ماذا جرى داخل حماة في الساعات الأولى لدخول قوات ردع العدوان؟

محمد موسى محمد ديب

في 5 تشرين الثاني 2024 دخلت قوات ردع العدوان مدينة حماة بعد معارك على أطرافها، لتبدأ لحظة تحرير حملت معنى يتجاوز البعد العسكري. بين انهيار خطوط النظام المخلوع واستقبال الأهالي، شهدت المدينة ساعاتٍ أولى اختلط فيها الفرح بالذاكرة الثقيلة، وبدأت خلالها ملامح واقعٍ جديد بالتشكّل.
استطاع مقاتلو ردع العدوان دخول المدينة واختراق تحصينات نظام الأسد، لأنّ غالبية المقاتلين كانوا من أهل حماة الذين هُجّروا للشمال السوري، فهم أعلم بجغرافيا وتضاريس المنطقة، تحولت الحرب داخل المدينة بعد طرد جيش الأسد والميليشيات الرديفة له، من “هجوم ثوري” إلى لقاء الأهل والأحباب، بين كثير من المقاتلين الذين لاقوا ذويهم ينتظرون دخولهم للمدينة.
كيف تهيّأت حماة لدخول مقاتلي ردع العدوان؟
جاء قرار دخول مدينة حماة يعد أيام من الرصد والتقدير لخطوط الدفاع التي اعتمد عليها نظام الأسد المخلوع لسنوات، وفي الساعات الأخيرة قبل العبور، انقسمت مجموعات المقاتلين بين مراقبة مسارات الاقتحام وتأمين الطرقات الخلفية وتقدير ردّة فعل الميليشيات المتمركزة قرب قمحانة وجبل زين العابدين.
يقول القائد الميداني في وزارة الدفاع، حسن مرعي مهدي حبيب، لموقع تلفزيون سوريا: بعد تحرير حلب، بدأت المدن تتحرر تباعًا تحت ضغط الانهيار الكامل لخطوط قوات الأسد المخلوع، من ريف إدلب الجنوبي إلى ريف حماة الشمالي، خان شيخون، معرة النعمان، صوران، حلفايا وغيرها.
يضيف حبيب: “كان لكتائب شاهين وسرايا الاقتحام الليلي وقوات النخبة دور محوري في فتح الطريق، ومع كل تقدّم كانت أعيننا على المدينة التي تنتظرنا، أهالي تلك المناطق كانوا يشدّون عزيمتنا، وحماة – بموقعها الاستراتيجي – صمد فيها النظام المخلوع طويلًا، لكن لحظة دخول خطاب حملت معها فجر التحرير”.
يتابع: “تعرّضنا لقصف هستيري في خطّاب، وخلال صلاة الفجر تمامًا ألقى الطيران المروحي براميل محمّلة بالكلور، وهذه الحادثة لم تُوثّق كما يجب، ومع ذلك تابعنا التقدّم حتى دخلنا حماة”.
وأردف: “لن أنسى تلك اللحظة… كنت أحرّر مدينتي لأول مرة، وقابلت أبي وأمي بعد سنوات، أصوات الشوارع، التكبير، الزغاريد، الأطفال الذين خرجوا رغم القصف… كل ذلك جعل المشهد أشبه بالحلم”.
ويختم حديثه لموقع تلفزيون سوريا بالقول: “رغم وجود أحياء لم تُمشّط بالكامل، لم تتوقف حشود الأهالي عن الخروج، متحدّين القصف الذي استهدف المدنيين.. ذلك اليوم سيبقى محفورًا في الذاكرة.. كان يومًا فهمت فيه معنى أن تستعيد مدينة صوتها من جديد”.

3 من كانون الأول.. يوم انهيار دفاعات حماة واستنجاد “الأسد” بمجلس الأمن
استقبال الأهالي المقاتلين في الساعات الأولى
اختلطت أهازيج الحدث مع الموقف التاريخي، فبالرغم من قصف نظام الأسد المخلوع على المدنيين المحتفلين في الساعات الأولى للتحرير، لم تتوقف حشود الأهالي للساحات للاحتفال مع المقاتلين المحررين، وذلك لِما له من رمزية إنسانية وشدّة الظلم من الأسد المخلوع على الأهالي منذ الثمانينيات، يؤكد محمد حمامة لموقع تلفزيون سوريا أنّ مشاركته في دخول مدينة حماة لم تكن ضمن مهمة قتالية مباشرة، بل جاءت بحكم عمله في التوجيه المعنوي في وزارة الدفاع، وباعتباره أحد المهجّرين الذين رافقوا مسار التحرير منذ مراحله الأولى.
ويوضح حمامة أنّ وجوده إلى جانب مجموعات التقدّم أتاح له متابعة التغيّرات داخل الأحياء لحظة بلحظة، وقراءة كيفية تفاعل المدنيين مع الحدث في أثناء انهيار الخطوط الأمنية للنظام المخلوع.
وبحسب حمامة، فإن الدخول إلى المدينة كشف عن تفكك شبه كامل للهياكل الإدارية القديمة، مقابل بروز تنظيم مدني تلقائي تمثل في فتح المسارات الآمنة وتحديد نقاط الحركة الأساسية قرب الطرق والمحال التي بقيت عاملة.
كما يشير إلى أنّ السكان اعتمدوا على شبكات ثقة داخلية بين العائلات لتبادل المعلومات حول مصادر الخطر، ما يعكس محافظة المدينة على بنيتها الاجتماعية رغم عقود القمع.
ويضيف أنّ الساعات الأولى للتحرير أبرزت القابلية السريعة لعودة النشاط المدني والتوقف عن الامتثال لمنظومة الرقابة السابقة، وهو ما شكّل مؤشراً عملياً على قدرة المدينة على إعادة تنظيم شؤونها بعيداً عن سلطة الأجهزة الأمنية، وهذه الملاحظات تصلح لفهم المراحل الأولية لانتقال المدن من السيطرة الأمنية إلى الإدارة المحلية الطبيعية بعد التحرير، وفقا لحمامة.
من ذاكرة الألم إلى شعور استعادة المدينة
الذاكرة الجمعية لأهالي المدينة وريفها محملةٌ بأحداثِ الثمانينيات الدامية والتي راح فيها المئات من الضحايا والمئات من المعتقلين، وآثارها ممتدة على السلوك الاجتماعي، وتشكل هذه الخلفية عنصرًا أساسيًا لفهم طريقة تفاعل السكان مع لحظة التحرير وما رافقها من تغيّرات في المجال العام.
إذ توضح المختصّة في البحث الاجتماعي ندى شلي لموقع تلفزيون سوريا أن التحوّل السريع في سلوك أهالي حماة بعد التحرير لا يمكن فهمه بوصفه اندفاعًا عاطفيًا مفاجئًا، بل كنتيجة مباشرة لانكسار بنية خوفٍ تراكمية تشكّلت منذ أحداث الثمانينيات، وتشير إلى أنّ الصمت الذي حكم الحياة اليومية في المدينة طوال عقود لم يكن اختيارًا، بل آلية بقاء فرضتها ذاكرة جماعية مثقلة بالعقاب والقمع، ومع تغيّر شروط الأمان، بدأ هذا الصمت بالتراجع، مما أتاح للناس الانتقال من الانكماش إلى الحضور في المجال العام خلال وقت قصير.
وترى شلي أن التحرير حمل دلالات رمزية عميقة لسكان المدينة، إذ شكّل لحظة كسر لمرجعية الخوف التي استُخدمت لعقود لضبط سلوك المجتمع، ومع ذلك تؤكد أن تجاوز آثار الماضي لن يكون تلقائيًا، وأن حماة تواجه تحديًا طويل المدى يتمثل في معالجة الصدمة التاريخية وبناء وعي اجتماعي قادر على الاستقرار من دون إعادة إنتاج أنماط القهر السابقة.
ماذا قال أهل حماة في يوم التحرير
يعتبر الدكتور فداء نجّار، وهو أحد معتقلي أحداث الثمانينيات في حماة، لموقع تلفزيون سوريا: إنّ دخول المقاتلين إلى المدينة شكّل لحظة محورية في تاريخها، خصوصًا بالنسبة له وقد أمضى 23 عامًا في الاعتقال بين سجني تدمر وصيدنايا منذ عام 1982.
ويشير النجّار إلى أن تحرير حماة حمل دلالة تتجاوز الجانب العسكري، بوصفه انتقالاً من مرحلة طويلة من السيطرة الأمنية إلى واقع جديد قائم على استعادة الكرامة العامة وإنهاء إرث القمع الذي ترك أثره العميق في المجتمع الحموي.
ويضيف نجّار أنّ ما جرى يكتسب معنى خاصاً في ظل الخلفية التاريخية لأحداث عام 1982 وما رافقها من ضحايا ومفقودين، موضحًا أن استقبال الأهالي للمقاتلين عكس رغبة واضحة في إغلاق صفحة امتدت لأكثر من أربعة عقود. ويرى أن هذا التحول يمثل لحظة فارقة في الوعي الجمعي لسكان المدينة.
تقدّم لحظة تحرير حماة نموذجًا لفهم الكيفية التي تتفاعل بها المجتمعات مع التحوّل من السيطرة الأمنية إلى المجال العام المفتوح، وبين الذاكرة الثقيلة ومسؤوليات الواقع الجديد، تبقى المدينة أمام اختبار قدرتها على بناء صفحة مختلفة تقوم على الاستقرار والمؤسسات لا على الخوف.

المصدر: تلفزيون سوريا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى