لا يزال الجنوب السوري مسرح عمليات اغتيال وتصفيات واختطاف منذ أكثر من عامين، في ظلّ معطيات تؤكد أنّ النظام السوري والجانب الإيراني يقفان خلف الفوضى الأمنية التي تضرب هذه المنطقة، التي لم تشهد أي استقرار، على الرغم من اتفاقات “التسوية” التي أبرمتها فصائل من المعارضة السورية مع الجانب الروسي، الذي لم يقم بما عليه من مسؤوليات تجاه هذه الاتفاقات.
وشهدت محافظة درعا، خلال الأيام القليلة الماضية، عمليات اغتيال عدة شملت قياديين وعناصر كانوا في صفوف فصائل المعارضة قبل اتفاقات التسوية منتصف عام 2018، ومسؤولين في قوات النظام وأجهزته الأمنية أو متعاونين معه من أبناء المحافظة. ولقي الشيخ محمد جمال الجلم مصرعه، يوم الجمعة الماضي، بعيارات نارية أطلقت من قبل مجهولين في مدينة جاسم في ريف درعا الشمالي، وفق مصادر محلية، أشارت إلى أنّ القتيل كان عضواً في لجنة درعا المركزية عقب التسوية، بعد أن كان قاضياً في محكمة دار العدل في حوران التي كانت تتبع للمعارضة.
وفي السياق، استهدف مجهولون بالأسلحة الرشاشة عميلين لجهاز الأمن العسكري التابع لقوات النظام، وسط بلدة محجة بريف درعا الشمالي، بالتزامن مع مقتل ضابط صف من عناصر إدارة المخابرات العامة، برصاص مجهولين بين بلدتي المسيفرة وكحيل شرق درعا، وذلك يوم الجمعة الماضي. كما قتل عنصر سابق في فصائل المعارضة في منطقة مزيريب على يد مجهولين، السبت الماضي. بينما شهدت بلدة حيط في الريف الغربي من محافظة درعا، اختطاف قيادي في إحدى مجموعات الفيلق الخامس التابع للروس، أثناء توجهه إلى مدينة بصرى الشام شرقي درعا.
وكانت فصائل من المعارضة السورية قد أبرمت اتفاقات “تسوية” مع الجانب الروسي في صيف 2018، أنهت سنوات من القتال مع قوات النظام في جنوب سورية، ودفعت معارضي الاتفاقات من عسكريين ومدنيين إلى الشمال السوري. ولكن الجنوب لم يشهد أي استقرار منذ ذاك الحين، إذ وقعت مئات عمليات الاغتيال والاختطاف من قبل جهات عدة في المنطقة. ولم يقم الجانب الروسي بما عليه من التزامات حيال اتفاقات التسوية التي اتخذ منها النظام مدخلاً للعودة إلى الجنوب السوري للفتك بمعارضيه من مدنيين وعسكريين؛ سواء الذين وافقوا على الاتفاقات أو وقفوا منها موقف المحايد.
ولطالما شكّل التمدد الإيراني في جنوب سورية سبباً مباشراً للغليان الشعبي، خصوصاً في محافظة درعا التي شهدت خلال العام الحالي تظاهرات منددة بالوجود العسكري الإيراني في الجنوب عبر الاتخاذ من مقرات الفرق العسكرية التابعة لقوات النظام أماكن تمركز وتدريب. وفي مقابل عمليات الاغتيال التي تستهدف قياديين وعناصر سابقين في فصائل المعارضة، دأب مجهولون على استهداف ضباط في قوات النظام وأجهزته الأمنية. وقتل ضباط برتب عالية في درعا أخيراً، إذ لقي، الخميس الماضي، عميد في قوات النظام مصرعه قرب أحد المشاريع الزراعية على الطريق الواصل بين بلدتي بصر الحرير وناحتة شرق درعا. كما قتل في اليوم نفسه عنصران من الفرقة الرابعة في قرية نهج القريبة من بلدة تل شهاب غرب درعا، على يد مجهولين. بينما نجا، الأحد، ضابط في قوات النظام برتبة عميد يُدعى قيس حسان عبد الرجب من محاولة اغتيال بانفجار عبوة ناسفة استهدفت سيارته أثناء مروره على طريق بلدتي إنخل وجاسم. وتؤكد مصادر محلية أن هذا الضابط نفّذ عمليات إعدام وتصفية جماعية لمدنيين في مناطق عدة في الجنوب منذ عام 2012 وحتى الآن.
وكان أشار “تجمع أحرار حوران” في بيان في أغسطس/آب الماضي، إلى أنّ “مسلسل الاغتيالات، لم يستثنِ الأطفال ولا الشباب على اختلاف توجّهاتهم”، موضحاً أنّ بعض قادة المصالحات مع النظام مسؤولون عن عمليات اغتيال عدة، طاولت عدة أشخاص معارضين للنظام. كما أشار إلى أنّ طرفاً غير معروف يردّ باستهداف عناصر تابعين لقادة المصالحات في المحافظة، أو يعملون لحسابهم، لافتاً إلى أنه “ثمّة أكثر من دليل يؤكد أنّ مخطط الاغتيالات رسمته إيران والنظام بهدف التخلص من أبناء المنطقة، سواء موالين للنظام أو معارضين له”. ولفت التجمّع إلى أنّ “إيران سخّرت كل الإمكانيات لتنفيذ هذا المخطط”، إذ “جنّدت العشرات من أبناء المحافظة، وأسهمت في الإفراج عن عشرات العناصر من تنظيم داعش”، مبيّناً أنّ “الإيرانيين أوكلوا إلى العميد لؤي العلي، رئيس فرع المخابرات العسكرية في الجنوب، مهمة الإشراف على تنفيذ المخطط”.
وفي حديث مع “العربي الجديد”، أشار العميد إبراهيم الجباوي، وهو قيادي سابق في فصائل المعارضة السورية في جنوب سورية، إلى أنّ “هناك أكثر من طرف يقف خلف عمليات الاغتيال في درعا، ولكن غالبيتها بوحي من عصابات النظام والمليشيات الإيرانية، وذلك بواسطة من باع نفسه لهذا الطرف أو ذاك بعد إجراء التسويات عام 2018”. وأشار الجباوي إلى أنّ “هناك بعض العمليات تقوم بها المقاومة الشعبية المكونة من الأحرار الذين أبوا الهجرة، تستهدف رموز النظام والمتعاونين معه”.
وكانت “المقاومة الشعبية” في محافظة درعا قد أعلنت عن نفسها في بيان في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، موضحةً أنّها تعمل لـ”ردع قوات الأسد والمليشيات الموالية لها، في ظلّ استمرارها في الاعتقالات والانتهاكات بحق مناطق الجنوب السوري”. ووفق مصادر محلية، تضم “المقاومة الشعبية” العديد من مقاتلي “الجيش السوري الحر” الذين رفضوا المصالحة مع النظام، مشيرة إلى أنها تعتمد أسلوب مباغتة قوات النظام وأجهزته الأمنية بين فترة وأخرى، إضافة إلى اغتيال الشخصيات المرتبطة به.
المصدر: العربي الجديد