
شهدت العلاقات السورية الإسرائيلية مرحلة من التعقيد الشديد منذ سقوط نظام بشار الأسد في 8 كانون الأول 2024، وجاء اليوم دخول نتنياهو للأراضي السورية بصورة من التحدي والإصرار وخرق لاتفاقية فض الاشتباك.
إذ استغلت إسرائيل الفراغ الأمني والسياسي عقب سقوط الأسد لتعزيز وجودها العسكري في الأراضي السورية، هذه الفترة شهدت تحولات غير مسبوقة في بنية القوة العسكرية السورية وفي توازن القوى في المنطقة.
فبعد سقوط الأسد على الفور شنت القوات الإسرائيلية سلسلة من العمليات العسكرية داخل الأراضي السورية، وبلغت ذروتها في حملة غير مسبوقة من الاستهداف الدقيق للبنى التحتية العسكرية السورية، بما في ذلك قواعد الدفاع الجوي ومعامل الدفاع والصناعات البحثية والعسكرية الحيوية.
وفق الإحصاءات المتداولة، فقد دمرت إسرائيل حوالي 80% من القدرة العسكرية السورية، في واحدة من أكبر عمليات التجريف العسكري في تاريخ المنطقة، بحيث تقوم دولة بتجريف كبير شبه كلي للقدرات العسكرية لدولة أخرى، مما أعاد رسم خريطة القوة على الأرض بشكل شبه كامل، إضافة إلى السيطرة على جبل الشيخ (قمة حرمون) وهو موقع استراتيجي حساس يطل على ثلاث دول وهي أراضٍ سورية، فاحتلت إسرائيل هذا الموقع الاستراتيجي بالغ الأهمية (2814 مترًا عن سطح البحر) ما أعطاها أفضلية مراقبة وتحكم في الجنوب السوري.
وقد صرح وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس بأن قواته “لن تنسحب من قمة جبل الشيخ وستبقى في المنطقة الأمنية جنوبي سوريا”، ما يعكس التصميم الإسرائيلي على الحفاظ على هذه النقاط الحيوية، وهذه كانت إحدى نقاط الخلاف في التفاوض حول اتفاقية أمنية جديدة لأنّ إسرائيل تعتبر اتفاق 1974سقط وتريد تثبيت اتفاق جديد بجغرافية جديدة.!
فكانت زيارة نيتنياهو للمنطقة العازلة والأراضي السورية التي تتمركز فيها إسرائيل وتقيم نقاط عسكرية فيها، وكانت الزيارة بعد فشل الاتفاق الأمني وبعد زيارة الشرع لواشنطن، فهذا أثار قلقًا في تل أبيب، حيث ترددت تقارير عن احتمال فرض الرئيس الأميركي ترمب تنازلات على رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو تتعلق بالانسحاب من جبل الشيخ، ما يضيف بعدًا جديدًا للضغوط الأميركية على السياسة الإسرائيلية، فكانت حالة من العناد والغطرسة بالإصرار على إقامة قواعد عسكرية في المنطقة العازلة في الأراضي السورية وهو حسب اتفاق فض الاشتباك 74 المسجل في الأمم المتحدة في مجلس الأمن يمنع أي وجود عسكري إسرائيلي في المنطقة.
حيث تقوم إسرائيل حاليًا بأعمال تحصين على موقعين استراتيجيين في جبل الشيخ استعدادًا للشتاء المقبل، وكذلك في المنطقة العازلة في خطوة تؤكد على العناد والتمسك بالمواقع الجديدة التي احتلتها رغم الضغوط الدولية، وأيضاً في ظل مساعٍ أميركية لتأمين اتفاق أمني جديد بين إسرائيل وسوريا.
وتشهد المفاوضات السورية الإسرائيلية اليوم طريقاً مسدوداً رغم استمرارها بمساعٍ أميركية، فشهدت أكثر من محاولة للتوصل إلى تفاهمات، لكنها وصلت إلى طريق مسدود حتى في المرة الثانية، حيث تواجه المفاوضات صعوبات كبيرة أيضاً بسبب رفض إسرائيل لدوريات روسية – تركية في جنوبي سوريا، بالإضافة إلى الخلافات حول طبيعة الاتفاقات الأمنية من دون التوسع والتطرق إلى التطبيع، وإسرائيل لا تتطلع إلى تطبيع حالياً بل اتفاق أمني جديد ترسم فيه جغرافية جديدة للأراضي التي اقتحمتها.
أما سوريا فتسعى إلى استعادة الأراضي التي احتلتها إسرائيل بعد سقوط الأسد، مع الحفاظ على حقوقها السيادية من دون الدخول في اتفاقات تطبيع واسعة، ما يجعل مستقبل التفاوض معقدًا ومتشابكًا مع مصالح القوى الإقليمية والدولية.
المشهد السوري سيبقى يواجه تحديات مما فعلته وتفعله إسرائيل في سوريا والضغوط المستمرة من دون إيقاف حقيقي لإسرائيل ومن دون إبرام اتفاق أمني جديد، وتتذرع إسرائيل بحماية أمنها القومي، علماً اتفاق فض الاشتباك خرقته إسرائيل وليس سوريا ويمكن ضمان هذا الأمن عبر آليات مشابهة لما تم في سيناء، مثل نشر قوات دولية أو إنشاء مراكز إنذار مبكر.
سوف تظل العلاقة السورية الإسرائيلية في حالة توتر مستمر، تتأرجح بين المواجهة العسكرية المباشرة والضغوط الدبلوماسية الدولية، مع استمرار التدخلات الإسرائيلية في المشهد السوري، يظل الطريق نحو اتفاق مستدام صعبًا، لكنه ليس مستحيلًا إذا تم التوصل إلى آليات أمنية تضمن مصالح جميع الأطراف من دون المساس بسيادة الدولة السورية، وهذا تتمسك به سوريا، وإسرائيل تستمر بالضغوط والغطرسة لاسيما بعد تجريف القدرات العسكرية السورية.
المصدر: تلفزيون سوريا






