يتم من وقت لآخر دعوتي لمداخلة إذاعية حول مواضيع شتى لإبداء رأي كمختص بالاقتصاد، استوقفني هذا الوضع لأبحث عن حقيقة الاعلام والعلاقة بين الاعلام والاقتصاد ولماذا يطرح السؤال على اقتصادي من قبل اعلامي ( مادور الاقتصاد بإشكالات التربية والتعليم ) وهو على سبيل المثال، مما دفعني إلى التفكير بكتابة تلك الأسطر لأوضح علاقة الاقتصاد بالاعلام الذي نعرفه اليوم .
مما لا شكّ فيه أنّ للإعلام دورًا كبيرًا في حياة الأفراد والمجتمعات، ولا يخفى على أحد دور الإعلام في تحريك الأسواق وتوجيهها، حيث يُنشّط عجلة التنمية الاقتصادية، ويجذب الفرص الاستثمارية والمستثمرين إليها.
برز الإعلام الاقتصادي مستخدمًا الوسائط المتعددة، إضافة للصحافة والفضائيات ووسائل التواصل الاجتماعي وغيرها، بل أضحى إعلامًا جوالًا بأخباره مرافقًا كل مهتم أينما كان عبر جواله أو بريده الإلكتروني، أو عبر صفحاته الاجتماعية الشخصية، حيث يقوم الإعلام الاقتصادي بنقل وتحليل وتفسير التغيرات الاقتصادية التي تحدث في المجتمع وتشمل الأفراد والأماكن والقضايا المتصلة بالاقتصاد، كما يشمل أيضًا تغطية أداء الشركات ونشاطاتها، تحت هذه المظلة الإعلامية الاقتصادية.
لنميز بين دور الاعلامي ودور الاقتصادي حتى تتوضح الامور أكثر، الأعلامي ينحصر دوره بنقل الخبر والبحث عن الحقيقة بما ينقل كي يحافظ على مصداقية ما يقوله أو ينقل ووفقاً لمتطلبات وخلقيات المهنة ، بينما الاقتصادي فله رؤيته الخاصة وتحليلاته حول ما يتحدث عنه حتى لو اعتمد على مراجع وأرقام تبقى لمسته وبصمته مؤثرة بالرأي العام كونه مصدر مختص ، أما إذا أجتمع الاثنان معاً ( اعلامي اقتصادي ) حينها نصل إلى قمة الكمال بالتقارير .
لنعد لتلك العلاقة ونبحث تلك الرابطة القوية بين الإعلام والاقتصاد سنجدها تتجاوز مفهوم -ا لإعلام الاقتصادي – إلى درجة كبيرة، لتشمل الإعلام بمعناه العام، فقد أصبح الاقتصاد جزءًا من صناعة الإعلام، والإعلام جزء من صناعة الاقتصاد، وهو ترابط تفرضه معطيات العصر الحديث ومنجزاته، فالإعلام الذي يُعنى بالجانب التخصّصي بالنسبة للاقتصاد خرج من أروقة المؤسسات الأكاديمية بفعل ما فرضته الهزّات الاقتصادية التي شهدها العالم اليوم، مما دفع الإعلام إلى تسخير كل طاقاته لمتابعة تلك الهزّات وما تلاها من هزّات اقتصادية باعتباره شريكًا في تحمّل نتائجها السلبية والإيجابية، وباعتبارها المحور الأساسي لاهتمام كل القطاعات التي يتعامل معها الإعلام ابتداءً من المواطن العادي المؤثر على حجم التوزيع، وانتهاء بالشركات الكبرى الأكثر تأثيرًا في حجم الإعلان، أي التوزيع والإعلان مصدر التمويل الرئيس للمؤسسة الإعلامية.
لم يعد الإعلام محصورًا بالأجهزة الإعلامية التقليدية، فصار لكل شركة أو مؤسسة منتجة منصاتها الإعلامية الخاصة بها، سواء من خلال مواقعها الإلكترونية أو بالاعتماد على عناوينها في مواقع التواصل الاجتماعي بجميع أشكاله، فطغى ذلك كله على الأشكال التقليدية من صحف ومجلات ورقية وحتى قنوات فضائية، مما أجبر جميع هذه الوسائل على تتبع التقنيات واستخدامها حتى تبقى في السوق الإعلامي، فلا تخرج منه مخذولة لتقادمها التقني.
لذلك أصبح الإعلام أداة فاعلة في إنتاج الوعي وتحريكه، ونشر الثقافة الاقتصادية في المجتمع كالتعريف بالقوانين والتشريعات والإجراءات التنظيمية وآثارها، وبيان أهداف الخطط الإستراتيجية الموضوعة، ولكن يتبع أسلوب أكثر سلاسة وبساطه بحديثه أو كتاباته مبتعداً أغلب الأحيان عن الخطوط البيانية والمصطلحات الفنية الاقتصادية لذلك نجده يساهم في:
– توعية الجمهور بأهمية الادخار وآليات توجيهه نحو الاستثمار، وإرشاده إلى مصادر الموارد المتجددة، فيحفزه للحد من الاستهلاك غير الضروري حفاظًا عليها، ويروج لماهية البدائل الممكنة، وللاستخدام الأمثل لها ويساعده الاقتصادي بتحسس وقوع الازمات والاستشعار عن بعد بمجريات العربة الاقتصادية ككل ويأتي الاعلامي ليبسطها بدوره وينقل تلك المعلومات للمواطن العادي .
– دعم المشاريع والصناعات المفيدة بالترويج لها بأسلوب مهني، وبذلك لن يعد المواطن ساذجًا أو بعيدًا عما يحصل في الأسواق العالمية والمحلية على حد سواء. فمن يتلقى المعلومات المتعلقة بسحب شركات عالمية لمئات الآلاف من منتجاتها من الأسواق لِعيب بسيط نسبيًا، لن يقبل بعيوب منتجات يريدها سواء كانت محلية أم غير محلية، لأن رأيه سيكون مستندًا إلى قرائن يصعب التغاضي عنها، مما يساعد على خلق منافسة أساسها المعلومات الصحيحة، بما يحقق في النهاية الإفادة للجميع وبشكل خاص عندما تكون تلك المعلومات صادرة عن اعلامي معروف بنزاهته وشفافيته ومهنيته ، هنا يتبين لنا أن العلاقة بين الاعلام والاقتصاد هي علاقة ليست فقط مهنية بل هي علاقة خلقية مرتكزة على قيم هدفها الأول والاساسي المواطن وبناءً عليه أصبح الاعلامي عنصر اقتصادي له دور بالمجمتع كدور أي مؤسسة مالية صناعية أو حتى استثمارية بسوق المال .