رأت مجلة “ناشونال انترست” الأميركية أن حوادث التصادم بين القوات الأميركية والروسية في شمال شرق سوريا ليست “مصادفة”، بقدر ما هي نتيجة عوامل قد يؤدي أي سوء تفاهم خلالها إلى اندلاع معركة بين الطرفين.
اندلعت في آب/أغسطس، مناوشات بين الدوريات الروسية والأميركية المنتشرة في شمال شرق سوريا. وفقًا للمتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأميركي، وقع الاصطدام بالقرب من المالكية، على الحدود التركية-السورية، عندما واجهت الدوريات الأميركية والروسية بعضها البعض.
صدمت مركبة روسية عمداً مركبة أميركية مقاومة للألغام ومحمية من الكمائن، مما أدى إلى إصابة أربعة جنود أميركيين. الخلاف هو الأحدث في سلسلة الاشتباكات التي شاركت فيها القوات البرية الروسية والأميركية في المنطقة، بعد الانسحاب الجزئي للولايات المتحدة من شمال شرق سوريا.
ويسلط التصادم الضوء على وجود دوريات أمنية متداخلة. إلى جانب ذلك، وفقاً لبعض المقاطع المصورة، حلّقت طائرتان مروحيتان روسيتان على ارتفاع منخفض فوق الدوريات الأميركية خلال الحادث. هذان العنصران، بالإضافة إلى موقف القوات الروسية الاستفزازي، يزيدان من مخاطر الاشتباكات العسكرية المباشرة الإضافية في المستقبل.
هذه ليست حادثة منعزلة ولكنها الأحدث في سلسلة الحوادث التي تورط فيها الجيشان. على وجه التحديد، يمكن أن تمثل هذه الحوادث استراتيجية روسية لاختبار الحدود التي يمكن أن تصل إليها القوات الأميركية في محاولة لتشجيع انسحاب أميركي كامل من المنطقة ومن شرق سوريا تماماً.
وتلفت المجلة الأميركية إلى أنه “على عكس الاشتباكات السابقة التي شاركت فيها دورية مشتركة بين الولايات المتحدة وقوات سوريا الديموقراطية والميليشيات الموالية للحكومة السورية، أو الهجوم على القافلة العسكرية الأميركية من قبل الميليشيات الموالية للحكومة السورية، فإن هذا الأخير كان بشكل مباشر مع روسيا ويبدو أنه مُتعمد”.
في الواقع، ازدادت الخلافات بين القوات الأميركية والروسية بعد قرار الرئيس دونالد ترامب قصير الأمد بسحب 1000 جندي أميركي، وبعد ذلك غيّر رأيه، ووافق على إبقاء قوة أصغر في منطقة أكثر ضيقاً لحماية “النفط.
دفعت إعادة تموضع القوات الأميركية اللاحقة القوات الروسية إلى توسيع نطاق انتشارها عبر شمال شرق سوريا، مما وضع الفصيلين على اتصال وثيق ومتكرر. بينما حاول كلا الطرفين تجنب الاشتباكات الدامية وتكرار المواجهة العنيفة، فإن مثل هذه المواجهة، التي تمثل مواجهة عسكرية مباشرة بين الدوريات الروسية والأميركية، بدلاً من الشجار بين واحد أو أكثر من الوكلاء أو القوات المتحالفة، من المرجح أن تزيد من فرص مزيد من سوء التقدير والتصعيد، وأكثر من ذلك، نظراً للضغط المتزايد على القوات الأميركية للحفاظ على وجودها في شمال شرق سوريا، والجهود الروسية لتوسيع وجودها تضايق وتدفع القوات الأميركية إلى خارج البلاد.
وترى “ناشونال إنترست” أن “التوترات المتزايدة بين الولايات المتحدة وروسيا قد تكون مرتبطة بالتوقيع الأخير على صفقة نفط بين شركة أميركية والإدارة الذاتية الكردية السورية. من خلال القيام بذلك، تعيد الولايات المتحدة صياغة وجودها خارج نطاق تفويضها الأولي لمكافحة “داعش” وتشير إلى نيتها البقاء على المدى الطويل في المنطقة الغنية بالنفط، وهو أمر كان المعسكر الموالي للنظام قلقاً بشأنه دائماً”. هذا التحليل أقرب إلى الواقع، نظراً للتقارير التي تشير إلى أن روسيا حاولت مؤخراً إبرام صفقة مماثلة لاستكشاف واستغلال حقول النفط في المنطقة، وواجهت رفضاً واضحاً من الإدارة الذاتية، بحسب المجلة.
وفي حين سحبت الولايات المتحدة جزءاً من الأفراد الأميركيين، الذين تم نشرهم في البداية لهزيمة تنظيم “داعش”، تحاول واشنطن الحفاظ على وجودها العسكري في الدفاع عن حقول النفط الواقعة في شمال شرق سوريا. إلى هذا الحد، ستضمن الصفقة التي تم إبرامها مؤخراً خمسة وعشرين عاماً من الوجود الأميركي بهدف تطوير البنية التحتية النفطية في المناطق التي تسيطر عليها “قسد” لدعم الاستهلاك المحلي في مناطق الإدارة الذاتية، وربما تصدير النفط عبر تركيا والعراق.
إلى جانب ذلك، يأتي اندلاع التوترات بين الولايات المتحدة وروسيا في وقت تراجعت فيه الإدارة الذاتية عن طاولة المفاوضات بهدف التطبيع مع حكومة دمشق، لكنها قالت إن السلطات السورية ليست جادة بشأن المفاوضات مع السلطة الذاتية التي يقودها الأكراد. وأضافت الإدارة أن روسيا فشلت في تسهيل المحادثات.
لذلك، فإن “الحوادث” الأخيرة ليست من قبيل الصدفة، بحسب “ناشونال انترست”، وهي نابعة من مواجهة أوسع بين الولايات المتحدة وروسيا، مما يؤكد احتمال الإبلاغ عن “مواجهات” أخرى.
كذلك يجب الأخذ في الاعتبار إمكان تغيير إدارة ترامب، مع عدم وضوح أي شيء سوى استراتيجية واضحة بشأن شمال شرق سوريا، تترافق مع إرادة روسية لإظهار باب الخروج للقوات الأميركية في المنطقة. كلا السببين، اللذين تغذيهما أيضاً رغبات روسية محتملة في الانتقام -بعد أن عجزت عن إبرام صفقة نفط- من المرجح أن تعزز فرص المواجهات العسكرية الأخرى.
المصدر: المدن