بين الحقائق وإنتاج السرديات للاستثمار السياسي

معقل زهور عدي

تعاني السويداء الآن من كارثتين، كارثة إنسانية تتمثل في الجروح العميقة التي خلفتها المجازر التي ارتكبت ضد المدنيين وأعمال النهب والحرق والتدمير، وكارثة أخرى لاتقل سوءا في نتائجها البعيدة المدى وهي الاستثمار السياسي لتلك الأحداث الأليمة في عزل السويداء وتشويه صورتها الوطنية وبناء سرديات في خدمة تلك الأهداف .

ومن أجل بناء مثل تلك السرديات لابد من ترويج مصطلحات مثل الغزو , الابادة , البرابرة , الخطر على الوجود , المصير ….الخ .

وبقليل من التدقيق يمكن الاستدلال أن تلك المصطلحات ليست جديدة وليست فريدة من نوعها , فكل المظلوميات السياسية استخدمتها للوصول لأهداف لاتمت بصلة لآلام الناس الذين عانوا بالفعل من وطأة كارثة أو مجازر .

لكن مايخص سرديتنا الهجرية التي انتشرت انتشار النار في الهشيم حتى هيمنت على عقول المثقفين في السويداء أنها استندت إلى قدر كبير من المبالغات وايقاظ أعمق المشاعر الطائفية والقبلية .

والمتأمل في الفرق بين السردية الهجرية لأحداث السويداء والأرقام الواقعية للضحايا وفقا لمصادر موثوقة ومهنية محايدة لن يضطر لبذل جهد كبير في التمييز بين ماجرى في الواقع والسردية المخصصة للاستثمار السياسي .

فالحديث عن أعمال إبادة يصطدم بطريقة درامية بالأرقام التي تقول إن اجمالي الضحايا من الدروز بحدود الألف ضحية منهم بين 600- 700 من المقاتلين من الميليشيات وبين 300- 400 من المدنيين مقابل حوالي 200 من العشائر وحوالي 250 من الجيش والأمن العام .

وحين نتحدث عن معركة يسقط فيها قتلى من المقاتلين بحدود 250 من طرف الجيش والأمن العام مقابل 600- 700 من المقاتلين من الميليشيات جرت داخل المدينة وحولها وسقط فيها 300-400 من المدنيين الشهداء من طرف و200 من المدنيين الشهداء من الطرف الآخر فنحن لانتحدث عن إبادة ولا عن غزوة بربرية ولا عن خطر وجود بل عن شيء آخر تماما بكل المعايير .

من حيث المبدأ حدثت الفظاعات من الطرفين أما كونها قد حدثت من طرف أكثر مما حدثت من طرف آخر فذلك سببه أوضاع ميدانية والفظائع موثقة بالفيديوهات وبعضها يصور كيف تعلق جثث الشهداء من الأمن العام وكيف جرى سحل جثثهم في الشوارع الخ ..

وبالطبع حدثت فظائع كبيرة من الطرف الآخر لايمكن إنكارها أو التقليل منها .

ليس القصد تبرير الجرائم التي حصلت خاصة ضد المدنيين في السويداء أبدا .

لكن القصد هو رؤية كيف تنهارالسردية التي تم تضخيم أحداث السويداء فيها إلى ماسمي بالابادة والغزو والبرابرة ( لا أدري هل تعليق جثث الأمن العام والتمثيل بها وسحلها من أعمال المدنية والحضارة , أم تهجير العشائر الذي يصنف كجريمة ضد الانسانية ) أمام أرقام الضحايا من مختلف الأطراف .

لاشك أن الضحية الأكبر هو المجتمع المدني في السويداء من دروز وعشائروغيرهم فهو من قدم الشهداء وهو من جرى ترويعه ونهب ممتلكاته , ويجري الآن استكمال الاجرام بحقه حين يتم استثمار كارثته من أجل حلم إمارة من المافيات تحت غطاء طائفي رجعي يستند علنا لدولة عدوة للشعب السوري . جريمة كبرى تضع أهل السويداء بمواجهة إخوتهم السوريين بينما ترسم للتحالف مع أعدائهم .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى