مجزرة دبلوماسية بالبيت الأبيض: ترامب يشتبك مع زيلينسكي.. والفائز بوتين

فكتور شلهوب

لو كان الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في زيارة إلى الكرملين وليس إلى البيت الأبيض، ربما لم يكن لينتهي لقاؤه مع عدوّه اللدود، الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بصورة صادمة ودرامية أسوأ من التي انتهى بها اجتماعه مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب في البيت الأبيض أمس الجمعة.

البرنامج كان أن يجري استقبال زيلينسكي فور وصوله في المكتب البيضاوي لعدة دقائق بحضور الصحافة، قبل الانتقال إلى طاولة المباحثات لتوقيع صفقة استثمار أميركية في مجال المعادن النادرة في أوكرانيا، وذلك كمطلب لقيام ترامب بدور الوساطة لطي صفحة الحرب والمساهمة بتقديم ضمانات أمنية لعدم تكرارها. لكن الاستقبال الذي جرى في جو متوتر سرعان ما انفجر وتحوّل إلى تلاسن وصدام دبلوماسي غريب أمام الكاميرا بين ترامب ونائبه دي جي فانس ضد زيلينسكي، وانتهى إلى ما يشبه طرد هذا الأخير من البيت الأبيض وإلغاء باقي بنود الزيارة التي كان يفترض أن تشمل حفل غذاء.

ما حصل لا سابقة له في تاريخ البيت الأبيض، وكان “كارثة دبلوماسية” كما وصفها المراقبون، وقد أثار عاصفة من الاستغراب والذهول، فضلا عن الشعور بالإحراج والتخوف من تداعياته الدولية، لا سيما في صفوف الحلفاء، خاصة جولة التراشق التي لم تُخل من التوبيخ المهين والاستضعاف للرئيس الاوكراني الذي “طُلب منه أن يغادر” البيت الأبيض وكأنه “شخص غير مرغوب فيه”.

لكن، هل كانت هذه المشهدية بنت ساعتها؟ الأرجح أنها لم تكن كذلك، بل كانت محسوبة ومبيتة حسب معظم التقديرات، فترامب لم يكن ليتصرف بصورة تؤدي إلى تخريب صفقة “جيدة” تبلغ قيمتها 500 مليار دولار، لولا وجود حسابات أخرى وراءها، تتعلق بالصفقة وشروطها أو بالحل وشروطه، فقد تردد في الأيام الأخيرة أن مسودة الصفقة ما زالت غير نهائية وأن زيارة زيلينسكي قد جرى ترتيبها على عجل لاستكمالها بصيغتها الرسمية والتوقيع عليها. ما كان قد بقي منها في دائرة الغموض، أن كييف اشترطت الحصول على ضمانات أمنية على شكل مشاركة أميركية في قوات حفظ السلام بين روسيا وأوكرانيا بعد نهاية الحرب. لكن ترامب رفض بذريعة أن المعني بهذه المهمة هم الأوروبيون فقط. وجرى تفسير قبول زيلينسكي القيام بهذه الزيارة قبل حلّ هذه النقطة الخلافية، بأنه “مضطر” للتوقيع ليبقي على الجسر المفتوح مع ترامب. ويذكر أن الادارة الأميركية تغيّر خطابها من الحديث عن تسوية تنهي الحرب إلى الحديث عن “وقف إطلاق النار”، كمرحلة أولى.

وفي سيناريو آخر محتمل، أن تخريب الزيارة كان محسوبا كوسيلة ضغط لحمل أوكرانيا على تقديم “تنازلات أكبر” سواء في العقد المعدني أو في التسوية الموعودة للحرب. ربما لأن موسكو “غير مرتاحة” لصفقة المعادن وبما قد يعرقل مساعي ترامب لوقف إطلاق النار ويرتد بالتالي على صدقيته وهو الذي وعد بإنهاء هذه الحرب.

نسف هذه الزيارة، يحمل عدة رسائل، أولها أن قضية أوكرانيا صارت في عهدة الأوروبيين ولم يعد لواشنطن علاقة بها، على الأقل في ما يتعلق بالتسليح. كان ذلك واضحا خلال زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى واشنطن يوم الثلاثاء الفائت واجتماعه مع ترامب، وما تخللها من غمز متبادل من الجانبين، مع تلميح ضمني من ترامب بأن واشنطن قدّمت ما يكفي لأوكرانيا (357 مليار دولار وهو رقم مبالغ فيه) وانتهى دورها. ثم تكرر المشهد ولو بدرجة أخف أثناء زيارة رئيس الحكومة البريطانية كير ستارمر إلى واشنطن، أول من أمس الخميس، واجتماعه مع ترامب. كلاهما رجع بقناعة بأن إدارة ترامب ترى أن أميركا قدمت ما يكفي وأن دورها انتهى. والرسالة الأهم والمنبثقة عن هذا الموقف أن إدارة ترامب تعدّ الأرضية للانسحاب غير المستبعد من حلف شمال الأطلسي (الناتو) والذي قد يتخذ تعبيراته العملية أو التمهيد لها في اجتماع الحلف في يونيو/حزيران القادم. وهذا احتمال متداول منذ فترة ولا تخفي الدوائر الأميركية المعنية مخاوفها من أن تقدم إدارة ترامب على هذه الخطوة التي سبق أن أعطى الرئيس الأميركي أكثر من إشارة بشأنها، آخرها كانت مطالبته دول “الناتو” بتخصيص 5% من ناتجها المحلي الإجمالي لشؤون الدفاع، وهي نسبة تنطوي على أكثر من تحذير و”غير معقولة” في كافة الاتجاهات، ولا تقوى عليها حتى الولايات المتحدة نفسها. وبذلك بدا أن وضع مثل هذا الشرط التعجيزي ربما كان مقدمة لمراكمة حيثيات الانسحاب من الحلف.

بكل حال، وسواء كان انفجار الأمس بين الضيف والمضيف في البيت الأبيض جزءا من مخطط أم لا، فإن المنازلة انتهت إلى خروج “الرئيس بوتين الرابح الأكبر فيها”، وفق قراءات الخبراء ومن بينهم جون برانن، المدير السابق لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية “سي آي إيه”، وجون بولتون، السفير والمستشار الرئاسي في إدارة ترامب الأولى.

 

المصدر: العربي الجديد

تعليق واحد

  1. إن ماجرى أمام الإعلام من حوار مفتوح ومشادة كلامية بين الرئيس ترامب والأوكراني زلينسكي في البيت الأبيض سواء كان جزءا من مخطط أم لا، فإن المنازلة انتهت إلى خروج “الرئيس بوتين الرابح الأكبر فيها”، إستخدم ترامب اسلوب شعبوي غير لائق وحاول زلينسكي الرد، وسيظل الآوروبيين السند الأكبر لزلينسكي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى