
يضع الاستهدافُ الإسرائيليّ الأخير في الضاحية الجنوبيّة اسمَ هيثم علي طبطبائي، المعروف بـ”أبو علي طبطبائي”، في واجهة المشهد مجدّدًا، بوصفه أحد أبرز العقول العسكريّة في “حزب الله” وأحد أكثر قادته ملاحقة من جانب الولايات المتّحدة وإسرائيل.
ووُلد هيثم علي الطبطبائي عام 1968، وتختلف الروايات حول مكان ولادته بين بيروت والجنوب اللبناني، كما تشير تقارير إلى أنّه من أبٍ إيرانيّ وأمّ لبنانيّة جنوبيّة.
تقول مصادر إعلاميّة إنّه نشأ في بيئةٍ شيعيّة متديّنة، وانضمّ في شبابه إلى “المقاومة الإسلاميّة” التي شكّلت النواة العسكريّة لـ”حزب الله”، ليتدرّج داخلها في مواقع ميدانيّة مرتبطة بالعمل الخاص والوحدات النخبويّة.
من “قوّات التدخّل” إلى قيادة “قوّة الرضوان”
يُقدَّم طبطبائي في عدد من التقارير كأحد أبرز الضبّاط الذين ترقّوا داخل الجناح العسكري للحزب بعيدًا عن الأضواء. فقد تولّى في مرحلة مبكرة قيادة “قوّات التدخّل”، وهي وحدة إسناد هجوميّ عملت كقوّة صدمة متحرّكة على الجبهات، قبل أن تُدمَج هذه الوحدة مع القوّات الخاصّة بعد اغتيال القائد العسكري عماد مغنيّة عام 2008، لتولد “قوّة الرضوان” التي سُمّيت تيمّنًا باسمه الحركي “الحاج رضوان”.
وتشير تقارير متقاطعة إلى أنّ طبطبائي أصبح في ما بعد القائد الفعلي لـ”قوّة الرضوان”، وهي نخبة النخبة في “حزب الله” المسؤولة عن العمليّات الخاصّة، والتسلّل خلف خطوط العدوّ، والتحضير لأيّ عمل عسكريّ محتمل في الجليل شماليّ فلسطين المحتلّة.
ساحات القتال في سوريا واليمن
برز اسم طبطبائي على نحو أوضح مع انخراط “حزب الله” في الحرب السوريّة. وتذكر تقارير معارضة وأمنيّة أنّه أشرف على وحدات من “قوّة الرضوان” في معارك مفصليّة، أبرزها معركة القصير وعمليّات في القلمون ومحيطهما، حيث لعبت وحدات النخبة التابعة للحزب دورًا حاسمًا في ترجيح الكفّة لصالح النظام السوري.
كما تتحدّث مصادر أميركيّة وإقليميّة عن دور لطبطبائي في تنسيق دعم لوجستي وعسكريّ لحلفاء إيران في اليمن، عبر تدريب عناصر وتوفير عتاد وخبرات ميدانيّة، في إطار شبكة إقليميّة أوسع تُتهم بالعمل على تعزيز نفوذ طهران وزعزعة الاستقرار في المنطقة.
ومنذ سنوات، يتصدّر اسم طبطبائي لوائح المطلوبين لدى واشنطن. ففي تشرين الأوّل 2016 صنّفته وزارة الخارجيّة الأميركيّة “إرهابيًّا عالميًّا محدّدًا” بموجب الأمر التنفيذي 13224، ما أدّى إلى تجميد أيّ ممتلكات يملكها داخل الولاية القضائيّة الأميركيّة ومنع المواطنين الأميركيّين من التعامل معه ماليًّا أو تجاريًّا.
لاحقًا، أعلن برنامج “مكافآت من أجل العدالة” التابع للوزارة عن مكافأة تصل إلى 5 ملايين دولار أميركي مقابل معلومات تؤدّي إلى تعقّبه، واصفًا إيّاه بأنّه “قياديّ عسكريّ بارز في حزب الله قاد القوّات الخاصّة في سوريا واليمن” وأنّ نشاطه جزء من “جهد أوسع لتوفير التدريب والعتاد والجنود لدعم الأنشطة الإقليميّة” للحزب.
محاولات اغتيال متكرّرة وظلّ ثقيل في الجولان
رغم طابعه السرّيّ، خرج اسم أبو علي طبطبائي إلى العلن أكثر من مرّة عقب استهدافات إسرائيليّة. فقد أُشير إليه بوصفه الهدف الأساسيّ لعمليّة القنيطرة في الجولان السوري عام 2015، التي قُتل فيها القياديّ الإيرانيّ محمد علي الله دادي وجهاد عماد مغنيّة وعدد من عناصر “حزب الله”، قبل أن يتبيّن أنّه نجا من الغارة.
ومنذ ذلك الحين، وضعته وسائل إعلام إسرائيليّة في خانة “الأهداف العالية القيمة”، وتحدّثت تقارير حديثة عن أنّ إسرائيل حاولت اغتياله أكثر من مرّة خلال العامين الأخيرين، كان آخرها الغارة التي استهدفت شقّة سكنيّة في حارة حريك في الضاحية الجنوبيّة لبيروت، والتي أعلنت تل أبيب أنّها نُفِّذت “بدقّة” ضدّ “شخصيّة مركزيّة في حزب الله”، مرجّحة أن يكون هو المقصود.
موقعه الحالي في هيكليّة الحزب العسكريّة
مع موجة الاغتيالات التي طالت عددًا كبيرًا من قادة “حزب الله” الميدانيّين خلال الحرب الأخيرة، برز اسم طبطبائي أكثر فأكثر في التقارير الإسرائيليّة ومراكز الأبحاث الأمنيّة بوصفه أحد أهمّ ركائز القيادة العسكريّة للحزب، إلى جانب القياديّ محمد حيدر.
بعض هذه التقارير تتحدّث عن أنّ طبطبائي تولّى قيادة الجبهة الجنوبيّة بعد اغتيال القائد علي كركي في أيلول 2024، وأنّه بات مسؤولًا عن ثلاث وحدات جغرافيّة رئيسيّة “ناصر” و”عزيز” و”بدر”، الممتدّة من صيدا إلى الحدود اللبنانيّة الجنوبيّة، وهي المنطقة التي تشكّل مركز الاحتكاك المباشر مع إسرائيل.
في المقابل، تذهب تقديرات أخرى أبعد من ذلك، لتقدّمه كأحد من يُنسب إليهم عمليًّا لعب دور “العقل العسكريّ” أو “الرجل الثاني” في الحزب بعد التغييرات التي طاولت القمّة العسكريّة، وإن كانت هذه التسميات لا تجد ترجمة رسميّة داخل التنظيم الذي يتجنّب الكشف عن هيكليّته التفصيليّة.
قائد ميدانيّ بعيد عن الأضواء
بحسب ما تجمعه التقارير الإعلاميّة والبحثيّة، يلتزم طبطبائي بنمط حياة شديد التحفّظ، قليل الظهور في الصور والمناسبات العامّة، ويُعرَف أكثر داخل الأوساط العسكريّة المغلقة من خلال كنيته “أبو علي”. وتربطه هذه التقارير بخطّ القيادات التي “نشأت في الميدان” في بنية “حزب الله”، على غرار عماد مغنيّة وفؤاد شكر وعلي كركي، أكثر ممّا تربطه بالواجهة السياسيّة العلنيّة للحزب.
بهذه الخلفيّة، تبدو الغارة الأخيرة على الضاحية الجنوبيّة، إن صحّت الروايات التي تفيد بأنّه كان هدفها، محاولة جديدة لاستهداف أحد أعمدة الهيكليّة العسكريّة التي تشكّلت في “حزب الله” بعد سلسلة الاغتيالات الأخيرة، في خطوةٍ تحمل في طيّاتها رسائل تتجاوز شخصه إلى توازن القوى على الجبهة اللبنانيّة برمّتها.
المصدر: المدن





