مـــــــصــــطـــــفــــى ” أوديــــــــــــــب “!

محمد خليفة

أسطورة أوديب أسطورة إغريقية معروفة للمثقفين، ولكن ليس لجميع الناس، ولذلك علينا التذكير المختصر بها، في بداية هذا المقال، عن المرشح لرئاسة الحكومة اللبنانية الجديدة الديبلوماسي مصطفى أديب.

تقول الاسطورة أن ملكا أنبأه الكهنة أن زوجته ستلد له ولداً يقتله عندما يكبر، ونصحوه بالتخلص من الطفل، وعندما ولدت زوجته، أمر بالتخلص منه، فكلفوا رجلا بحمل الطفل الى قمة جبل والقائه ليموت ويكون وجبة للوحوش، ولكن قلب الرجل رق للطفل، فأعطاه لراع فقير، وطلب منه العناية به وكتمان الخبر عن الناس. نشأ أوديب وترعرع في كنف هذا الرجل الذي رحل الى بلد مجاور ليتجنب انتقام الملك إذا علم بتربيته للطفل، وهناك شاءت الاقدار أن يصبح أوديب أحد حاشية الملك بسبب قوته. ودارت حرب بين الدولتين فاستطاع أوديب الانتصار على جيش أبيه، فقتله، وتزوج امرأته الحسناء، وهو لا يعرف أنها أمه، وأنجب منها طفلا. وبعد ذلك اكتشف الجميع حقيقة ما جرى، فانتحرت الأم، وفقأ أوديب إحدى عينيه ولجأ الى مكان مهجور يعيش فيه مع الطفل.

هذه هي الاسطورة باختصار ، بقيت واحدة من حكايات الميثولوجيا اليونانية القديمة الى مطلع القرن العشرين ، فتناولها عالم النفس النمساوي سيجموند فرويد وحللها وفقا لمنهجه النفسي القائم على الاعتقاد أن الغريزة الجنسية هي التي تتحكم بالشخصية الانسانية ذكرا أو انثى منذ الطفولة المبكرة ، ووجد في أسطورة أوديب دليلا على ميل الطفل الجنسي نحو أمه ، وكرهه لأبيه لأنه ينافسه عليها ، بينما تميل الأنثى الى أبيها وتكره أمها ، وسمّى هذه الحالة (عقدة أوديب) وهي شائعة جدا حاليا بين الاطباء النفسانيين ، رغم انتقادات الكثيرين لها ، وتشكيكهم بصحتها .

تذكرت نظرية فرويد هذه وأنا أتابع “السجال” العاصف الذي دار بين مصطفى أديب وبين مواطنيه أثناء لقائه بهم في حي الجميزة ، خلاله زيارته له ، يوم الاثنين ، بقسوة وعدائية رغم ما عرف عن اللبنانيين من لباقة وتهذيب ، ولكن ذكاءهم تغلب على لباقتهم هذه المرة ، وتفوق غضبهم المفهوم على حكامهم على تهذيبهم . فقد تعاملوا معه بشدة مبررة . قال لهم : أقف الى جانبكم أنا منكم ، فردوا عليه ( ما بدنا ياك … انت مش من الشعب ) ولولا كثرة عناصر الحماية المرافقين له والذين أحاطوه من كل جانب ليحموه لتعرض للضرب والعنف من المواطنين الذين ما زال كثير منهم بلا مأوى بعد شهر من انفجار مرفأ بيروت الكارثي. وهو على كل حال انسحب بسرعة مطرودا كما استقبلوه ، مودعا بهتاف : ( أحرار ثوار بدنا نكمل المشوار ) . ربما تخيل أن الناس سيستقبلونه بالتصفيق والترحيب كما استقبلوا الرئيس الفرنسي في زيارته الأولى ، ولم يدر أن الدعاية الفجة التي أحاطت اخراجه وسيناريو تكليفه لم تنطلي على أحد،وأن الناس متيقنة أنه نسخة مكررة من سلفه حسان دياب!

المعنى الوحيد لهذا المشهد المثير للاعجاب والتأمل أن مصطفى أديب مرفوض ، وسيكون مصيره كمصير دياب ، الرفض القاطع لأنه من زمرة السلطة الفاسدة ، اختاروه مثلما اختاروا سابقه ، لكي يخدعوا الناس ، بقولهم إنه مستقل ونزيه ومن خارج الزمرة الحاكمة الفاسدة .

لكن الشعب اللبناني يثبت كل يوم أنه شعب ذكي لا يمكن استغباؤه والتعامل معه كجمهور سهل الانقياد والتضليل . الشعب اللبناني قد يساوم ويتساهل ويتحمل الظلم ويتنازل أحيانا وقد يسير خلف زعمائه كما تسير القطعان خلف الرعاة ، ولكنه لا يفعل ذلك بسبب غبائه ، وإنما بسبب الانقسامات الطائفية المتجذرة ، وحسب . وحتى إذا وجدت في ظروف سابقة فئات من اللبنانيين يمكن أن توصف بالجهل والغباء واعتادت السير مغمضة الأعين خلف زعمائها ، فإن انتفاضة 17 تشرين تقدم دليلا قاطعا أن اللبنانيين بغالبيتهم الساحقة تغيروا ، وتعلموا ، واكتسبوا من الوعي والخبرة ما يمكنهم اكتشاف الفاسدين وأهل السلطة ، ويفهموا أيضا أساليبهم وألاعيبهم لتجديد اقنعتهم وأدواتهم ، ويعيدوا انتاج سلطتهم بطرق ماكرة .

مصطفى أديب ابن السلطة، لا ابن الشعب، هو أوديب الذي يعشق السلطة (أمه الأصيلة) ويتمنى الزواج بها، ويكره الشعب الذي يمثل (أباه الشرعي)، أو صاحب السلطة الحقيقية.  لأن الرجل مصاب بالعقدة التي شخصها فرويد!

المصدر: الشراع

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى