
في خطوة تاريخية، أعلن البيت الأبيض عن اللقاء المنتظر بين الرئيس السوري أحمد الشرع والرئيس الأميركي دونالد ترامب في واشنطن، في زيارة تُعد الأولى من نوعها لرئيس سوري إلى الولايات المتحدة منذ عقود. ولكن ما الذي يخبئه هذا اللقاء من حيث التحديات والفرص؟ كيف سيؤثر هذا الاجتماع على علاقات سوريا مع الولايات المتحدة بعد سنوات من العقوبات والقطيعة؟ وما هي القضايا الجوهرية التي سيتناولها الطرفان، بما في ذلك مكافحة الإرهاب، والمفاوضات مع الاحتلال الإسرائيل، ومستقبل القوات الأميركية في سوريا، والتوترات مع قوات سوريا الديمقراطية (قسد)؟ هل ستكون هذه الزيارة بداية لمرحلة جديدة من التعاون بين البلدين، أم أنها مجرد خطوة دبلوماسية يسبقها المزيد من التحديات؟ وكيف يمكن أن تؤثر التحركات السياسية القادمة على الوضع الداخلي في سوريا وعلى العلاقات الإقليمية والدولية؟
هذه التساؤلات وغيرها تظل حاضرة في ظل الوضع السياسي المعقد الذي يواجهه الرئيس السوري الجديد، في وقت تسعى فيه سوريا إلى إعادة ترتيب أوراقها في الساحة الدولية بعد سنوات من الحرب والعزلة.. فهل سيكون “الدرج الطويل” الذي قطعه الشرع في الكرملين قصيرا في البيت الأبيض؟.
لقاء مليء بالملفات
أعلنت واشنطن الثلاثاء أن الرئيس السوري أحمد الشرع يلتقي الرئيس الأميركي دونالد ترامب في البيت الأبيض الاثنين. وسيكون الشرع أول رئيس سوري يجري زيارة رسمية للولايات المتحدة، قالت الناطقة باسم البيت الأبيض كارولاين ليفيت خلال مؤتمر صحافي إنها “تندرج في أطار جهود (ترمب) من أجل السلام في العالم”.
وذكّرت بأن ترامب أعلن خلال زيارته الخليجية في أيار/مايو الفائت رفع العقوبات الأميركية عن سوريا، وهي مسألة ستكون على رأس جدول أعمال اجتماع 10 تشرين الثاني/نوفمبر، ورأت ليفيت أن سوريا حققت برئاسة الشرع “تقدما” على طريق السلام.
وستكون هذه الزيارة الأولى للرئيس السوري إلى واشنطن، والثانية له إلى الولايات المتحدة بعد مشاركته في الجمعية العامة للأمم المتحدة في أيلول/سبتمبر الفائت في نيويورك، حيث أصبح أول رئيس سوري منذ عام 1967 يُلقي كلمة أمام المنظمة الدولية.
من جهته أوضح وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني الأحد أن محادثات الشرع مع ترمب تتناول أيضا مكافحة تنظيم الدولة وإعادة الإعمار في سوريا. وقال “هناك الكثير من المواضيع التي سيتم الحديث عنها: بدايةً رفع العقوبات”. مضيفا “نحن اليوم لدينا مكافحة داعش (…) سوريا تعاني من هذا الموضوع (..) نحن بحاجة للدعم الدولي” في هذا المجال. ولفت الوزير السوري إلى أن المحادثات ستتناول أيضا عملية الاستقرار وإعادة الاعمار في بلده.
وكان المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا توم باراك قال السبت إن الشرع سيتوجّه إلى واشنطن، حيث سيوقع “على الأرجح” اتفاق الانضمام إلى التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة ضد تنظيم الدولة.
العقوبات الأميركية على سوريا
كشفت صحيفة “وول ستريت جورنال” أن إدارة ترمب، تتحرك لإلغاء “قانون قيصر” قبل لقاء ترمب ـ الشرع، في خطوة تهدف إلى تسهيل ربط سوريا مجدداً بالنظام المالي العالمي وتسريع إعادة الإعمار.
وقالت الصحيفة إن مجلس الشيوخ أقر بالفعل تشريعاً ضمن قانون تفويض الدفاع يقضي بإلغاء “قانون قيصر”، في حين يجري مجلس النواب مناقشات مع الشيوخ حول الصيغة النهائية، وسط تحفظات من بعض النواب، أبرزهم رئيس لجنة الشؤون الخارجية، براين ماست.
ونقلت الصحيفة عن مسؤول رفيع في إدارة ترمب قوله إن “الإدارة تدعم الإلغاء الكامل لقانون قيصر”، مضيفاً أن “الإزالة ضرورية لتمكين الشركات الأميركية والدول الإقليمية من العمل في سوريا”.
وأشارت “وول ستريت جورنال” إلى أن الرئيس الأميركي وقع، في حزيران الماضي، أمراً تنفيذياً علق بموجبه العقوبات مؤقتاً، لكن مؤيدي الإلغاء يعتبرون أن التعليق قابل للرجوع عنه ويثبط الاستثمارات الطويلة الأجل. وفي تقرير سابق قالت وكالة رويترز إن إسرائيل تمارس نفوذها في واشنطن لإبقاء سوريا في “حالة ضعف”.
الشروط الأميركية.. قضايا أساسية بين واشنطن ودمشق
رغم حديث الشيباني عن “مكافحة الإرهاب وإعادة الإعمار” إلا أن هناك قضايا أساسية تضاف إلى مكافحة الإرهاب ورفع العقوبات مثل المفاوضات مع إسرائيل، وحل النزاعات الداخلية مع قوات سوريا الديمقراطية ومستقبل القوات الأميركية في سوريا، ومحاولات روسيا الاحتفاظ بنفوذها العسكري.
وكان الرئيس الأميركي دونالد ترمب قد أشا بـ “العمل الجاد” للرئيس السوري أحمد الشرع في إدارة البلاد، معرباً عن استعداده لاستقبال الشرع في البيت الأبيض.
وقال ترمب في حديث للصحفيين على متن الطائرة الرئاسية الإثنين الفائت : “رفعنا العقوبات عن سوريا من أجل منحها فرصة، وسمعت أن رئيسها يقوم بعمل جيد للغاية”، وفق ما نقلت ريترز، وتعيد هذه الإشادة بـ الشروط الأميركية إلى الواجهة فماذا نفذت سوريا منها؟
في نيسان الماضي، قالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية، تامي بروس، في مؤتمر صحفي، إنّه ينبغي على السلطات السورية “قمع الإرهاب بالكامل ونبذه، واستبعاد المقاتلين الإرهابيين الأجانب من أي مناصب رسمية، ومنع إيران ووكلائها من استغلال الأراضي السورية، مع اتخاذ خطوات جادة لتدمير أسلحة الأسد الكيميائية على نحوٍ يمكن التحقّق منه”.
وأضافت أنه ينبغي على السلطات أيضاً “المساعدة في استعادة المواطنين الأميركيين وغيرهم من المختفين في سوريا، وضمان أمن وحريات الأقليات الدينية والعرقية”.
وأكدت أن “أي تعديل في سياسات الولايات المتحدة أو في العقوبات المفروضة على سوريا تجاه السلطات الحالية المؤقتة، سيكون مشروطاً بتحقيق هذه الخطوات”، وقالت: “ندرك معاناة الشعب السوري الذي عانى لسنوات من الحكم الاستبدادي وقمع نظام الأسد، ونأمل أن يمثل تشكيل الحكومة الانتقالية في سوريا خطوة إيجابية لضمان تمثيل الجميع، بمن فيهم الأقليات”.
المفاوضات مع إسرائيل
رغم أنّ سوريا وإسرائيل لا تزالان رسميا في حالة حرب، فقد بدأ البلدان مفاوضات مباشرة بعد إسقاط نظام الأسد في الثامن من كانون الأول/ديسمبر الماضي عقب عملية عسكرية لت فصائل “ردع العدوان” التي كان يقودها الشرع.
وأعرب ترمب عن أمله بأن تنضمّ سوريا إلى الدول العربية التي طبّعت علاقاتها مع إسرائيل في إطار “الاتفاقيات الإبراهيمية”.
لكن الشيباني قال مؤخرا إنّ “هذا حديث غير مطروح ولم يطرح”.
وكان مسؤول سوري قال لوكالة فرانس برس في وقت سابق من العام الحالي إنّ دمشق تتوقّع إبرام اتفاقات أمنية وعسكرية مع إسرائيل عام 2025.
وعقب إطاحة الأسد، تقدّمت القوات الإسرائيلية إلى مواقع في المنطقة العازلة في الجولان والقائمة بموجب اتفاق فضّ الاشتباك لعام 1974. وشنّت الدولة العبرية مئات الغارات على مواقع عسكرية سورية، وأعلنت مرارا تنفيذ عمليات برية وتوقيف أشخاص تشتبه بقيامهم بأنشطة “إرهابية” في الجنوب السوري.
واحتلّت إسرائيل هضبة الجولان السورية في حرب 1967، ثم ضمّتها إليها عام 1981، في خطوة لم يعترف بها المجتمع الدولي.
وتطالب إسرائيل بأن يكون الجنوب السوري منطقة منزوعة السلاح.
وقال الشيباني “نحن قلنا إننا ملتزمون باتفاقية 1974 وأننا ملتزمون أيضا ببناء اتفاقية تضمن السلام والتهدئة بيننا وبين إسرائيل. لا نريد لسوريا أن تدخل حربا جديدة وليست سوريا أيضا اليوم بمكانة تهديد أي جهة بما فيها إسرائيل”.
وأضاف “أعتقد أن اليوم هناك مفاوضات أو مسارات تسير باتجاه الوصول إلى اتفاق أمني لا يهز اتفاقية 1974 ولا يقر واقعا جديدا قد تفرضه إسرائيل في الجنوب”.
التخلص من السلاح الكيماوي
اتخذت منظمة حظر الأسلحة الكيميائية قراراً بتعجيل إغلاق ملف السلاح الكيميائي في سوريا، لكنها حذّرت في الوقت نفسه من أن ذلك “عملية معقدة وشاملة”.
وأعلن ممثل روسيا الدائم لدى المنظمة، فلاديمير تارابرين، أن المجلس التنفيذي لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية اتخذ قراراً خلال اجتماع الدورة 110، “من شأنه أن يساعد في تسريع إغلاق الملف الكيميائي السوري”.
ومطلع تشرين الأول الماضي، تقدمت الجمهورية العربية السورية بقرار إلى المجلس التنفيذي لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية يتعلق بالتدمير المسرّع لأي بقايا للأسلحة الكيميائية في سوريا، في حين تبنت المنظمة الدولية بدورها القرار.
ووفق وزارة الخارجية السورية، ينص القرار على الترحيب بالتعاون والخطوات الإيجابية التي اتخذتها الحكومة السورية، ودعوة الدول الأعضاء إلى دعمها في معالجة هذا الملف.
كما يتضمن تعديل اسم البرنامج الكيميائي في سوريا على جدول أعمال المجلس التنفيذي ليصبح “إزالة أي بقايا لبرنامج الأسلحة الكيميائية لحقبة الأسد”، بما يعكس الرؤية التاريخية للمرحلة.
كما يطلب القرار من فرق التفتيش التابعة لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية مواصلة التحقيق وجمع الأدلة المتعلقة باستخدام الأسلحة الكيميائية، بما يسهم في دعم المسارات الوطنية للمساءلة.
لجنة التحقيق بأحداث السويداء
في 2 من تشرين الأول الماضي، دخلت لجنة تحقيق تابعة للأمم المتحدة للمرة الأولى إلى مدينة السويداء، للتحقيق في الأحداث الدامية التي شهدتها المحافظة مؤخراً، وفق ما أوضحته مصادر خاصة لـ”تلفزيون سوريا”.
وأوضحت المصادر أن اللجنة، التي تضم خبراء جنائيين وسياسيين ويترأسها مسؤول برازيلي، ستقيم في دمشق بمهمة مفتوحة من دون تحديد سقف زمني، وتعمل عبر عدة فرق متخصصة.
و أجرت لجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن سوريا، في 19 من الشهر الماضي، زيارة ثانية إلى محافظة السويداء، لمتابعة التحقيق في الأحداث الدامية التي شهدتها المحافظة، وأدت إلى سقوط عدد كبير من الضحايا المدنيين والعسكريين.
والتقت اللجنة في زيارتها الأولى، بالشيخ حكمت الهجري في بلدة قنوات وسط تعتيم إعلامي حول مضمون الاجتماع، في حين تشير معطيات محلية إلى أن اللجنة ستبدأ لقاءات مباشرة مع أهالي الضحايا لسماع شهاداتهم، خصوصاً في الريف الغربي الذي شهد اشتباكات عنيفة في تموز الماضي، إضافة إلى معاينة الأضرار الناجمة عن المواجهات.
وبحسب المصادر، تهدف اللجنة إلى جمع معلومات دقيقة وشاملة وتوثيق الانتهاكات بشكل مستقل، بما قد يسهم في تحقيق العدالة والمساءلة.
وتحظى هذه الخطوة، وفق المعطيات، باهتمام واسع في السويداء، وسط آمال بأن تسهم نتائج التحقيق في نزع فتيل العنف ودفع مسار مصالحة أوسع بين مكونات المجتمع السوري.
