولي واشنطن أهمية خاصة لمنطقة شرق نهر الفرات عموماً، والطرف الشرقي منها والممتد من ريف الحسكة الشمالي الشرقي إلى ريف الحسكة الجنوبي وصولاً إلى ريف دير الزور الشرقي. وتقع في ريف الحسكة الشمالي الشرقي حقول رميلان الشهيرة للنفط والغاز، بينما يضم ريف الحسكة الجنوبي حقول الغاز في منطقة الشدادي، في حين يعد ريف دير الشرقي من أكثر المناطق السورية غنىً بالثروات وخصوصاً النفط. وتسيطر “قسد”، التي تهيمن عليها وحدات حماية الشعب الكردية، على هذه الحقول بمساعدة من التحالف الدولي الذي ينشر قوات لردع الروس والإيرانيين عن الاقتراب من الثروة النفطية في شمال شرق سورية. ويبدو أن الجانب الأميركي بصدد تقييم وجوده في الشمال الشرقي من سورية، إذ أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب أن الولايات المتحدة قد تبحث موضوع الحقول النفطية في شرق سورية مع الأكراد. وقال ترامب خلال مؤتمر صحافي له، أول من أمس الجمعة: “لقد تمكنت من الحفاظ على النفط. ولدينا قوات تقوم بحراسة النفط، وإضافة إلى ذلك نحن خارج سورية”. ولفت إلى أنه من الممكن أن نجري مناقشات مع الأكراد حول النفط، وسنرى كيف سينتهي ذلك، ثم سنغادر. وكان السناتور الأميركي ليندسي غراهام قد أعلن في أواخر يوليو/تموز الماضي عن عقد اتفاقية بين شركة أميركية والأكراد بشمال شرقي سورية حول تطوير الحقول النفطية في المنطقة، في خطوة اعتبرت اعترافاً أميركياً غير رسمي بقوات سورية الديمقراطية كسلطة أمر واقع في منطقة شرق نهر الفرات.

وتسيطر “قسد” التي تأسست أواخر عام 2015 لمواجهة تنظيم “داعش” على جل منطقة شرق نهر الفرات الغنية بالثروات، والتي تشكل أكثر من ربع مساحة سورية. ووضع الرئيس المشترك لحزب الاتحاد الديمقراطي، أنور مسلم، في حديث مع “العربي الجديد”، الخطوة الأميركية في سياق الاستمرار في محاربة تنظيم داعش الذي “يحاول العبث من جديد”. وبرأيه فإن هذه الخطوة “تعزز العلاقة التي تربط قوات سورية الديمقراطية بالتحالف الدولي من أجل محاربة تنظيم “داعش” في منطقة شرق نهر الفرات”. في السياق، أعرب مدير مركز “الشرق نيوز” فراس علاوي، في حديث لـ”العربي الجديد” عن اعتقاده، بأن التعزيزات الأميركية إلى شرق نهر الفرات، لها أبعاد أخرى إضافة إلى حماية حقول النفط والغاز. وبرأيه فإن الوجود الأميركي في شرقي سورية، هدفه الأساسي تأمين العمق العراقي، ومحاولة قطع الطريق على المشروع الإيراني في العراق وسورية. وأشار إلى أن الولايات المتحدة تعزز مواقعها في الشرق السوري كتعويض عن تخفيف وجودها في العراق، معرباً عن اعتقاده بأن واشنطن بصدد تطوير القاعدة العسكرية في حقل العمر النفطي في ريف دير الزور الشرقي. كما توقع أن تتحول إلى قاعدة كبرى للجيش الأميركي يمكن أن تكون بديلا عن قاعدة “إنجرليك” التركية التي يستخدمها حلف شمال الأطلسي. وأوضح أن المنطقة الشرقية من سورية مهمة على الصعيد الاستراتيجي للجانب الأميركي، مبرراً ذلك بأنها تقع على تخوم غربي العراق وقريبة من تركيا وإقليم كردستان العراق. كما اعتبر علاوي الخطوة الأميركية في تعزيز وجودها في شرق سورية “رسالة واضحة للإيرانيين والروس حتى لا يستغلوا انشغال الأميركيين بالانتخابات للتحرك ضد القوات الأميركية، و”قسد” شرق نهر الفرات.

المصدر: العربي الجديد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى