أولًا: النظام الإيراني والحكم الاستبدادي الديني.
مضى ما يزيد عن عقود أربعة منذ استلام الخميني ورجال الدين الشيعة للسلطة في إيران عام ١٩٧٩م، وعلى تحول السلطة فيها الى سلطة دينية يحكمها الولي الفقيه الخميني وتمتد في المجتمع الإيراني عبر آيات الله والمراجع الدينية، متحكمين في كل مناحي الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية..الخ. كان الخميني قد أسقط نظام محمد رضا بهلوي الشاه الحاكم الذي كان على علاقة وثيقة مع الغرب أمريكا وأوروبا، ومتقاسمين معهم النفوذ والسيطرة في المنطقة.
بالعودة للتاريخ لمعرفة أصل التشيع في ايران فقد بدأ منذ أواخر القرن الخامس عشر، عندما انفصل الوالي بإسم العثمانيين على إيران اسماعيل الصفوي عن الخلافة ايام سليم الأول، وكانت النزعة القومية الفارسية وراء ذلك، ومن أجل إكتساب مزيد من الشرعية المجتمعية فقد أخذ كدولة بالمذهب الشيعي وفرضه على الشعب الإيراني، الذي كان يدين أغلبه بالمذهب السني، واستدعى بعض رجال الدين من جبل عامل في لبنان للمساعدة في نشر المذهب، ومنذ ذلك التاريخ ميزت إيران نفسها بكونها دولة أغلب سكانها مسلمون على المذهب الشيعي الاثني عشري. ولم يؤد ذلك لأن تلتزم الدولة الصفوية بالتشيع كدولة دينية، فقد كان آيات الله مقتنعون أن الحكم الديني بمعنى الحكم السياسي لا يتحقق الاّ بعودة الإمام الغائب الثاني عشر، واكتفوا بدور المرجعية الدينية والاجتماعية والعبادية. لكن الجديد جاء مع آية الله الخميني، الذي عمل مع آخرين لإسقاط نظام الشاه، ولبناء دولة ولاية الفقيه السياسية التي تغطي فترة غياب الإمام المنتظر، لقد نظّر الخميني لذلك في كتابه الحكومة الاسلامية، الذي أصبح مرجعا معتمدا لدى الكثير من آيات الله، وتم الركوب على ثورة الشعب الايراني بعد ذلك، واستلم رجال الدين الحكم وكان الخميني هو نائب الإمام، بمثابة الحاكم المطلق لإيران، وأسسوا دولة دينية تحكم بما يراه الولي الفقيه الذي اُعطي صفة الحكم المطلق. وتم تقنين ذلك بالدستور الإيراني الجديد، وقتها، وابتدعت هيئات تتبع كلها للولي الفقيه وطبقة آيات الله التابعة له أصلا. طبعا لم يمر ذلك بسهولة حيث اختلف بعض آيات الله مع هذا الخط، لكنهم استبعدوا من أي دور وعزلوا سياسيا على الأقل. وهكذا تم التأسيس منذ ذلك الوقت لوجود دولة دينية شيعية استبدادية تحكم في إيران، صنعت لنفسها أدوار داخلية في إيران، وأدوار خارجية، سنتحدث عنها تباعا.
ثانيا: استراتيجية النظام الإيراني خارجيا.
اعتمد النظام الإيراني استراتيجية قائمة على أنه مسؤول عن اعادة نشر العقيدة الاسلامية الحقّة؛ يعني المذهب الشيعي الاثني عشري، وهذا طبعا يغطي بالعمق حقيقة كونها استراتيجية تعمل لتمتد في كل مسلمي العالم، بدءا من المسلمين الشيعة، والتي تعني بالضرورة ربط هؤلاء المسلمين بولاية الفقيه التي هي التبعية الدينية لإيران، والتي تعني بعد ذلك تبعية لها في كل شيء، حيث سيكون ذلك جزء من إيمان وولاء المسلم الشيعي. نجحت هذه الاستراتيجية ولكن بصعوبة، فهناك مراجع دينية شيعية عرب وغير عرب ترفض نظرية ولاية الفقيه، وبالتالي كانت تقف امام التمدد الإيراني العقائدي، لكنها لم تستطع أن تمنع توسع نفوذها عبر مراكزها الثقافية والاعلامية ودعم الشيعة بالسر والعلن، لقد رفض السيستاني ومحمد حسين فضل الله ولاية الفقيه، ولكنهما استفادا من التمدد الإيراني ليوسعا نفوذ الشيعة ومذهبهم في العراق ولبنان على سبيل المثال. لم يتوقف النشاط الإيراني في التبشير بالمذهب الشيعي الاثني عشري في كل مكان سواء بين المسلمين السنة وبين الشيعة، بنيت الحسينيات، وحصلت الولاءات وترافقت دعوتها مع تمددها بالمال والنفوذ والثقافة. كانت الارض الشيعية العربية مهيأة لاستقبال التمدد والنفوذ الإيراني، ففي كل البلاد العربية التي يتواجد فيها شيعة هناك انظمة شمولية استبدادية، جمهورية وملكية، تتعامل مع الشيعة بصفتهم مواطنين من درجات دنيا، وهذا سهل التغلغل الإيراني بينهم.
لم تكن استراتيجية إيران واحدة في التغلغل في البلاد العربية ففي العراق كانت قد افتتحت علاقتها مع نظام صدام حسين في حرب عبثية امتدت لعشر سنوات، وراءها وهم صدّام بحماية الأمن القومي العربي واسترداد بعض المناطق المتنازع عليها، ووهم إيران أنها تحارب حكما كافرا اعتدى على الإيرانيين في حرب مقدسة، وحتى عندما انتهت الحرب لم تنتهي العداوة، واستمرت إيران في دعم المجموعات والأحزاب المسلحة العراقية مثل حزب الدعوة وغيره، واستمرت في العمل الارهابي داخل العراق، منذ سبعينيات القرن الماضي، يدعمها أيضا النظام السوري الذي كان قد وطّد علاقته مع الشيعة منذ موسى الصدر القادم الى لبنان، وتعمقت وأصبحت استراتيجية بعد مجيئ الخميني وزمرته لحكم إيران. واستمر الدعم الايراني للأحزاب الشيعية العراقية، عبر سنين طويلة، الى أن كانت ايران المعبر المباشر للمحتل الأمريكي الذي قدم بدباباته بصحبة الميليشيات المسلحة الشيعية العراقية التابعة سياسيا وعسكريا وتمويلا لإيران، والتي ستكون اداة الاحتلال في العراق عام ٢٠٠٣م، وترث الحكم بعد خروج أمريكا عام ٢٠٠٦م، و تثبيت ذلك عبر دستور بريمر الطائفي و الإثني الذي قسّم العراق دستوريا قبل أن يقسّمه واقعيا، والذي سيؤدي للوصول الى شبه استقلال كامل لشمال العراق على انه إقليم كردي، وسيطرة الكتلة الشيعية السياسية والعسكرية على السلطة في العراق، بسبب انها الكتلة الاكبر عدديا في العراق، وهذه القيادة العسكرية والسياسية الشيعية العراقية ترتبط مباشرة بالمرجعية الدينية الايرانية و بمالها ونفوذها. هذا هو العراق الآن، وعبر هذا التقسيم الظالم جعل كل الناشطين السياسيين من المكون السني متهمين انهم من داعش او الحاضنة الشعبية لهم، وأخذت دولة الاحتلال الأمريكي وبعدها النظام العراقي الطائفي مبررا لسحق جزء من الشعب تحت دعوى أنهم إرهاب وداعش وتحت المظلة الدولية للحرب عليهم، ولن ننكر هنا أن الكثير من بقايا الجيش العراقي والشباب العراقي اليائس وجد نفسه بين يدي داعش تلعب به، ليكونوا جزء من المقتلة التي يعيشها العراق والجوار السوري.
أما المسلمين الشيعة في دول الخليج فقد كانت الاستراتيجية الايرانية تعتمد على استقطابهم دينيا لولاية الفقيه، كذلك عبر الدعم المالي والتدريب العسكري السري، وصنعت منهم ادوات استخدمتها في مراحل مختلفة لصناعة أعمال ارهابية تخدم الاستراتيجية الايرانية بعيدة المدى، وكان للمظلومية المجتمعية والسياسية التي عاشها الشيعة في دول الخليج دورا ليكونوا ضحايا للخطّة الايرانية، ولو أن أغلب دول الخليج استطاعت أن تسيطر على التغلغل الايراني أمنيا، لكنها لم تنهي المبرر الموضوعي لهذا التغلغل؛ المظلومية وغياب العدالة والديمقراطية.
ثالثا: أمريكا والغرب وإسرائيل والنظام الايراني:
لابد من التعريج على الموقف الغربي من إيران منذ استلام الخميني للسلطة فيها، حيث بدأت العلاقة عدائية باعتبار امريكا الشيطان الاكبر، واحتجاز طاقم السفارة الامريكية لمدة سنة تقريبا، كما اعتبرت إيران أن أمريكا والغرب ودول الخليج قد دعموا العراق في حربه على إيران، ولا تخفي إيران موقفها العلني من الكيان الصهيوني وأنها تعتبر نفسها مسؤولة عن تحرير القدس، بغض النظر عن جديّة هذا الادّعاء ومدى تطبيقه الواقعي إلا دعاية سياسية لأجل تمددها في أي مكان. وكانت أجندة إيران في تمددها بين الشيعة العرب قائمة على دعامة التشيع الاثني عشري والتبعية لولاية الفقيه، يعني للدولة الايرانية، والعمل لمواجهة الانظمة “الكافرة”، والعمل لتحرير فلسطين. وكان للسياسة الامريكية الدور الكبير بالسماح لهذه السياسة الايرانية بالتغلغل في سورية ولبنان ودول الخليج واليمن بعد ذلك. فقد كانت سياسة ادارة الرئيس الامريكي اوباما تعتمد على أولوية منع تطوير البرنامج النووي الإيراني خوفا من امتلاك إيران للسلاح الذري، وبالتالي تُركت تتمدد في الدول العربية بقواتها العسكرية لتصبح الفاعل الأول احيانا في العراق ولبنان وسورية واليمن عبر دعم الحوثيين. ولا يغيب عن بالنا السماح الأمريكي لإيران والمجموعات المسلحة التابعة لها ودورهم في العراق منذ عقود للآن كما ذكرنا سابقا. كل ذلك جعل إيران واقعيا الطرف المعادي مباشرة لثورة الشعب السوري وضد مصالح دول الخليج في بلادها وفي الدول العربية الاخرى سورية ولبنان والعراق واليمن، وهكذا انخرطت ايران بحضور عسكري مباشر بالسلاح والمال والرجال سواء من الحرس الثوري الايراني أو المرتزقة الأفغان وغيرهم، في حرب استنزاف مالي ومجتمعي في هذه البلدان وعلى حساب شعوبها وحقوقها بالحرية والكرامة والعدالة والديمقراطية. وهكذا استنزفت إيران ودول الخليج في حروب سيطرة دمرت البلاد وقتلت العباد وشرّدتهم. ايران التي ناصرت الأنظمة المستبدة كما في سورية والعراق، والميليشيات الطائفية كما في اليمن. وكانت أمريكا راعية لهذا الصراع من خلال بيع الدعم السياسي والعسكري بمئات مليارات الدولارات، لدول الخليج، والصراع مازال مستمرا.
رابعا: النظام الإيراني والتغلغل في لبنان وسورية.
يعود التغلغل الشيعي في لبنان الى المرجع الشيعي موسى الصدر الذي جاء الى لبنان منذ أواسط سبعينيات القرن الماضي، لبنان التي كانت قد أصبحت دولة تحت هيمنة السلطة السورية حيث دخلت الى لبنان تحت دعوى منع سفك الدم العربي بين الفدائيين المدعومين من القوى الوطنية اللبنانية، والقوى المسيحية المدعومة من الغرب وخاصة فرنسا، وأصبحت سورية القوة الفاعلة بلبنان بالمطلق. جاء موسى الصدر ونشط بين الشيعة اللبنانيين الذين لم يكونوا حاضرين بالمعنى السياسي، وانشأ امل لنصرة محرومي الشيعة، وبدعم من النظام السوري، وسرعان ما دخلت إيران بعد حركة الخميني الى لبنان بقوة، وبتوافق استراتيجي مع النظام السوري، تم دعم الحراك الشيعي في لبنان وتم تشكيل نويات لحزب الله اللبناني، الصيغة الإيرانية للقوى العسكرية الشيعية الضاربة لمصلحة إيران في العالم، والتي قامت بتفجيرات استهدفت التواجد الأمريكي والفرنسي في لبنان في ثمانينات القرن الماضي، خلّفت مئات القتلى، وأدّت إلى أن يترك الغرب لبنان لسورية تتصرف بها وفق توافقات دولية. دعم النظامين الايراني والسوري تغلغلا ايرانيا في لبنان عبر التبعية لولاية الفقيه، وخاضت صراعا مع المرجعيات التي لا تقبل بولاية الفقيه، انتصر السلاح والمال والنفوذ الإيراني وأصبح ممثلي المرجعيات المحلية والعربية ضعيفا وباهتا. وكانت استراتيجية إيران في لبنان قائمة على تجييش الشيعة وتحولهم لقوى عسكرية مهيمنة، بعد أن أخرج النظام السوري الفدائيين من لبنان، وضرب القوى العسكرية الوطنية اللبنانية الأخرى، وترك الأرض ممهدة لحزب الله تحت دعوى محاربة العدو الصهيوني وتحرير القدس. هكذا أصبح لبنان دولة محكومة من الجيش السوري وحزب الله. الذي هو الذراع العسكري لإيران وولاية الفقيه؛ في اعتراف علني من حسن نصر الله.
أما عن تغلغل التشييع وهيمنة المصالح الإيرانية في سورية، فقد افسح المجال النظام منذ الأسد الأب للتشييع في كل سورية، بين العلويين والسنة، حيث اعتمدوا في ذلك على شراء الولاءات بالمال والمكتسبات والمصالح، وأصبح لهم امتداد في كثير من المناطق التي لم يكن يتواجد فيها شيعة تاريخيا، مع عدم تحفظنا على تغيير أي إنسان لعقيدته لأن ذلك جزء من حق الحرية، لكن تحفظنا على الاستخدام السياسي لذلك لخلق نفوذ أقرب للنفوذ الاستعماري والتبعية لإيران على حساب الدولة الأم. كما حصل في أغلب البلاد العربية.
كان للتشييع ولأدوار حزب الله في سورية ولبنان وبقية الدول العربية بعد ثورات الربيع العربي، خاصة في سورية، الدور المعادي للشعب وثورته، ظهر الدور المخرب للولاء العقائدي ومن ثم السياسي والعسكري لإيران ومعسكرها حزب الله والنظام السوري، وكان التدخل الإيراني العسكري ضد الشعب السوري وثورته، ودور حزب الله القاتل للشعب السوري، حزب الله الذي كان تغطّى عبر عقود بكونه القوة الوحيدة المقاتلة للكيان الصهيوني. لقد انتصر النظام السوري المهزوم أمام الشعب السوري عبر تدخل حزب الله اللبناني والميليشيات التابعة لايران على الثورة السورية في ارض الميدان بعد انهيار قواته العسكرية، كما تم إسناده بالقوى الجوية الروسية، منذ عام ١٩١٥م وما بعد. إن هذا يوضح الدور الإيراني وحزب الله القاتل والضار للشعب السوري وثورته. كما أن صدور قرار محكمة الجنايات الدولية بحق عنصر من حزب الله بتفجير موكب رئيس وزراء لبنان السابق رفيق الحريري، ودوره بالاغتيالات السابقة واللاحقة يؤكد الدور التخريبي لحزب الله ومن قبله النظامين الايراني والسوري في لبنان.
كما نتابع التغلغل الروسي عبر المصالح المباعة بالكامل لهم؛ بالبحث عن الطاقة والمرافئ والموارد الطبيعية، كما نراقب التمدد الديمغرافي للإيرانيين او من يمثلون مصالحهم من جنسيات مختلفة وشراء الأراضي والعقارات والتمدد في كل سورية طولا وعرضا، مستغلين واقع تهجير أكثر من نصف الشعب السوري، والفاقة التي يعيشها أغلب من بقي في الداخل السوري، مع السرقة الموصوفة لأملاك الغائبين واستباحتها للنظام وبيعها، واعادة اعمارها برعاية ايرانية في عملية تغيير ديمغرافي علني ومباشر.
خامسا: الاستثمار الغربي للدور الإيراني.
لم تكن أمريكا والغرب صديقا لأحد في يوم ما، بل تبحث عن مصالحها دوما، وهكذا كان النظام الإيراني في اجندة امريكا والغرب مجرد أداة تستخدم لتنفيذ السياسة الأمريكية والغربية في بلادنا. فمن تنسيق وتحالف متبادل في العراق ما قبل إسقاط صدام وأثناء احتلال امريكا للعراق وإلى الآن، هناك تحالف ايراني أمريكي علني وسرّي مستمر في العراق، كما الصمت عن الدور الإيراني في سوريا ولبنان عبر عقود، عبر تنسيق وتحديد خطوط حمر في العلاقة مع الكيان الصهيوني، وإن غطى حزب الله دوره بالمقاومة والصراع مع العدو الصهيوني. كما الصمت عن التغلغل الإيراني في اليمن عبر دعمهم للحوثيين بالمال والسلاح، النوعي احيانا، وتركهم يشكلون جرحا نازفا لليمن وللتحالف العربي بقيادة السعودية، حيث أصبحوا يشكلون مشكلة استنزاف مالي وعسكري للسعودية هذا غير الضرب في عمق السعودية بما يعني من امتهان للدولة السعودية.
في كل ذلك لا تقدم امريكا الا التنديد اللفظي والحصار والتهديد ومزيد من الضغط المالي والعسكري والاقتصادي على إيران، مما يزيد من شراستها وإنها تخوض حرب وجود أو عدم لنظامها، وما ينعكس على الشعب الإيراني بمزيد من الفاقة والاستبداد والقمع والفقر والتضخم الاقتصادي وسوء المعيشة. وما التصعيد الذي قاده ترامب عبر انسحابه من الاتفاق النووي الذي أبرمه سلفه اوباما، الا اشعار بأن معركة اعلامية وعسكرية محتملة في اي وقت ستطال المنطقة كلها. حيث استثمر الامريكان ذلك عبر حملة تخويف من إيران وبيع الحماية لدول الخليج وجني مئات مليارات الدولارات منها في استعراض قوة امريكي، هذا غير الاستنزاف المباشر لإيران ودول الخليج في حروب مفتوحة في سورية واليمن والعراق نسبيا. عبر سنوات ممتدة. كما لم يظهر من الدور الامريكي سوى التهديد والوعيد، وعندما تسأل الامريكان ماذا يريدون من النظام الايراني والسوري يجيبون نحن لا نريد اسقاط انظمتهم، بل نريد تقويم سلوكهم، اي سلوك يحتاج الى تقويم؟!. النظام الإيراني مستمر في حروبه المفتوحة في أكثر من بلد عربي، هذا غير التغلغل الفكري والثقافي والمالي في بعضها الآخر. أم النظام السوري الذي يحاولون إعادة شرعيته عبر مكياج صغير بتعديلات دستورية، لن تعيد ملايين المشردين السوريين الى بلادهم، ولن تسترد ارواح ما يزيد عن مليون ضحية بالحرب على الشعب السوري، ولن تعيد اليهم اعضاءهم المبتورة ولا بلادهم المدمرة ولا احلامهم المهدورة…
أخيرا: مآلات النظام الإيراني ومشروعه.
١ – في ايران:
سيستمر الشعب الايراني في نضاله ضد النظام القمعي المستبد الديني، الذي افقره وجعله ضحية في صراعات عبثية خارجية، وفي جحيم فقر وبطالة وقمع وظلم داخلي، فهناك نضال قومي لعرب الاهواز للتحررمن المستعمر الايراني. ونضال ضد رجالات الدين ودولتهم التسلطية، وانتصارا لحقوق الإنسان وبقية القوميات المضطهدة.
٢- في الصراع مع دول الخليج.
ستستمر حرب الاستنزاف المتبادل خاصة في اليمن، والتي يجب أن تنتهي اخيرا بعودة اطراف الصراع اليمني الداخلي، إلى الشعب اليمني بقواه الحية، للتوافق على صناعة دولة يمنية ديمقراطية واحدة، وإخراج كل الأطراف المتصارعة داخل اليمن وعلى اليمن، حرب وقودها الدم اليمني ومستقبل اليمن وأجياله القادمة، وإخراج ايران ومشروعها منه، لأنه لا مستقبل له هناك.
٣- في سورية ولبنان.
لا بد أن ينتهي التغول الايراني على الدولة اللبنانية عبر ممثلها حزب الله، وإن إرهاصات ذلك حاصلة من خلال ثورة الشعب اللبناني الاخيرة التي رفعت الصوت بوجه حزب الله ودوره، وبعد أن رفعت دول العالم الدعم عن الدولة اللبنانية وأصبحت مكشوفة للجوع والفقر والبطالة والانهيار الاقتصادي، وخاصة بعد أن صدر قرار المحكمة الدولية بإدانة حزب الله في مقتل الحريري. ايام ايران في لبنان باتت معدودة، خاصة وأن العدو الصهيوني أصبح يميل الى ازالة خطر حزب الله عليها عبر دور امريكي ودولي وقد يكون عبر قوتها العسكرية، وهكذا تكون القوة العسكرية لحزب الله قد زالت وزال معها النفوذ الايراني نسبيا.
أما في سورية فلم يكن للدور الإيراني وحزب الله في سورية عبر دعمها للنظام المستبد المجرم بالتنسيق مع روسيا وبصمت دولي إلا لدعم استمرار حكم النظام الذي أصبح على جزء من سورية، وبقية الأجزاء تحت هيمنة دولية، وواقع احتلال أمريكي و روسي وايراني وتواجد تركي في الشمال السوري، كل ذلك من تركة الحضور الإيراني في سورية. وهذا كشف حقيقة ايران ودورها وأن ثورة الشعب السوري تتضمن إضافة إلى إسقاط النظام الاستبدادي السوري، اخراج المحتل الإيراني من سورية وكذلك حزب الله اللبناني، ولا حل مستقبلي لبناء الدولة السورية الديمقراطية القادمة دون ذلك.
٤- في صراعها مع القوى الدولية.
لا يوجد نصير دولي فعلي لإيران الا الصين وروسيا عبر مجلس الامن وبمستوى لا يتعدى التنديد الإعلامي. بينما امريكا والغرب معها، يحاصرون ايران ويمنعون بيع نفطها، وزيادة الحصار الاقتصادي والعسكري، وهذا يزيد تفاقم الواقع المعيشي لشعبها، في خطوة مقصود بها دفع الايرانيين للثورة على نظامهم، وكذلك في توريطهم بحرب قد تحصل، وتكون عاقبتها كارثية على ايران، والنموذج العراقي حاضر امامنا، وحتى لو استمرت لعبة التصعيد والتهديد المتبادلة بين أمريكا والغرب تجاه إيران فإن مآلها كارثي بكل المعايير على النظام والشعب الايراني.
٥ – وهكذا نحن أمام الفصل الأخير من سقوط نموذج الدولة الإمبراطورية التي يحاول بناءها النظام الإيراني على شرعية دينية وبالتغلغل العسكري والاقتصادي والثقافي والاجتماعي في دول أخرى، وقد يكون مآلها إنهاء هذا التغلغل وانكفاء النظام الايراني على إيران داخليا. أما الحساب الختامي فهو سقوط النظام الايراني أمام ثورة شعبه المطالب بدولة مدنية ديمقراطية، تعيد توزيع ثروات إيران على شعبها، وتجعلها جزء من المنظومة الدولية وتعيش في سلام ووئام مع دول الجوار والعالم. هكذا نتمنى وهكذا يحلم الايرانيون.