
التقى تلفزيون سوريا الدكتور أحمد موفق زيدان، مستشار رئيس الجمهورية العربية السورية للشؤون الإعلامية، وفي لقاء خاص استعرض زيدان استعراضاً مفصلاً لتقييم العام الأول بعد “التحرير” وما صاحبه من أفراح عارمة تم وصفها بأنها “استفتاء شعبي عارم” على العهد الجديد، مدعومة ببيانات تشير لارتفاع الثقة الشعبية في القيادة والمؤسسات.
ركز المستشار زيدان بشكل أساسي على الملف الاقتصادي، مؤكداً على تحقيق تحسن ملموس من خلال رفع الرواتب بنسب كبيرة (تصل إلى 500%)، وتوفر السلع بعد زوال أزمات الطوابير، مشيراً إلى أن التدبير الجيد للموارد المتاحة هو سبب هذا التحسن مقابل النهب الذي مارسه النظام المخلوع، مع إقراره بصعوبة التحكم في أسعار المستوردات.
أما المحور الأهم فكان متعلقاً بـ الديمقراطية وحرية التعبير، حيث اعتبر الدكتور زيدان أن حرية التعبير هي أبرز إنجاز داخلي، واصفاً ما يحدث في الشارع وفي الجامعات بأنه “عصر اللامنطق” الذي تجاوز كل التوقعات.
كما تناول بشكل معمق ملف مجلس الشعب المرتقب، مؤكداً على أن التحديات الحالية ستُدار عبر ما أسماها بـ “التوليفة الديمقراطية” التي تناسب المرحلة، مشدداً على أن المجلس الجديد سيكون له صلاحيات حقيقية للتشريع والرقابة واستجواب الحكومة، وهو ما يمثل نقلة نوعية في التعامل مع منظومة القوانين المهترئة.
إقليمياً ودولياً، تم التأكيد على أن “التحرير” كان له أثر جيوسياسي واسع، إذ ساهم في حل نسبة كبيرة من مشاكل دول الجوار (الأردن وتركيا) المتعلقة بالإرهاب والكبتاغون واللاجئين، مع الإشادة بالقرار الأميركي برفع قانون قيصر والدعم الإقليمي. واختتم اللقاء بدعوة شاملة للوحدة الوطنية وتوظيف قوة الشتات السوري والتحاق جميع السوريين بقطار النصر والتحرير، والتعويل على المشاركة الشعبية الكاملة في إنجاز الطموحات الاقتصادية والتنموية للمستقبل.
“استفتاء شعبي عارم”
في الذكرى الأولى لتحرير سوريا وبعد الأفراح العارمة التي عمت المدن السورية والتي لم تشهدها البلاد تاريخياً، لا بد من الوقوف عند التحديات والإنجازات والخطط المستقبلية لسوريا المستقبل.
أكد الدكتور أحمد موفق زيدان أن المشاهد كانت مهيبة، حيث وصلت الجموع إلى مئات الآلاف والملايين التي احتفلت بسوريا. وأشار إلى أن السوريين لم يفرحوا بهذه الفرحة منذ مئات السنين كما فرحوا في يوم سقوط “الطاغية” وفي الذكرى السنوية الأولى لسقوطه. تميزت هذه الاحتفالات بكونها عفوية، حيث لم يتخلف سوري واحد عن الحضور، إلا من كان معذوراً.
ووصف زيدان مشاهد الشوارع والساحات وهي تغص بالسوريين في دمشق واللاذقية والقرداحة وحماة وحمص وكل المدن السورية بالفرح، بأنها “استفتاء شعبي حقيقي عارم” على العهد الجديد. وشمل هذا الاستفتاء السوريين في الشتات الذين “صوتوا بأقدامهم” لخروجهم فرحين بهذا النصر العظيم.
وأشار إلى أن هذه المظاهرات كانت عفوية، بينما كان طلاب الجامعات والعمال والموظفين يساقون في السابق إلى الساحات للاحتفال بذكرى ما سموه “الحركة التصحيحية” والتي وصفها بـ “الحركة التخريبية لسوريا”.
تزامنت احتفالات التحرير هذا مع مسح نشرته مجلة “فورين أفيرز” تحدث عن ثقة 93% من الشعب السوري بالرئيس أحمد الشعر، و 73% يثقون بالجيش السوري، و 63% يثقون بالقضاء السوري. هذه العوامل شكلت رافعة لآمال وطموحات السوريين نحو مستقبل أفضل.
الإنجازات الاقتصادية والتحديات الداخلية
أكد زيدان أن الحكومة الحالية هي الأكثر شفافية مقارنة بالحكومات التي مرت على سوريا، وأن الشعب يعرف ماذا أنجزوا وماذا سينجزون وماذا يمكن إنجازه.
واعتبر أن الوضع اقتصادي أفضل بكثير، حيث تم رفع الرواتب بأكثر من 300% إلى 500% في بعض القطاعات. وبرر ذلك بأنه رغم وجود مناطق وموارد خارج سيطرة الدولة، إلا أن “التدبير نصف المعيشة”، بمعنى أن النظام المجرم السابق كان ينهب الشعب السوري من أجل جيوبه، وهو ما ظهر في الأموال الهائلة التي هربت.
و أشار إلى أن السلع متوفرة على مدار الساعة، بعد أن كانت طوابير الخبز والغاز والكهرباء تمثل إشكالية كبيرة. ولفت إلى تحسن الأسعار، مقارناً سعر كيلو الموز الذي كان بـ 100,000 ليرة سورية وأصبح بـ 9,000 ليرة سورية، إضافة إلى توفر سلع كانت محصورة في دمشق وأصبحت تأتي من الشمال السوري.
وأوضح أنه لا يمكن السيطرة على أسعار السلع التي هي من إنتاج خارجي ومحكومة بالأسعار في الخارج، ولكن لا توجد مقارنة بين رفع الرواتب وارتفاع الأسعار.
وأشار إلى عودة الكهرباء لساعات طويلة، لكنه نوه إلى أن شبكة الكهرباء والمياه والصرف الصحي قديمة جداً وتضررت كثيراً نتيجة الحرب والدمار، ونتيجة استهداف النظام السابق للمنشآت بـ 82,000 برميل متفجر (ما يعادل قنبلتي هيروشيما وناجازاكي)، و 217 ضربة كيماوية، وتهجير 14 مليون شخص، وتدمير سوريا بنسبة 60% إلى 70%.
“التوليفة الديمقراطية” والتأثير الجيوسياسي للتحرير
في أول مرة يتحدث فيها مسؤول رسمي سوري عن “الديمقراطية” في سوريا، أكد زيدان أن اليوم لأول مرة يسمع السوري صوته، مستشهداً بما شاهده في جامعة دمشق من هتافات تهتف للحرية والشهداء والكرامة، وأن هذا الأمر لم يكن متخيلاً في المنطق السياسي والتاريخي، ووصفه بـ “عصر اللامنطق”.
وذكر أن تحرير الشعب السوري لم يحرر السوريين فحسب، بل حرر الإقليم والعالم من مشكلة الإرهاب الذي كان يصدره النظام المجرم، ومن مشكلة اللاجئين التي أغرقت أوروبا ودول الجوار، ومن مشكلة الكبتاغون.
وبالنسبة للاستقرار الجيوسياسي، أشار إلى أن الخليج العربي كله اليوم في وضع مرتاح جيوسياسياً بعد “تكنيس وشطف دمشق من الميليشيات الطائفية والاحتلال الإيراني وغيره”، مؤكداً مقولة “وعز الكون أوله دمشق”.
الإنجازات الإقليمية والدولية ورفع العقوبات
وذكر أن أكثر من 60% إلى 70% من مشاكل دول الإقليم قد تم حلها في دمشق، سواء مع الأردن (لاجئين، كبتاغون، تهريب أسلحة، تهديد جيوسياسي)، أو مع تركيا (لاجئين، دعم إرهاب، تهديد جيوسياسي).
وأكد أن النظام السابق كان “نظام فتن” لا يعيش إلا على الفتن، وبعد اقتلاع جذوره، عادت سوريا إلى الحضن العربي وعاد العالم إلى سوريا.
ووجه الشكر للرئيس الأميركي دونالد ترمب على اتخاذه “خطوة شجاعة” غير مسبوقة في تاريخ السياسة الأمريكية لرفع العقوبات، والتي أتت بدعم عربي من الأمير محمد بن سلمان، وقطر والكويت والأردن وتركيا، مؤكداً أن هذا الاحتضان هو ما ساعد في خطو خطوات متقدمة.
التعاطي مع تحديات السلم الأهلي ومناطق السيطرة
أكد زيدان أن الدولة السورية مدت يدها لكل المحافظات منذ اليوم الأول، وتتعاطى معها بشكل إداري وليس طائفي أو إثني أو عرقي، وأن الجميع سوريون، وتتعامل مع السويداء كإدلب ودرعا واللاذقية وطرطوس.
وأشار إلى أن المظاهرات في السويداء لم تتجاوز 2000 إلى 3000 متظاهر، وأن المجموعات الصغيرة، سواء في السويداء أو في مناطق سيطرة “قسد”، لا تمثل أهلها وإخوانهم. ووصف محاولات إعادة عقارب الساعة إلى الوراء بأنها “وهم”.
وأكد أن أقطاب العالم (الصين، روسيا، أميركا) تجتمع وتدعم الدولة السورية الجديدة، وأن “قطار التنمية والاستقرار والتطور” انطلق ووصلت محطاته إلى واشنطن وبكين وبون ولندن، وأن من يتخلف عن ركوبه هو خاسر، ووعد بمواصلة العمل لإرغامهم على العودة إلى سوريا الجميلة.
وأوضح أن جمال سوريا في “اختلاف التنوع” وليس اختلاف التضاد، وأن الأثنيات والطوائف يمكن أن تفيد سوريا من خلال توظيف امتداداتها ونفوذها في الخارج من أجل سوريا المستقبل، وأن الشتات السوري هو “لوبيات ضغط حقيقي” في عواصم العالم.
استحقاق مجلس الشعب ومنظومة القوانين
أقر المستشار الرئاسي بأن الجميع ينتظرون انطلاق مجلس الشعب، المرتبط بالتشريعات والقوانين، خاصة وأن منظومة القوانين مهترئة من زمن النظام السابق وبحاجة إلى منظومة جديدة تشمل العدالة الانتقالية.
ووصف الفترة الحالية بـ “الخلطة الشامية الجديدة” التي فاجأت العالم بـ”توليفة ديمقراطية” تناسب المرحلة، على أمل أن تكون هناك انتخابات حرة وواضحة وشعبية مباشرة خلال السنوات الخمس المقبلة.
وأوضح أن الانتخابات انتهت على المستوى الشعبي، وبقي تعيين الثلث من قِبل الرئيس أحمد الشرع لسد الثغرات المتعلقة بالمرأة وبعض المكونات والخبرات والكفاءات، مشيراً إلى أن الإعلان تأخر بسبب انشغالات الرئيس باحتفالات النصر.
وأكد أن هذا المجلس الذي اختيرت شخصياته من شخصيات ثورية وطنية ذات وزن اجتماعي، سيكون فعلاً مجلساً “ينطق باسم الشعب”، وسيكون له الصلاحيات والهامش الحقيقي لاستجواب الحكومة والوقوف عند مطالب السوريين. وذكر أن الرئيس يؤجل إصدار بعض القرارات لحين التئام المجلس ليصادق عليها.
الخطط المستقبلية والمسؤولية الجماعية
أكد أن هناك طموحات ضخمة جداً لدى الرئيس السوري أحمد الشرع في مشاريع اقتصادية وتنموية، ووعد بأن “جردة حساب العام المقبل” ستظهر قريباً وستلبي الكثير من آمال وطموحات السوريين.
وشدد على أن التعويل الأساسي والأول والأخير هو على الشعب السوري، داعياً إلى أن لا ينتظر أحد من الحكومة ماذا ستفعل، بل “الكل مدعو إلى المشاركة في عملية البناء وعملية التنمية وعملية التطوير”، وأن كل سوري هو ممكن بحيث يؤدي دوره ويكون فاعلاً في هذه الدولة، بعكس ما كان في النظام المخلوع.
المصدر: تلفزيون سوريا


