انتهت محاكمة الرئيس ترامب ومحاولة عزله لصالحه وصالح حزبه، وارتدت نتيجتها على خصومه في الحزب الديمقراطي، مما هيأ الأجواء منذ الآن للبدء بالاستعداد للانتخابات البرلمانية النصفية والرئاسية في نوفمبر القادم.
لقد برأت الغالبية الجمهورية في مجلس الشيوخ ترامب من تهمتي اساءة استخدام سلطاته والمطالبة بالحكم بعزله قبل أن تنتهي ولايته الأولى، وقطع الطريق عليه للترشح لولاية ثانية. ولكن 52 نائبا جمهوريا وقفوا سدا منيعا ضد المحاولة، لأن ادانة ترامب وعزله ستكون هزيمة وكارثة لحزبهم. أما الآن فإن الكارثة انتقلت الى الحزب الديمقراطي، وستنعكس حتما على انتخابات نوفمبر النيابية والرئاسية، وقد بدأت اعراضها تظهر منذ الآن في صفوف الحزب الذي يشهد صراعات وخلافات حادة، وافتقارهم لشخصية كاريزمية قادرة على منافسة ترامب الذي وصلت نسبة التأييد له بين الناخبين درجة عالية جدا، إذ أظهر استفاء أجرته مؤسسة غالوب قبل يوم واحد من المحاكمة أن شعبيته تزداد ولا تتراجع ، ووصلت 49 % ، بفضل الانجازات والنجاحات الاقتصادية التي حققها الرئيس في ولايته الأولى ، وإعادة بعض الهيبة لأميركا بعد التراجع والانحدار في سنوات اوباما الثماني . صحيفة واشنطن بوست التي واظبت على اقتناص كل فرصة ممكنة للإساءة لترامب منذ بداية عهده اضطرت بعد المحاكمة للاعتراف بأنه حقق انتصارا سياسيا له وللحزب الجمهوري، وكذلك كان رأي المعلقين في بريطانيا وأوروبا حيث أجمعوا على أن الديمقراطيين عملوا على اضعافه واسقاطه لكنه هزمهم، فارتدت الهزيمة عليهم الى داخل صفوفهم. بينما حشدت الكثير من مؤيديه وراء الحملة الانتخابية لإعادته، فتبرعوا له ب 46 مليون دولار حتى الآن نكاية بالديمقراطيين. وقال رئيس مركز ابحاث في جامعة فيرجينيا أن الإيجابية الوحيدة لهذه المحاكمة أنها أيقظتهم من غفلتهم ونبهتهم الى حظ ترامب في الفوز بالرئاسة مرة ثانية على خصمه جو بايدن الذي لا يتمتع بتأييد يذكر حتى داخل حزبه .
لا شك أن ما جرى في المحاكمة لا يمثل العدالة القضائية، وكشف عيوب النظام الامريكي على ثلاثة مستويات: الحزبي، والديمقراطي، والقضائي. ولو جرت المحاكمة أمام محكمة عادية لكانت النتيجة لغير صالحه، والعدالة التي أظهرتها المحاكمة عدالة مشوهة للأسف. وما كان لبراءة ترامب أن تتحقق لولا سيطرة الجمهوريين على الاغلبية في مجلس الشيوخ.
ورأى كثير من المحللين أن الحكم النهائي في الاتهامات الموجهة لترامب ستكون في نوفمبر بقرار يصدره الناخبون لا الحزبيون السياسيون الذين لا تعنيهم العدالة ولا مصالح الامة الامريكية، بمقدار ما تعنيهم مصالحهم الشخصية والحزبية والسياسية، وحسب!
ويرجح المحللون أن فرصة فوز ترامب أصبحت كبيرة جدا بعد المحاكمة التي أهداها له ألد خصومه، وعدوها خطيئة لا تغتفر لهم.
ولا ينبغي لنا أن ننسى أنه ليس الديمقراطيون وحدهم من كانوا راغبين في انهاء حكم ترامب، بل هناك دول أيضا في الخارج تحسب الوقت المتبقي من ولاية ترامب بالساعات والدقائق، وترغب ببهدلته قبل عزله، على رأس هذه الدول ايران، ولكن يبدو أنه على خامنئي والحرس الثوري أن يراجعوا حساباتهم على ضوء ما جرى في الكونغرس، وما قالته استفتاءات الرأي العام، وهي كافية لإصابتهم بالكآبة الشديدة من الآن وحتى نوفمبر 2020، لا سيما أنهم يعلمون حتما كيف سيتصرف معهم في ولايته الثانية !