مكافحة “الإرهاب” وملف المقاتلين الأجانب في سوريا
في حزيران/يونيو، خففت واشنطن موقفها المتشدد من ملف المقاتلين الأجانب، وألمح المبعوث الأميركي إلى سوريا توم باراك إلى “تفهم أميركي بأن دمج بعض المقاتلين الأجانب في الجيش السوري سيكون مقبولاً إذا تم بشفافية”، بعد أن دعت إدارة ترمب دمشق لإخطار “إخبار جميع الإرهابيين الأجانب بالمغادرة”.
ولكن يبقى منع المقاتلين الأجانب من الوصول لأدوار القيادة واتخاذ القرار في الأجهزة الحساسة مثل الأمن والجيش، نظراً لخلفية هؤلاء المقاتلين أساسيا لدى واشنطن، لأن ذلك من شأنه تقويض العمليات العسكرية والأمنية التي يقودها التحالف الدولي في سوريا والتي زادت مؤخرا خاصة شمالي البلاد.
المفاوضات مع “قسد” إلى أين وصلت؟
في تصريحات لموقع “المونيتور” قال وزير الخارجية السوري إن : “المناقشات مع قسد ما زالت مستمرة، لكن لم تُتخذ حتى الآن خطوات إيجابية أو عملية”، مؤكداً في الوقت ذاته أن “المسار العام إيجابي”.
وفقاً للموقع، جاءت تصريحات الشيباني على نقيض تقييم المبعوث الأميركي إلى سوريا، توم باراك، الذي قال في كلمته خلال المؤتمر يوم السبت، إن المحادثات بين “قسد” ودمشق “تسير بشكل رائع للغاية”.
وأوضح باراك في تصريح للصحفيين أن جهود دمج “قسد” ضمن الجيش الوطني “تسير بشكل جيد”، مضيفاً: “نحن نسير بخطى ممتازة في عملية الدمج مع الرئيس أحمد الشرع ومظلوم عبدي”، مشيراً إلى أن قضايا تقاسم العائدات النفطية “تتحرك في الاتجاه الصحيح”.
وكان قائد قوات سوريا الديمقراطية “قسد” مظلوم عبدي، أعلن الشهر الماضي في مقابلة مع وكالة فرانس برس التوصل مع دمشق الى “اتفاق مبدئي” حول آلية دمج قواته ضمن وزارتي الدفاع والداخلية، لافتا الى محادثات تجري حاليا بين الطرفين في دمشق.
القواعد الروسية في سوريا
بعد أيام من لقاء الشرع وبوتين في موسكو، استأنفت روسيا رحلاتها الجوية العسكرية بين قاعدة حميميم في محافظة اللاذقية على الساحل السوري وقاعدة الخادم في شرقي ليبيا، بعد توقفٍ استمر نحو خمسة أشهر. بحسب بيانات ومعلومات تتبّع الطيران، نقلتها وكالة “نوفا” الإيطالية.
وتعتبر القاعدة نقطة رئيسية ضمن شبكة الإمداد الروسية في شمالي إفريقيا، وتؤدي دوراً محورياً في دعم النفوذ العسكري لموسكو في المنطقة.
ويقول معهد واشنطن، إن الضوء المسلط على روسيا في سوريا انحسر بشكل كبير، غير أن الوجود الروسي بات يتعزز مرة أخرى ولكن ببطء، فقد احتفظت موسكو بقاعدتيها العسكريتين في سوريا وذلك في كل من طرطوس وحميميم، حيث يمكنها إعادة تخطيط الهدف منهما وذلك لتأدية مهام إضافية، كأن تتحولا إلى مركزين لإرسال المساعدات الإنسانية إلى إفريقيا. وقد أكد الشرع في لقائه مع بوتين بأنه يحترم الاتفاقيات السابقة التي عقدت مع روسيا، وهذا ما يؤكد سلامة القاعدتين الروسيتين وبقاءهما على حالهما.
ماتزال روسيا المورد الأساسي للنفط إلى سوريا، كما أنها ستطبع العملة السورية الجديدة، فضلاً عن السفارة الروسية التي ظلت مفتوحة في سوريا، ومع تراجع القيود على الصفقات الاقتصادية التي تبرم مع سوريا، أصبحت روسيا في موضع يؤهلها بشكل كبير لتعزيز علاقاتها مع هذا البلد عبر الاستعانة بوسطاء سريين في مجال المشاريع التجارية.
المصدر: تلفزيون سوريا






